الحكومة المصرية مثقلة بالديون. تقديرات الموازنة العامة الجديدة تتوقع زيادة الدين الحكومى ليصل إلى 2.2 تريليون جنيه فوائد الديون صارت تبتلع وحدها أكثر من 36% من إيرادات الموازنة العامة، وتتنافس مع الموارد التى نحتاجها لتوفير خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والصرف الصحى وشبكة الطرق، ناهيك عن متطلبات إعادة إحياء وتشغيل مشروعات القطاع العام التى لا تزال مملوكة للدولة. إيرادات الحكومة لا تكفى لتغطية مصروفاتها فتضطر للاقتراض لتغطية العجز وسداد أقساط القروض القديمة. كأى مدين مثقل بالديون تسعى الحكومة إلى تخفيض مصروفاتها والبحث عن مصادر جديدة للإيرادات. نوع النفقات التى يتم تخفيضها ومصادر الإيرادات الإضافية التى يتم للجوء إليها يحدد الفئات الاجتماعية التى اختارت الحكومة أن تحملها تكلفة الخروج من الأزمة. حكومتنا اختارت أن تحمل العبء على الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة. قرار تخفيض دعم الطاقة تم اتخاذه بحسم شديد، رغم ما يعنيه ذلك من رفع لأسعار كافة السلع المصنوعة وتكلفة نقل البضائع وتكلفة التاكسى والميكروباص ووسائل النقل العام، لينتهى الأمر بارتفاع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات.. قرار تخفيض وزن رغيف الخبز المدعم تم اتخاذه بحسم شديد رغم أن البنك الدولى نفسه حامى حما اقتصاد السوق سبق أن أكد منذ بضعة سنوات أن دعم السلع التموينية وبوجه خاص دعم الخبز يلعب دورا رئيسا فى الحد من ارتفاع معدلات الفقر فى مصر. أما قرارات زيادة الإيرادات فجاءت على استحياء فى شكل ضريبة إضافية مؤقتة بنسبة 5% على الدخول التى تزيد على مليون جنيه سنويا، وضريبة على صافى الأرباح الرأسمالية وعائد توزيعات الأسهم بنسبة 10% ، وبحيث لا تتجاوز الضريبة على عائد التوزيعات لأصحاب الشركات 5% المذهل أن الحكومة تعترف فى البيان المالى للموازنة العامة بأن حصيلة الضرائب فى مصر لا تتجاوز 15% من الناتج المحلى إلإجمالي، وأن هذه النسبة تقل كثيرا حتى عن المتوسط السائد فى الدول الفقيرة. وتعترف أيضا بأن الجزء الأكبر من حصيلة الضرائب يأتى من المؤسسات المملوكة للدولة ممثلة فى قناة السويس والهيئة العامة للبترول والبنك المركزى المصرى فضلا عن الهيئات العامة وبنوك شركات القطاع العام. بل و توضح أرقام الموازنة أن ما يدفعه الموظفون من ضرائب يبلغ أضعاف ما يدفعه أصحاب المهن الحرة ناهيك عن ملاك العقارات. هذا كله يعنى ببساطة أن القطاع الخاص وأغنياء هذا البلد لا يتحملون عبئا ضريبيا يتناسب مع نصيبهم فى الناتج المحلي. وبدلا من أن تتخذ الحكومة قرارا حاسما لإصلاح هذا الوضع المختل بتفعيل نظام الضرائب التصاعدية الذى أقره الدستور، اختارت الاقتصار على محاربة التهرب الضريبى والعمل على رفع كفاءة التحصيل. الحكومة فيما يبدو تعتبر الضرائب التصاعدية رجسا من عمل الشيطان. بل إن تصريحات وزير الاستثمار تؤكد أنه سيتم بعد 3 سنوات إلغاء ضريبة ال 5% الإضافية على الدخول التى تزيد على مليون جنيه سنويا ليقتصر معدل الضريبة على 25% ثم ينظر بعد ذلك فى تخفيضها إلى 20%. الحكومة تستهدف تطبيق «ضريبة تنازلية» على الأغنياء! بعض الاقتصاديين يرى أن الوقت الحالى وظروف الركود الاقتصادى قد لا تكون مناسبة لفرض الضرائب التصاعدية على قطاع الأعمال، وأنه يجب الانتظار حتى تتحسن الأحوال الاقتصادية. ولكن حتى إذا أخذنا بهذا المنطق فما هو المبرر لعدم تطبيق الضريبة التصاعدية على دخول الأفراد الأثرياء؟ معدلات الضريبة على شرائح الدخل العليا فى الدول الرأسمالية تصل إلى 40% فى انجلترا وفرنسا وسويسرا، وإلى 45% فى استراليا وألمانيا ، وإلى 50% فى اليابان و57% فى السويد و62% فى الدانمارك. المذهل أن هذا التنازل عن حق الدولة فى الضرائب وحق الشعب فى التوزيع العادل لأعباء الخروج من الأزمة الاقتصادية، يتم استبداله بمحاولة اقناع رجال الأعمال والأثرياء بالتبرع للدولة، واستدعاء الوازع الأخلاقى والوطنى لحثهم على القيام حتى بدورهم الطبيعى فى النشاط الاقتصادى أى الاستثمار وتحقيق الأرباح. تتنازل الدولة طواعية أيضا عن موارد الصناديق الخاصة التى تؤول إليها العديد من أنواع الرسوم التى يدفعها المواطن المصرى ولا تدخل إلى الخزانة العامة. تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات تشير إلى أن جملة الإيرادات السنوية للصناديق والحسابات الخاصة التى أمكن حصرها قد بلغت ما يزيد على 98 مليار جنيه خلال عام 2010/2011. القانون الذى صدر منذ أيام قليلة يكتفى بأن تؤول إلى الخزانة العامة 10% من تلك الإيرادات، رغم أن تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات تؤكد أن الجزء الأكبر من أموال الصناديق الخاصة يستخدم فى دفع أجور ومكافآت لبعض القيادات فى المؤسسات الحكومية تحت مسمى خبراء ومستشارين، فضلا عن الإنفاق على الضيافة والمجاملات وإعلانات التعازى والتهاني، بل وتوصيل خدمات المرافق لمساكن بعض كبار المسئولين وإجراء أعمال الصيانة لمنازلهم. نريد توزيعا عادلا لأعباء الخروج من الأزمة الاقتصادية. نريد إعادة هيكلة الضرائب على الدخل وفقا لما نص عليه لدستور. نريد توسيع شريحة الإعفاء للحدود الدنيا للدخل إلى 18 ألف جنيه سنويا بما يساوى قيمة الحد الأدنى للأجور. نريد تطبيق ضريبة تصاعدية حقيقية على الدخول الفردية ثم فى مرحلة تالية على دخول المشروعات. نريد ضم كامل إيرادات ومصروفات الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة. نريد الخروج من عباءة حكومة نظيف. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى