اليوم.. "خارجية النواب" تناقش موازنة التعاون الدولي للعام المالي 2024-2025    أسعار الكتاكيت اليوم الاثنين 20-5-2024.. «البلدي ب9.5 جنيه»    أسعار الذهب اليوم الاثنين 20-5-2024 في الصاغة.. «اعرف آخر تحديث»    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    الاثنين 20 مايو 2024.. ارتفاع مؤشرات البورصة فى بداية تعاملات اليوم    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع «تنظيم الاتصالات» في مجال الأمن السيبراني    الرئيس السيسي يعزّي إيران في وفاة رئيسها ووزير خارجيتها: تغمّد الله الراحلين برحمته    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    كولر يجهز ثنائي الأهلي لمعالجة أزمة غياب معلول أمام الترجي التونسي    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحان العلوم للشهادة الإعدادية    بعد قليل .. محاكمة رجل الأعمال المتهم بالشروع في قتل طليقته ونجله بالتجمع الخامس    في ذكرى وفاته.. سمير غانم «نجم» المتلقى الدولى للكاريكاتير 2024    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    لمرضى الضغط المرتفع.. احذر هذه الأطعمة خلال الموجة الحارة    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين في قرغيزستان بعد الاشتباكات بالحرم الجامعي    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    مجلس الوزراء الإيرانى: سيتم إدارة شئون البلاد بالشكل الأمثل دون أدنى خلل عقب مصرع إبراهيم رئيسي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    تفاصيل حادث طائرة رئيس إيران ومرافقيه.. مصيرهم مجهول    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    اليوم.. علي معلول يخضع لعملية جراحية في وتر أكيليس    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حامل الحقيبة..
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 07 - 2014

هل كان حسان هو السبب فيما قد كان؟!!.. لكن الذى كان قد جرى أيضاً من قبل حسان.. أى والله..
فإن كان ذلك التردد الظاهرى فى التبرع الآن من أجل عيون مصر قد تسببت فيه العَملة السوداء للداعية محمد حسان أبو طرحة بيضاء وتنويم مغناطيسى باسم الدين، الذى شغل لفترة منصب المندوب الرسمى للدولة لفض منازعات الفتنة الطائفية على أرض المحروسة، ونادى بالتبرع بالأخضر والأحمر من أجل الكرامة والعزّة والشموخ والاستغناء عن مذّلة الصندوق الدولى، فهرعت إليه الملايين المستنفرة بالملايين فأخذها حسان فى عبّه وشرخ.. طار فى الهوا شاشى ونحن ماندراشى.. حسان من كان ملء السمع والبصر والمنابر ووفود التصالح و..ماحدش يا جماعة شاف حسان؟!! ماكانشى هنا ومشى!!!.. يا عم روح وابقى قابلنى زى ما قابلت من قبل جماعة توظيف الأموال ذوى الذقون والزبيبة والجلباب القصير وما ملكت أيمانهم، الذين كان يدعمون عمليات النصب الكبرى باستضافة الأئمة والعلماء الطيبين على أرض مشاريعهم الوهمية لالتقاط صورهم لنشرها فى الصحف، وأنت ما أن ترى فى الصورة الشيخ الشعراوى كمثال واقفاً إلى جوار أحدهم أو يقص الشريط فى أحد مشروعاتهم الإسلامية حتى تسارع بدروشة الجذب وثقة النشر بالصحف القومية وتليفزيون الدولة بطرح مدخراتك انت وأهلك تحت أقدامهم.. و..تأخذ البمبة.. والغريب وإن لم يكن بعدها بالغريب، والعجيب وإن لم يدخل بعدها فى باب العجب أن أحداً من المسئولين الكبار لم يوظف يومًا أمواله إسلامياً، أو تبرع من بعدها لحسان كيدًا فى الصندوق، وكأنهم ومعذرة كانوا يدركون تماماً ما وراء أكمة الريان وصحبه!!.. وعلى مدى ثلاثين عاماً طوالا لم نسمع فيها أن الرئيس الأسبق مبارك قد تبرع من جيبه الخاص بجنيه واحد لأى مشروع وطنى ولا قومى ولا لبنى ولا بمبى، ومثله من قبل السادات، ومن قبله ناصر..!! وإذا ما كان هناك إقرار رسمى ممهور بإمضاء صاحبه يحدد بنود ثروته عند تسلمه لمنصبه فإن سنوات المنصب الطوال فى بلادنا الصابرة المثابرة تمحو البدايات من شاشة الذاكرة، اللهم إلا إذا قرأنا بعدها فى النهايات عن ثروات بالمليارات تم ترحيلها إلى بنوك سويسرا وجزر الأرخبيل والماكينتوش أشار إلى بعضها يومًا الأستاذ هيكل تسافر إليها بعثات متعاقبة ببدل سفر وشىء وشويات ترفع القضايا لاستردادها وتتركنا نوزع الغنيمة على التسعين مليوناً، لكنها تعود بخفى حنين!!
ورجاء لأصحاب السعادة والاكسلانس المتفرجين المزرجنين عن المشاركة، والناس اللى مايعرفوش ربنا، ومن عشاق ماركات ديور وإيف سان لوران ولوى كانزو ولوى كاتورز وقصور الرخام والكوت دازور، وربنا يزيد ويبارك، واللهم لا حسد.. رجاء الاطلاع على النظام الجديد الذى أصرّ عليه الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند هذا الأسبوع لتحقيق ما يسميه «الجمهورية النموذجية» بحيث يستطيع أى مواطن فرنسى أو غير فرنسى الاطلاع على ثروة أى مسئول، وأن يرافق تطورها صعوداً أو هبوطا بهدف إعادة الثقة بين الفرنسيين والمسئولين، وذلك بوجوب إقرار كل مسئول عن ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة «الجدك» لهيئة جديدة اسمها «السلطة العليا» تتألف من قضاة وأعضاء من ديوان المحاسبة ومجلس الدولة، مهمتها التدقيق فى إقرارات المسئولين بالتعاون مع مصلحة الضرائب، مع فرض عقوبات قاسية على الذين لا يقولون الحقيقة بخصوص ثرواتهم، من بينها السجن ثلاث سنوات، وغرامة قيمتها 45 ألف يورو، ومنع انتخابهم مرة أخرى لأى منصب عام فى الدولة الفرنسية.
هذا وقد جاء فى إقرارات أعضاء الحكومة الفرنسية أن وزيرة العدل «كريستيان توبيرا» قد أقرت بامتلاكها أربع دراجات هوائية تستخدم إحداها أحياناً للقدوم إلى مكتبها!.. أما وزيرة المرأة «نجاة فالو بلقاسم» العربية الأصل فقد جاء فى إقرارها امتلاكها ثروة مفروشات منزلية تتألف من ثلاثة أسِّرة بينها سرير لشخص بالغ، واثنان لطفلين، وثلاث ترابيزات اثنان بيضاويتان والثالثة مربعة، وكنبة تفتح للنوم بأربعة مساند، ومقعدان، و10 كراسى بدون ظهر، وثلاجة وغسالة وطاقم لصنع القهوة وشواية خارجية للرحلات، وكل هذا قيمته 22 ألف يورو، لكن الوزيرة الشابة لا تملك المنزل الذى تسكنه وتدفع له إيجارًا يزداد مع مطلع كل عام، أما ثروتها الإجمالية التى أعلنت عنها فقيمتها 142 ألف يورو، معظمها مدخرات شخصية.. ويأتى على رأس قائمة الوزراء الأثرياء «لورانس فابيوس» وزير الخارجية الذى تقدر ثروته ب5٫55 مليون يورو، وقد برر ذلك فى إقراره الشخصى بوراثته عن والده لعدة لوحات فنية، حيث كان يمتلك قاعة عرض خاص فى باريس، أما رئيس الحكومة «مانويل فالس» فلا يملك إلا منزلا قيمته 600 ألف يورو اقترض من أجل شرائه 200 ألف يورو من البنك، وجاء فى بياناته أنه لا يمتلك سيارة خاصة أو تحف ذات قيمة... ولا يمتلك «هارلم ديزير» وزير الشئون الأوروبية إلا 48 ألف يورو من مدخراته الشخصية طوال فترات عمله، إلى جانب سيارة متواضعة ثمنها لا يزيد على 6500 يورو فى حاجة إلى تغيير الأربع إطارات كاوتش!!
هذا على الجانب الفرنسى، أما على الجانب البريطانى فقد حتمت الأوضاع الاقتصادية والقوانين البريطانية على كل من الأمير «وليام» وعروسه الحسناء «كيت» دفع جميع تكاليف تصليح وترميم جناحهما الخاص فى قصر كنسنجتون بلندن من أموالهما الخاصة بما فى ذلك الستائر والسجاد وأكر الأبواب النحاسية وحمام مربية مولودهما «جورج».. وجماعتنا مش عاجبهم حد أقصى 42 ألف شهريا!!!!.. وفاكراها زى النهاردة يوم ما خلعنا زمان جميعاً دبلة الزواج والخطوبة من أصابعنا من أجل المجهود الحربى لمصر عن طيب خاطر وبنفس رضيّة وهِمّة وطنية، ولوحظ وقتها أن الأزواج كانوا الأسرع فى عملية الخلع، ربما لاعتيادهم عليها خارج عيون الرقابة!
ويسأل الآن من فى قلبه مرض: يعنى كان لازم يروح بنفسه للبنك وشايل لى الشنطة؟!
- طيب وفيها إيه.. الراجل بيضرب المثل..
كان ممكن يكتب شيك من مكتبه بدلا من تعطيل موظفى البنك والسلامات والتحيات والناس صايمة..
- ليس من سمع كمن رأى.. «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».. «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».. «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم».. وأول الغيث قطرة وأول المائة مليار جنيه.. «قل كل يعمل على شاكلته».. «إن العهد كان مسئولا».. «وترزق من تشاء بغير حساب».. «إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون».. «وحسبنا الله ونعم الوكيل».. وإن لم تستح قل ما شئت.. ومالقيتوش فى الورد عيب.. ورمضان كريم.. وإن مع العُسر يسرا.. إن مع العُسر يسرا..
الشيخ محمد رفعت.. قيثارة السماء
يا رفعت هاتها كما أذن بها بلال بن رباح.. و.. جربوا معى أن تسمعوا الآذان بصوت محمد رفعت حيث تغدو القلوب المسلمة كالنسمة الطلية الوادعة تردد فى همس وخشوع كلمات الآذان.. حى على الصلاة.. حى على الفلاح
و.. من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعد يصدح بالآذان صوت بلال الشجى الحفى المهيب، ذلك أنه لم يكن ينطق فى آذانه: أشهد أن محمدا رسول الله حتى تجيش به الذكريات فيختفى صوته تحت وقع أساه وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته.. وكان آخر آذان له أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا الذى نزح إليها للذود عن الديار على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.. ودعا أمير المؤمنين بلالا وقد حان وقت الصلاة، ورجاه أن يؤذن لها وصعد بلال وأذن فبكى وأبكى الصحابة الذين كانوا قد أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له.. بكوا وكان عمر أشدهم بكاء... ويؤذن الشيخ محمد رفعت فكأنما هو الآذان الأعظم.. وكأنما يوم الحشر العظيم الذى يقوم عليه الناس لرب العالمين.. وكأنما تهتز لتهليله وتكبيره السماء، وتخشع له الأرض، وتهتز الخلائق، وتختلج المشاعر.. ونحن نعرف أن للجملة الموسيقية قرارا وجوابا، وغالبا ما يكون القرار مدخلا للجواب حتى يكون الجواب أعلى نبرة وقوة، ولكن شيخنا الجليل الذى يوقر لفظ الجلالة يعطى للقرار النبرة الأعلي، فيقول الله أكبر لتخرج كلمة الله بتهليلة هائلة أعلى وأقوى من الجواب، وكأنك تسمع تهليلة الآذان تجلجل فى السماء، وكأن جميع الخلائق والكائنات تهب واقفة إجلالا واحتراما لعظمة هذا الآذان وهيبته.
هو منحة الأقدار حين تهادن وتجود، وتكريم منها لنوعنا الإنسانى بين المخلوقات، فهو خير من رتل القرآن وخير من تلاه فى زماننا وإلى أن يشاء الله كان هذا هو رأى الشيخ المراغى شيخ الأزهر الأسبق فى الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء الذى ولد بحى المغربلين بالقاهرة فى مايو عام1882 وتوفى أيضا فى مايو بالقاهرة فى عام1950 بعد68 عاما من مولده، وافتتح إرسال الإذاعة المصرية بتلاوة بعض آيات الذكر الحكيم بصوته الرخيم فى مايو1934..
فى طفولته كان أجمل أطفال الحي، وأجمل ما فيه كانت عيناه التى فتحهما فى منزل صغير بدرب الأغواث بشارع محمد علي، وكان والده محمود بك الذى أعطاه المحيطون به لقب البكوية كنوع من الاحترام والتبجيل لمأمور قسم الخليفة يحبه بشغف حتى إنه كان لا يتركه يمشى على قدميه بل يحمله دوما على كتفيه ويسير به متباهيا ويصعد به السلم متفاخرا بحمله.. وقابلته يوما إحدى جارات الدرب لتسأله باندهاش: مين الولد الأبيض بديع الحسن يا محمود بك.. فأجابها بزهو: ابنى محمد.. فصاحت فى وجهه دون أن تصلى على النبي: مستحيل!! ده ما يصحش يسكن هنا فى دربنا وإنما مكانه فى قصر من القصور، ويا خرابى على رمش عينه الواصل لكرسى خده، هوه ده العيل اللى ماجابتوش ولادة صحيح.. وعاد البيه بابنه للبيت والولد على صرخة واحدة للصبح، وداخ به السبع دوخات عند الأطباء، وأجرى له الدكتور روكشى جراحة لم يصادفها النجاح وضاع النظر من عيون الصغير ليبكى أبوه طويلا عندما يسمع الابن الكفيف وهو ينكفئ فى أحضانه سائلا: امتى حيطلع النهار؟! ويضمه الأب محاولا ألا يتهدج صوته بالبكاء مزيحا أصابع الصغير عن وجهه حتى لا تبللها دموعه: حتتعود يا محمد على الضلمة، وحتشوف يا ابنى بقلبك أكثر من عنيك.
وحاولت محطات الإذاعة الأهلية إغراء الشيخ لتذيع القرآن بصوته فرفض بشدة بقوله: إن وقار القرآن النازل بالوحى من الله لا يتماشى مع الأغانى الخليعة التى تذيعها محطات الإذاعة.. وعندما ألغيت المحطات الأهلية وأنشئت شركة ماركونى للإذاعة المصرية حاول سعيد لطفى باشا التعاقد مع الشيخ رفعت ليذيع القرآن فى حفلة الافتتاح فرفض بقوله: إن القرآن لم يخلق ليرتل أمام الميكروفونات الصماء! ويلح الباشا فيطلب الشيخ مهلة أسبوعين يذهب فيهما ليستفتى الشيخ السمالوطى أحد أعضاء هيئة كبار العلماء: هل إذاعة القرآن حرام أم حلال؟ وأفتاه السمالوطى حلال.. وكرر رفعت السؤال: يعنى أروح أذيع؟! فاحتد السمالوطى قائلا: ما قلنا روح!.. ورغم إصراره فى السؤال ورغم الفتوى بالإجازة عاد رفعت يقول: أليس حراما أن يتلى القرآن والناس يستمعون وهم جلوس بالحانات والمقاهى ونوادى القمار؟.. هنا سأله السمالوطي: أما ستتلوه وأنت فى مكان طاهر؟! فأجابه متعجبا: بالطبع! فأوجز الإجابة: إذن اذهب وردد الآيات البينات بثقة وثبات وإيمان ولا تخش ضميرك.. ولم يهدأ بال محمد رفعت فترك الشيخ السمالوطى ليذهب للشيخ الظواهرى شيخ الجامع الأزهر وقتها يستفتيه بادئا سؤاله: يا سيدي.. فقاطعه الشيخ الظواهرى من أولها بقوله: أعرف ما سوف تسألنى عنه.. تعال معي.. وأخذه من يده إلى ركن فيه الراديو قائلا: لقد اشتريت هذا الجهاز خصيصا بالأمس كى أسمعك وحدك..
ويطمئن ضمير الشيخ محمد رفعت ويجلس إلى ميكروفون الإذاعة ليرتل بصوته الملائكى فتخفق لصوته قلوب الملايين العطشى لما جاء فى أعظم كتاب، الذين يدركون أنه ليس يقرأ فحسب قراءة تسميع وحفظ بل قراءة شرح وتفسير وتنوير وتشخيص.. قراءة فذة كأنك لا تسمع بل تشاهد، ولا تشاهد بل تعايش.. ذروة توقظ العقل وتشيع فى الوجدان وكأنك تعيش لحظة نزول الوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. يرتل القرآن ترتيلا، والترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف.. يقرأ القرآن بحزن وشجن كما قال صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن نزل بحزن فاقرؤوه بحزن.. سيد التصوير والدراما للمشاهد القرآنية فى سور البقرة والرعد والمائدة والأنعام والكهف ومريم وطه والقمر وغيرها، فهو مثلا فى سورة البقرة يصور الحوار وكأنه يسمعه بدقة شديدة فى أمر ذبح البقرة التى أمر الله على لسان سيدنا موسى بذبحها: «وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة» حتى نهاية الآيات، وكيف يتغير الحوار ليظهر كثرة جدل بنى إسرائيل، وفى سورة المائدة يغضب غضبة شديدة لله حين يقرأ بعنف وحدة «وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا» وكيف يضغط على حروف كلمة «غلت» وكلمة «لعنوا».. وفى سورة الكهف يصور حال أصحابه أبدع تصوير بحنجرته الذهبية وكأنه يراهم: «وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه»، كما يصور الحوار الجدلى العجيب بين سيدنا موسى والخضر بما فيه من رجاء واتفاق وانطلاق ثم استنكار واعتذار وافتراق، وكان الشيخ سيد التكرار الجميل.. فى سورة هود يقرأ ويبشر «وأما الذين سُعِدوا ففى الجنة خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ» يكررها6 مرات مختلفات بشكل يفوق كل وصف بقصد الحث والترغيب والتجميل والتشويق.. وفى سورة التوبة يقرأ ويبشر: «وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله» يكررها6 مرات.. الخ.. وكان الشيخ محمد رفعت سيد الوقف البديع، فلم يقف أحد قبله أو بعده عند كلمة فانطلقا وذلك فى سورة الكهف لدى قراءاته للآيات «فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا» وذلك ليعطى تصويرا دقيقا للسؤال والاعتراض ثم الاتفاق والانطلاق.
الشيخ محمد رفعت.. حمل القرآن فكان أحسن من رتله.. أحسسنا معه بالرهبة عند الزجر، والطاعة عند الأمر، والخشية عند الوعيد، والهلع عند التهديد، والعطف والإحسان عند رحمة الرحمن، والأمل عند التوبة والغفران.. الشيخ محمد رفعت سيد القارئين وإمام المجودين والمرتلين ما أبلغه وأجمله عندما رتل كلمة الرحمن.. كلمة واحدة فى معناها الرحمة وفى رنينها الإعلان، ومن بعدها معرض لآلاء ونعم الرحمن.. الرحمن.. المطلع المقصود بلفظه ومعناه، وإيقاعه وموسيقاه.. الرحمن.. بهذا الإيقاع الصاعد الذاهب إلى بعيد، يجلجل فى طباق الوجود، ويخاطب كل موجود، ويتلفت على رنته كل كائن، وهو يملأ فضاء السماوات والأرض، ويبلغ إلى كل سمع وكل قلب.. الرحمن.. وينصت الوجود كله، فى ارتقاب الخبر العظيم من بعد المطلع العظيم. ثم يجيء الخبر المترقب، الذى يخفق له ضمير الوجود: «الرحمن، علم القرآن. خلق الإنسان علمه البيان. الشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان. والسماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا فى الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. والأرض وضعها للأنام. فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام. والحب ذو العصف والريحان. فبأى آلاء ربكما تكذبان».. ويغسل الصوت الملائكى أدران القلوب بالإيقاع الأخير، تسبيحا باسم الجليل الكريم عندما يفنى كل حي، ويبقى وجهه الكريم: «تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام».
قيثارة السماء لم تكن لتكتمل أدواته بدون دراسة الموسيقى والإلمام بقواعدها وطبع صوته بسحرها، فأكب على تعلم قواعدها من خلال العزف على العود وحفظ الكثير من إبداعات كبار ملحنى عصره، من أمثال الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب وعبده الحامولى ومحمد عثمان وأضاف إلى ذلك المئات من الابتهالات والتواشيح الدينية التى برع فيها كوكبة من شيوخ ذلك العصر أمثال يوسف المنيلاوى ومحمود سكر إلى جانب إنصاته لموسيقى أشهر العالميين، وكان مغرما بعازف الكمان الإيطالى الشهير نيقولا باجانينى ويقتنى من أعماله العديد من الأسطوانات و.. كانت لديه المقدرة على الانتقال من مقام موسيقى إلى آخر فى سهولة وتناسق ومقدرة فى مقام الإعجاز، فهو يعلو وينخفض ويتنوع فى النبرة والدرجة واللحن دون نشاز، وكان فى صوته 18 مقاماً تشمل الأقسام الثلاثة من الأصوات الرجالية وهى الباص والباريتون والتينور وكان صوته خافتا وعندما استخدمت الميكروفونات استطاعت أن تصل به إلى المسافات البعيدة دون أن تضيف إليه شيئا.. و..يركب الشيخ محمد رفعت عربته الحنطور إلى حدائق الحيوان فى الجيزة ليمكث رابضا أمام قفص الأسد يملأ أذنيه ليس بصوت الزئير فى علاه وإنما برجع القرار والدوزنة السابقة لتعاشق النغمات فى الحنجرة الملكية التى عندما تنطلق تسود.. وفى صومعته كان يجلس شاحذا جميع حواسه منصتا لجهاز الفونوغراف القديم ذى البوق الكبير بعد أن يغرز إبرته فى أسطوانات الأوبرات والسيمفونيات العالمية لتغزوه كلاسيكيات موزارت وباخ وبتهوفن وفاجنر.. ويعلم أحد الأزهريين أن الشيخ رفعت يستمع إلى الموسيقى الغربية فيكتب فى المجلة الأزهرية مهاجما الشيخ فى مقال نارى بعنوان: ماذا حدث للشيخ رفعت؟!.. الذى جاء فى بعض سطوره: لقد اكتشفت شيئا مذهلا ولم أكن أتصور أبدا أن يفعل الشيخ هذا!! هل تصدقون يا سادة أن الشيخ محمد رفعت يسمع موسيقى غربية لغير المسلمين؟!.. إننى أنصح الشيخ أن يكف عن سماع هذه التفاهات حتى نظل نحبه ونظل نقدره.... ويقرأ الشيخ رفعت الهجوم فيقرر سماعه لتلك الموسيقى فى الخفاء بعيدا عن العيون.. وكان محمد عبدالوهاب من أقرب المقربين إلى الشيخ محمد رفعت يجلس تحت قدميه وهو يستمع إليه فى خشوع والدموع تنهمر من عينيه، وشاهده يوما على هذا الوضع عبدالعظيم باشا عبدالحق فسأله: ماذا تفعل تحت أقدام الشيخ فيجيبه إنى أستمع إلى القيثارة السماوية وأتعبد.. إن صوت الشيخ رفعت آلة ربانية لا مثيل لها فى هذا الكون، وعندما يقرأ الشيخ رفعت القرآن أتحول إلى خادم وأجلس تحت قدميه. وتجد الذين كانوا يصخبون ويصرخون قد لانوا ونعموا وذابوا وكأن ليس بهم عظام...... وصدق الله حين قال: «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله».
ويعجب الشيخ بكل ما يغنيه محمد عبدالوهاب من تأليف أمير الشعراء أحمد شوقى فيغنى له عبدالوهاب: يا شراعا وراء دجلة يجرى ويستعيد الشيخ منه يا جارة الوادى طربت وعادنى وجبل التوباد والنيل نجاشى حليوة أسمر، وينصح الشيخ مطربه المفضل بقوله: غن دائما للمؤلف المحترم لأنه يكسب الاحترام للمطرب والأغنية ويغنى الشيخ رفعت لأبى فراس الحمداني:
أراك عصى الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهى عليك ولا أمر
وكان البيت فى أصله شيمتك الغدر فقد كان من قواعد الغزل أن تتدلل الحسناء وتغدر، لكن أم كلثوم بدلت الغدر إلى الصبر، وكان الشيخ رفعت يردد جملة نعم أنا مشتاق.. يرددها أكثر من مرة ليبكى عبدالوهاب طربا ويطالبه بإعادة وإعادة وإعادة جديدة.. ويسهم صوت الشيخ محمد رفعت مساهمة فعالة فى الحرب العالمية الثانية، حيث تعرف دول العالم أثره فى النفوس فكانت إذاعة لندن كمثال تقول لمستمعيها: ستستمعون إلى قيثارة السماء قبل كل نشرة أخبار، وكانت إذاعة باريس تذيع تسجيلاته قبل وبعد أى خبر مهم، أما إذاعة برلين فكانت تذيع قراءاته قبل أى حديث لقائد عسكري..
وفى حياة الشيخ جوانب أخرى لم يسلط عليها الضوء أبرزها الجانب المرح فالبكاء الذى كانت دموع قلبه فى نبرات صوته لم يكن ينسى نصيبه من الدنيا فيمرح ويداعب ويلقى بالدعابة فى براعة القادرين، وقد جمعته جلسة فى بيته ذات مرة بصديقيه المقربين بديع خيرى والمرحوم نجيب الريحانى استمرت أكثر من ساعتين ضجت فيها أركان الحجرة من الضحك المتعالى فقد كان الأقطاب الثلاثة يتبارون فى القفشات على نحو جعل الريحانى وبديع يقولان للشيخ رفعت إذ بهرهم بذكاء تعليقاته: جرى إيه يا مولانا؟ ده واجب علينا!
وفجأة فى عام1943 عندما انطلق صوته السماوى بسورة الكهف احتبس الصوت وهو يقرأ قوله تعالي: «واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب».. وحاول إعادة الآية لكن الزغطة صاحبت الكلمة، وكلما أعاد ليتخلص منها تزايدت وسيطرت لتكون بداية للنهاية التى أتت في10 من مايو عام1950 فى الثانية صباحا بعدما طلب من زوجته الثانية جرعة ماء ولما ارتوى سألها عن أبنائه الأربعة كل باسمه، وعادت تسأله بدورها: نفسك فى حاجة؟! فأجاب: شكرا.
ومضى العبقرى إلى ربه، ومعه صوته الخالد، حتى الأشرطة القليلة التى بقيت من بعده ليس فيها من صوته الذهبى إلا صدى باهت متحشرج، فالعمق مات، والعملاق مات، والضرير البصير مات، والفيض مات، ومات الصوت الجامع.. ورحل رمز جلال الترتيل، حيث لا مجال لمقارنة الهضاب بجبل التوباد.
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.