رخص الشارع الحكيم للمريض الفطر فى نهار رمضان, حفظا لنفسه ورفعا للحرج عنه إن أتى بما هو عزيمة فيه, والحامل والمرضع وإن لم يقم بهما مرض يقتضى الترخص فى الفطر بسببه فى رمضان, إلا أنه قام بهما سبب المرض, بل إنهما قد تخشيان من الصوم – مع ما قام بهما من سبب المرض – خشية المريض منه, من حصول الهلاك أو الأذى الشديد أو المشقة الظاهرة بالصيام, ولهذا فإن الفقهاء ألحقوهما بالمريض الذى يرخص له فى الفطر لمرضه . وخوف الحامل والمرضع من الصوم إما أن يكون خوفا على نفسيهما, أو على جنين الحامل, أو الطفل الرضيع, فإن خافتا من الصوم على نفسيهما, فإنهما يفطران ويقضيان, ولا فدية عليهما باتفاق الفقهاء, لقول الحق سبحانه: “ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر “, حيث رخص الشارع الحكيم للمريض فى الفطر بهذه الآية, والمرض المرخص فيه ليس مقصودا به عينه, وإنما هو كناية عن أمر يضر الصوم معه, وهذا المعنى المقصود من المرض قد تحقق فى الحامل والمرضع, فتدخلان تحت رخصة الإفطار, وقد روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة, وعن الحامل والمرضع الصوم “, ولأن الحامل والمرضع بمنزلة المريض الخائف على نفسه, فرخص لهما فى الفطر كما رخص له . وإن خافت الحامل من الصوم على جنينها أن تجهضه أو أن يقل نموه, أو نحو ذلك, وخافت المرضع من الصوم أن تعتل صحة رضيعها, أو أن يقل اللبن الذى يغتذى به, ولم يكن له وسيلة يغتذى بها غير لبن أمه أو مرضعته, أو لم يقبل الرضاعة من غيرها, فلا خلاف بين الفقهاء على أنه يرخص لهما فى الفطر كذلك, للآية السابقة, ولما روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ يفطر المريض والحبلى إذا خافت أن تضع ولدها, والمرضع إن خافت الفساد على ولدها “, ولأن الرحمة بالجنين والرضيع مطلوب الشارع, فقد روي عن جرير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ من لا يَرحم لا يرحم “, ولا يتوصل إلى الرحمة بالجنين والرضيع – إذا خيف من الصوم عليهما-- إلا بالفطر, فيكون مطلوبا, لأنه وسيلة إلى حفظ الجنين والرضيع, ومن ثم فإن الحامل والمرضع يرخص لهما فى الفطر . وقد اختلف الفقهاء فيما يجب عليهما إذا أفطرتا فى هذه الحالة, فمنهم من يرى وجوب قضاء ما أفطرتاه فقط, ومنهم من أوجب عليهما الفدية فقط, ومنهم من أوجب عليهما القضاء والفدية, ومنهم من لم يوجب عليهما شيئا, ومنهم من أوجب عليهما القضاء, إلا أنه أوجب الكفارة على المرضع ولم يوجبها على الحامل . وإن كان الرأي الراجح من هذه الآراء هو : أنه يجب عليهما القضاء فقط, لقول الله سبحانه : “ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر “, فالمرض فى الآية يراد به معناه لا صورته, وقد وجد هذا المعنى فى الحامل والمرضع إذا خافتا من الصوم على الحمل والرضيع, فتدخلان فى عموم هذه الآية, وقد أوجبت الآية على المريض القضاء, فمن ضم إلى القضاء فدية فقد زاد على النص, وهذا لا يجوز إلا بدليل, ولأنه سبحانه لما لم يوجب غير القضاء, فإنه يدل على أنه هو كل حكم الحادثة, إذ لو كان يجب غيره لبينه, لأنه وقت الحاجة إلى البيان, ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه, ولما روي عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص للحبلى والمرضع أن يفطرا فى رمضان, فإذا أفطمت المرضع ووضعت الحبلى جددتا صومهما “, وهذا يفيد أنهما مأمورتان بالقضاء دون الكفارة, ولأن الفدية لو وجبت فإنما تجب جبرا للفائت, وجبر الفائت يحصل بقضاء الأيام التى أفطرتاها من رمضان, ولأنهما أفطرتا لعذر, وما كانت الرخصة فيه لمكان العذر فلا فدية فيه ولا كفارة, كالفطر للمرض .