"أصاب بالإغماء من طول الانتظار،كل شهر يرتفع ضغطى من شدة معاناتى،لا يوجد مكان آدمى للانتظار خاصة فى الصيف، بعد عدم تقديرنا التقدير المناسب لا يحدثنا أحد عن الانتماء للوطن...إلخ" هذه صور مؤلمة لمآسى آبائنا وأجدادنا "أصحاب المعاشات" فى أثناء انتظارهم فى الطوابير الشهرية أمام مكاتب البريد والصراف الآلى، والتى أحيانا تنتهى بأن يلقى أحدهم ربه، ويصبح خبرا عابرا نقرأه بلا اكتراث، مما يمثل اغتيالا بطيئا لهم، يتم بشكل ممنهج منذ فترة طويلة عبر حكومات متعاقبة انتهكت إنسانيتهم وأهدرت ونهبت حقوقهم المشروعة فى حياة كريمة بعد رحلة كفاح فى خدمة هذا البلد،الذى اعتاد أبناؤه على عدم تقديره لهم طيلة الحقب السابقة،ويأملون فى تغيير ذلك المنهج بعد قيامهم بثورتين عظيمتين فى فترة تعتبر وجيزة فى حياة الشعوب. وما دفعنى لاسترجاع تلك الصور،والحسرة على ما وصلت إليه آدمية الإنسان،سببان، الأول: تزامن ذلك مع إطلاعى على "المعاشات التقاعدية" فى أوروبا وأمريكا اللاتينية، وقد أذهلنى ما يتلقاه "صاحب المعاش" من رعاية ومميزات لا حصر لها من جانب دولته ومؤسساتها،حتى إنها تطلق عليه "Senior Citizen-المواطن الأعلى مقاما"، وذلك تقديرا لخدماته التى قدمها للدولة طيلة فترة عمله، لذا تلزم الدولة نفسها برعايته وتوفير حياة كريمة له، وبالرغم من أن ميزانياتها تئن من ذلك السخاء، فإنها لا يمكن أن تتنصل من ذلك لأسباب عديدة، منها الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى لا مجال لذكرها، ولذلك أطالب الحكومة الحالية بأن تستفيد من تجارب تلك الدول والدراسات المتخصصة "المهملة" بالداخل، وتختار المناسب منها فى إعادة هيكلة منظومة المعاشات والتأمينات، لتتناسب مع تقديرنا لأصحاب المعاشات، وما يضمن لهم حياة كريمة تقيهم الفقر، بعد ثورتين كانت أهم مبادئهما "العدالة الاجتماعية". أما السبب الثانى، وهو الأهم، فيتضح من أخر صورة ذكرتها فى مقدمة مقالى، الانتماء للوطن، وهذا ما صدمنى عند حديثى مع أحد معارفى، وهو أحد المحالين على المعاش حديثا بأحد القطاعات "الحساسة" بعد إنهاء خدمته فجأة بعد تمديدها، بالرغم من حاجة العمل لخبرته، وهو ما أغضبه،لعدم تقديره بالشكل المناسب، وقال لى إنه راض لما وصل إليه، رغم إجحاف حقه، ولكن من الممكن أن يقع غيرى فى أيدى من لا يريدون خيرا لهذا البلد، وتحت ضغط الغضب والاستياء، يتعاون معهم ويمدهم بمعلومات عن خفايا الجهة التى كان يعمل بها مقابل العديد من الإغراءات، التى أقلها سيكون أفضل بكثير من تقدير دولته له بمعاش هزيل وتكريم لا يتناسب مع سنوات خدمته الطويلة، وهذا هو "الخطر المحتمل" الذى يجب أن نكون حريصين ألا يقع، إن لم يكن قد وقع بالفعل. لمزيد من مقالات حسنى مبارك