هى بقعة تقع فى جوف الصحراء وتحديدا خلف ما يسمي- مجازا- مدينة وادى النطرون» - فهى لا ترقى بأى حال لتكون مدينة- .. تلك البقعة الساحرة يمكن أن تتحول الى منجم ذهب للمنطقة بالكامل ، فقط إذا تم تحويلها الى مقصد سياحى دينى علاجى ، وهى أهل لذلك.. المكان الذى لم يسمع عنه معظم المصريين هو نبع الحمراء، وهو عبارة عن بحيرة مساحتها شاسعة نسبيا، تتميز بملوحتها العالية وخصائصها العلاجية وتحديدا للأمراض الجلدية، وفى وسطها ينبثق نبع مياه عذبة تماما يسمى»ينبوع مريم»، وهو النبع الذى يقال أنه تفجر اثناء عبور السيدة مريم وابنها المسيح خلال رحلتهم الى مصر، ومن هنا اكتسبت المنطقة قيمتها التاريخية والدينية. فى مدخل المنطقة تستقبلك لافتة كتب عليها «نبع الحمراء ايكولودج» أى «منتجع بيئي»، والحقيقة أن العبارة يجب أن تكون» منتجع بيئى سري» فلا أحد فى مصر يعلم شيئا عنه، كما وجدنا أكثر من لافتة كتب عليها» الارض ملك شركة نبع الحمراء للاستثمار السياحى والعقاري»، وتلك كانت علامة استفهام أخرى.. المكان الذى يتميز بهوائه الجاف النقى وطبيعته البكر، يعتبره أهل مدينة وادى النطرون المتنفس الوحيد لهم ولصغارهم، خاصة فى عيد شم النسيم ،حيث تشهد ضفتا البحيرة زحاما كبيرا ، لكن فيما عدا ذلك لا يتردد على المكان الا أفراد معدودون، وقد صادفنا فى زيارتنا أسرة من «ايتاى البارود» سمعت عن خصائص المياه العلاجية فجاءت لتجرب بنفسها، كما جاء شاب من الاسكندرية للغرض ذاته، خاصة وان أهالى المنطقة يؤكدون ان الشفاء من اى مرض جلدى مضمون تماما بمجرد النزول الى البحيرة لمرة واحدة. سامي-48 سنة- من اهالى الوادى ويعمل فنيا فى مركز الارسال التابع لاتحاد الاذاعة والتلفزيون، يتذكر عندما كان طفلا» يزوغ» من المدرسة مع زملائه ليذهبوا للبحيرة ويستمتعوا بالاستحمام بها، لكنه يلفت الى ان لونها تغير كثيرا عن ذى قبل، فاللون الفيروزى الفاتح الذى يغلب عليها الآن كان سابقا يميل الى الاحمرار بسبب احتوائها على العناصر الكبريتية، الا ان سامى لايحبذ كثيرا فكرة» الاستثمار» فى المنطقة وتحويلها الى مشروع سياحي، لانه بنظره سيكون سببا فى حرمان اهل المنطقة من دخولها. كانت هناك بالفعل محاولة لوضع هذا المكان على خريطة مصر السياحية قامت بها منذ نحو 8 سنوات جميعة المحافظة على التراث المصري، وقدمت مشروعها لمحافظ البحيرة –آنذاك- وهو اللواء محمد شعراوى ، الا انه لم يتحمس للفكرة بحجة ان الجمعية كانت- حينها- تحت التأسيس كما أخبرنا المهندس ماجد الراهب -رئيس الجمعية- متحدثا بأسى عن حال المكان الذى أعياه الاهمال والتجاهل رغم مكانته وقيمته التى اكتشفها الامير عمر طوسون حفيد محمد علي. المنطقة تضم أربعة أديرة هى دير السريان والانبا بيشوى والبراموس وابو مقار، كما تضم آثارا وكنائس من القرن السابع الميلادى وكان مشروع الجمعية يهدف الى ربط منطقة الأديرة بمنطقة نبع الحمراء وتحويل المكان الى مزار سياحى عالمي،بالاضافة الى ربط المنطقة السياحية بمنطقة صناعات بيئية وحرف يدوية مستمدة من تراث المنطقة، وبالطبع كان وضع المكان على الخريطة السياحية سيسهم فى حمايته وصيانته وهو المصنف وفقا لمنظمة اليونسكو ضمن التراث الانسانى العالمي، أما نبع الحمراء فهى محمية طبيعية وفقا لتصنيف وزارة البيئة. كان من المفترض أن تقوم الجمعية بعمل الدراسات الميدانية ، ووضع التصميمات والتوصيات اللازمة لإتمام المشروع, والمساهمة فى تمويل التنفيذ, ومتابعته حتى لحظة الافتتاح. الكاتب الصحفى عمرو عبد السميع تناول فى سلسلة مقالات نشرتها «الاهرام» فى عام 2006 ، فكرة استثمار منطقة نبع الحمراء, ومشروع جمعية المحافظة على التراث المصرى لتطوير المكان الذى وصفه ب»المعجزة الجميلة فى مكان مفعم بعبق التاريخ والمتصل بوقائع رحلة العائلة المقدسة إلى مصر, والتى يمكن من خلالها تخليق منتج سياحى وعلاجى ودينى رائع , وتسويقه الى الدنيا كلها».. بل وزاد قائلا «إنه مكان يمكن أن يصنع بلدا», واعتبر تجاهله هدرا للموارد الطبيعية والتاريخية ودعا للبحث عن طرق لاحيائها وتسويقها . تفاعل معه المحافظ حينها وعلم منه أنه فى عام1998 قامت المحافظة بالسماح لشركة نبع الحمراء للاستثمار السياحى والعقارى باستغلال المسطح المائى والمساحة المحيطة لإقامة مشروعات سياحية وعلاجية, فضلا عن بعض المشروعات الزراعية،لكنها لم تقم بذلك لاعتراضها على قيام المحافظة فى عام2001 باستخراج الأملاح الصناعية وقامت الشركة برفع دعوى على المحافظة للتوقف عن استخراج الأملاح, رغم أن العقد كان يقضى بحق المحافظة فى ذلك , مما دعا الاخيرة إلى رفع دعوى فرعية لفسخ العقد مع الشركة لعدم التزامها بإقامة المشروع السياحي،وعليه حسم المحافظ الامر بأنه لاجدوى من الخوض فى اقامة مشاريع لاستثمار المنطقة حتى ينتهى النزاع القضائي، وهنا طالبه الكاتب عمر عبد السميع بالتدخل شخصيا لحل النزاع. إلا أن الحديث عن نبع الحمراء اختفى تماما بعد ذلك حتى يومنا هذا ، ومازالت لافتات «شركة نبع الحمراء للاستثمار العقارى والسياحى جاثمة فوق أرض المنطقة، دون أن يكون هناك أى استثمار سياحى أو عقاري!!