في مثل هذه الأيام.. من كام عام ذهب إلي هناك.. طارت روحه القلقة المحبة العاشقة إلي عليين وما أدراك ماعليون، في مثل حالة أحمد زكي سيقول أغلبهم أن النمر الأسود مازال بيننا ولم يمت. لكنني سأشذ عن القاعدة وأقول: لا.. لقد مات أحمد زكي والدليل أننا نفتقده جدا.. والدليل الأكبر أننا نبكي عندما تقدم إحدي القنوات الفضائية أحد أفلامه.. والدليل الواقع أننا نقول في كل مناسبة: ليس لدينا ممثل بقامة أحمد زكي. لكنني لاأستطيع أن أشذ هذه المرة عن القاعدة حين أقول: بصمة أحمد زكي هي الباقية.. بصمة حبيب الملايين كانت عصية علي ملك الموت فتركها لنا لكي نعلم جيلا وراء جيل.. ولكي يعلم أحفادي الذين لم يولدوا بعد أن مصر شهدت في الفترات التي سبقت ولادتهم مجموعة من العظماء كان أحدهم ممثلا فنانا واسمه أحمد زكي. ومن حسن حظي الذي لن يتمتع به أحفادي أنني عرفت أحمد زكي.. عرفته كصحفي بعد أن تمتعت به كمشاهد. ذات يوم اقترحت علي رئيس صفحة الفن في أخبار اليوم حيث كنت أعمل تحقيقا بعنوان: النجم الذي غير مقاييس النجم فقال لي: يعني إيه.. موش فاهم. قلت له: نجم السينما الذي تعارفنا عليه وتعارفت عليه الأجيال التي سبقتنا يتمتع بمجموعة من المواصفات قل أن يتنازل عنها منتج أو مخرج, فالوسامة الطاغية والقوام الممشوق والشعر الذي يطير علي طريقة أنور وجدي والعيون المسبلة عمال علي بطال.. كل ذلك لابد أن يسبق موهبة التمثيل.. كل ذلك انهار بفضل عبقرية شاب مصري شرقاوي, شعره مجعد غير ممشط, وهندامه موش ولابد, واسمه أحمد زكي. نظر إلي رئيس القسم شزرا وقال: وريني هاتعمله ازاي. كانت فرحتي طاغية, ليس لأنني سأكتب موضوعا في صفحة تبارك ولكن لأنني سأقدم هدية الي الرجل الذي أحبه وأريد أن أثبت له أنني أحبه. تحدثت يومها مع المخرج الراحل أشرف فهمي فأكد فكرتي وزاد وأفاض حين أكد أن أحمد مهد الطريق لأجيال موهوبة ستأتي من بعده لاتحمل من الوسامة شيئا, فقط الموهبة ولاشئ غيرها. تحدثت أيضا مع مخرج الروائع حسن الامام ومخرج الأكشن حسام الدين مصطفي وعدد من المنتجين وكلهم أكدوا أن مافعله أحمد زكي في السينما المصرية يعد انقلابا علي المألوف والمعهود لدرجة أنهم أطلقوا علي تلك الحقبة عصر أحمد زكي. كانت المفاجأة الحقيقية في ذلك التحقيق عندما قابلت أحمد زكي وقلت له الفكرة وعرضت عليه آراء كل من تحدثت معهم ثم قلت له: لم يبق لي إلا رأي النجم الذي غير مقاييس النجم. نظر الي أحمد طويلا وطفرت دمعتين من عينيه ثم قال: لو تحدثت لن يكون لموضوعك القوة التي تتوقعها.. الأجمل أن أقرأ أنا مع الناس مايقوله هؤلاء العظماء عني لكنني أطلب منك طلبا أرجو أن تنفذه لي إذا كان ذلك ممكنا. قلت له: أأمرني يانجم, فقال: الأمر لله ياعطوف.. بس أرجوك اسأل منتج لبناني مقيم هنا في مصر اسمه حسين الصباح.. هذا الرجل رفض ترشيحي لبطولة فيلم الكرنك وراهن علي أنني يستحيل أنجح في الفن وأحقق أي نجومية. تصور.. نفسي أعرف رأيه إيه الآن في كلام قاله زمان. لم أكدب خبرا.. هاتفت حسين الصباح.. سألته عن النجم الذي غير مقاييس النجم فقال بدون تردد: ومن يكون سوي أحمد زكي الذي أجبر كل المنتجين والموزعين علي إعادة حساباتهم وتغيير قواعدهم في العمل. وقبل أن أسأل الرجل سؤالي التالي دلف إلي الاجابة مباشرة حين قال: أنا نفسي رفضت أحمد زكي في وقت ما ورأيت البطولة أمام سعاد حسني كبيرة عليه واعترف الآن أنني أخطأت حين خضعت لقوانين السوق ولم أجازف ولقد جاء بعدي من راهنوا عليه وليس ضده فربحوا الملايين. وصمت الرجل قليلا ثم قال: هل تعرف ماذا أتمني الآن.. أتمني إنتاج فيلم بطولة أحمد زكي. سألته: وماذا يحول دون تحقيق أمنيتك؟ فقال: أحمد زكي نفسه.. تصور.. رافض حتي مصافحتي. حين عدت إلي النمر الأسود لأنقل له أمنية من رفضه في البداية فضحك كثيرا وبصوت مسموع ثم قال لي مختتما موضوعي: قل له بعينك.