وقتما تولى منير فخرى عبد النور حقيبة التجارة والصناعة، سعى إلى حل أزمة المصانع المتعثرة، ورأى أهمية طرح مبادرته بتأجيل ديونها، ومنحها قروضا ميسرة، أو منحا تساعدها على إعادة التشغيل، ما يعنى توفير فرص عمل، وإضافة منتجاتها للسوق المحلية، وللتصدير، ما يؤدى إلى زيادة الانتاجية، وتصحيح الميزان التجاري، ومنع تدهور سعر الجنيه المصرى أمام العملات الأجنية، وكلف مركز تحديث الصناعة بالاتصال بتلك المصانع، ورفع مذكرة مشتركة مع وزير المالية لرئيس مجلس الوزراء وقتذاك لاعتماد آليات صرف مبلغ نصف مليار جنيه. وطلب فى اوائل فبراير الفائت من البنك المركزى استلامه، للعمل على صرفه لها عبر البنوك الحكومية، إلا ان البنك المركزى رفض تلقيها، وبرر هشام رامز رفضه، بسبب الخشية من ألا تتمكن تلك المصانع من الخروج من عثرتها. ولتفهم حقيقة ذلك دعنا نسبر غور المشكلة.. التى بدأت فى أوائل التسعينات، وقتما ارادت الحكومة محاربة ظاهرتى الدولرة وتوظيف الأموال، لتسببهما فى نزيف سحب أموال المودعين من البنوك بنسب مرتفعة، فخشيت الحكومة من تأثير ذلك على حركة نمو الاقتصاد القومي، ولذلك تقدمت بمشروع قانون لمنح البنك المركزى صلاحية رفع فائدة الإيداع وفقا لما يراه، بقطع النظر عن أحكام القانون المدنى التى لا تجيز تخطيها 7% وإلا نزل بها القاضى لذلك الحد، وتم التعديل، وقام البنك المركزى وقتذاك برفعها إلى 18% إلا ان جمهور المودعين، لم يرحب بتلك الزيادة واعتبرها من قبيل الربا المحرم، مقارنة بشركات توظيف الأموال التى تعطى من 20 إلى 30% فوائد حلال! عرضت الحكومة الأمر على مفتى الديار المصرية الشيخ طنطاوى ، وخرج بفتواه الشهيرة.. البنوك غنية وليست بحاجة ماسة لمن يقرضها أموالا.. عليه لا يمكن اعتبار ما تمنحه تلك البنوك من فوائد لعملائها من المودعين من قبيل الفوائد الربوية، ولكنها عائد إيداع الأموال لديها، وعليه وجب على تلك البنوك ان تعدل مسمى «الفائدة» إلى مسمى «العائد»، ولكن ما ضرب تلك الفتوى فى مقتل، هو ان تلكم البنوك ليست غنية، والأموال التى لديها ليست أموالها، وإنما هى أموال جمهور المودعين، وهو ما فهمه جيدا رجال البنوك، وتأكدوا ان استمرارهم فى صرف ذلك «العائد» سنويا يؤدى إلى افلاس البنوك فى خمس سنوات. لذلك بدأت تلكم البنوك فى سياسية تسويقية شرهه لجذب المقترضين، وبدأت بمنح قروض لهم بسعر فائدة يصل إلى 22% وبفائدة مركبة وصلت إلى 68% ساعدها فى ذلك تعديل قانون البنك المركزى الذى منحها سلطة تحديد سعر الفائدة بإرادتها المنفردة. وبدلا من ان تمنح المقترضين قروضا، وجدناها تمنحهم تسهيلات بنكية، وذلك بفتح حساب جارى مدين لكل واحد منهم، بسقف هو حد الائتمان الممنوح له، وأصبح جمهور المقترضين فى حقيقة الأمر يقترضون من انفسهم ولهم, ووصل سعر الفائدة عادية ومركبة بهذه الطريقة إلى الضعف وظلت أموال المودعين بعيدة عن تلك القروض، فتعثر أصحاب المشروعات فى سداد الفائدة المتوحشة فى موعدها، ففرح البنك فى تعثرهم، وباغتهم بإحالة شيكات إئتمانية كان قد اشترط عليهم إيداعها لديه إلى المحكمة الجنائية لاستصدار أحكام جنائية بحبسهم، فهرب البعض منهم خارج مصر، وتركوا مشروعاتهم نهبا لتلك البنوك، التى استولت عليه، وشردت عمالها. إزاء هذا النهب المنظم من قبل معظم البنوك لأموال أصحاب المشروعات، سارع العديد من أصحاب المشروعات، بعد ان شعر ان جملة ما سدده تخطى أصل الدين، وفائدته العادية، ومازال مدينا للبنك، سارع إلى المحاكم الاقتصادية - ومن قبلها التجارية - برفع قضايا حساب وبراءة ذمة، خاصة وان جل البنوك اعتصمت عن تسليمهم كشوف حساب لمراجعهتا، فكانت النتيجة ان بارزتهم بالدعوى الفرعية للمطالبة بإلزامهم بالدين وفوائده وما يستجد، وفقا للحسابات المقدمة منها، فقامت المحاكم بإحالتهم إلى خبير مصرفى - وهو فى الأعم الأغلب موظف بنك سابق - لينتهى الخبير إلى صحة حسابات البنك، رافضا الدفع بسقوط الفائدة بالتقادم الخمسي، وبالتقادم السباعى لأصل الدين، وبأن الدائن المرتهن لا يجوز ان يحصل على أكثر من أصل دينه زائد فائدة آخر سنتين باعتباره دائن مهمل. وذهبت الدوائر الاقتصادية فى مواجهة تلك الدفوع مذاهب شتى، فمعظمها لم تعرها ردا، وقضت بإلزام العميل بأصل الدين وبفائدة وصلت إلى ما يزيد على أربعة أو خمسة أضعافه، إضافة إلى ما لا يقل عن 7% منه كرسوم نسبية وقضائية. والقليل منها قضت بالتقادم الخمسى للفوائد، أو بالتقادم السباعى للدين عملا بأحكام المادة 68 من قانون التجارة الجديد، وبدرجة أقل استجاب عدد من الدوائر للدفع بعدم دستورية المادتين 14أ و40 من قانون البنك المركزي، وسمحت باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستوريتها، وعلقت الدعاوى تبعا لذلك لحين الفصل فيها من قبل المحكمة الدستورية العليا، لذلك كانت مبادرة «فخري» فى محلها، ولكنها ليست كافية، وكان رفض «رامز» فى محله، للمطالبة برفع الدعم. وعليه وجب تدخل الحكومة لرفع الغبن الواقع على جمهور المقترضين، ان اردنا لما لا يقل عن 17 ألف مصنع العودة إلى الانتاج، ولما لا يقل عن 400 ألف مشروع عقارى لانتهاء تشطيبها، واستغلالها كثروة عقارية. والحكومة يمكنها ان تتدخل بمنح القطاعات الاستثمارية فى المجالات الصناعية والسياحية والعقارية والتجارية وحتى الفلاحين والطلاب والشباب ومشترى التاكسيات، بمنحهم إعانت حكومية وإلغاء ديونهم وفوائد تلك الديون، وإطلاق سراح من دخل منهم السجون، أما كيف يتم ذلك، فعن طريق لجنة الأصلاح التشريعى المشكلة حديثا، ثم عن طريق نظرية الإصدار النقدى الحديث. لمزيد من مقالات المستشار: حسن احمد عمر