أحد أبرز مظاهر عدم التوافق والانقسام السياسى تتمثل في الصراع حول الحدث المؤسس لشرعية عمليات الانتقال الثلاث، وهل هو وقائع 25 يناير وما بعد أم أحداث 30 يونيو 2013؟ سؤال الشرعية يبدو مركزياً في السجالات السياسية المحتقنة بين أطراف المشاهد السياسية المهتاجة حيناً على الواقع الفعلى، أو الافتراضى، لأن كل طرف يسعى إلى إقصاء أو تنحية أطراف أخرى في تكوين ودينامية ومألات كل حدث مؤسس، والفاعلين في إطاره ومستقبلهم في المرحلة الانتقالية الرابعة في أعقاب انتخاب مجلس النواب القادم. الأسئلة التى نطرحها هنا سعياً وراء إجابة أو تفسير هى: ما الذى يكمن وراء هذا الصراع حول الحدث المؤسس والسردية السياسية المعبرة عنه في مسارات العمليات الانتقالية، وما هى أطرافه الأساسية؟ وما أثر ذلك على أى مسعى لبناء توافق يساعد على تشكيل الوفاق القومى في واقع متغير ومتصارع وضاغط كونياً وإقليمياً، وعلى إيقاعات من التغير السريع والصراع الجيلى والاجتماعى الداخلى؟ ما الذى يقف وراء السعى نحو التركيز على أحداث 30 يونيو كشرعية مؤسسة للتغير الانتقالى منذ 25 يناير؟ وما أثر ذلك على عملية إصلاح أو تجديد الدولة المصرية المركزية! الصراع حول الحدث المؤسس بين 25 يناير 2011، و 30 يونيو 2013 ينطوى على بعض الاختلاطات، لأن بعض من شاركوا في الحدث الأول، شاركوا في الثانى، وكل طرف يرمى الأطراف الأخرى ببعض من الاتهامات القدحية والهجائية التى تبرر وتسوغ سياسة الأزاحة أو الأقصاء من قلب المشهد في الواقع الفعلى أو التلفازى. ما وراء الخطابات القدحية المتنازعة يكمن صراع جيلى، وفجوة بين الأجيال المصرية في علاقاتها بالسياسة والموقف من الدولة والنظام السياسى. الجيل الشاب من أبناء "الفئات" الوسطى - الوسطى، والوسطى – الصغيرة المدينية في القاهرة والإسكندرية، ومعهم بعض من مفكرى جيل السبعينيات، يركز على شرعية 25 يناير 2011، ويعتبر بعضهم أن العملية الثورية تم السطو عليها من قبل المجلس العسكرى الأول، وجماعة الإخوان. ثُلة من جيل السبعينيات وقلة من الطلائع الجيلية الثورية الشابة- من 18 إلى 30 سنة- انخرط في عملية شرعية العملية الانتخابية إلى جانب الإخوان المسلمين في إطار اتفاق فيرمونت، الذى لم يأبه به رئيس الجمهورية الأسبق ومحمد مرسى وجماعته، وتراجع هؤلاء عن تأييده وانخرط بعضهم في عمليات الاحتجاج السياسى والاجتماعى، وفى التمهيد لحركة تمرد، وشارك بعضهم في إطارها والحشد لها. دعاة ومؤيدى شرعية 30 يونيو، يتشكلون من حركة تمرد وما وراءها من قوى داعمة في بعض أجهزة الدولة المصرية، وبعض من شباب 25 يناير، وأقسام من "الطبقة" الوسطى- الوسطى، والصغيرة الحضرية الذين رأوا إن ثمة تهديدات من محاولة أخونة الدولة، وأثر ذلك السلبية والضاغطة على نمط تدينهم الاعتدالى، وأسلوب حياتهم الحديث والعصرى – المخلط بخصوصيتهم المصرية والدينية في المزاوجة بين القيم الإسلامية والمسيحية والحياة المعاصرة- والمخاوف من تعرض الدولة ومستقبلها لتهديدات عديدة، وعلى الخصوصية والقومية المصرية، وبروز أشكال من الغضب في بعض المدن المريفة في الدلتا والصعيد. بعض من أجهزة الدولة التى أصابتها أضرار مست مكانتها وهيبتها الاجتماعية كالجماعة القضائية كما برز ذلك في مواقف نادى القضاة العام بالقاهرة ورئيسة المستشار أحمد الزند، ورئيس المحكمة الدستورية العليا الذى أصبح رئيس الجمهورية المؤقت في خارطة الطريق، وشيخ الأزهر وبعض علماءه، وغالب دعاة وزارة الأوقاف بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية، والاستخباراتية الذين تعرضوا لبعض من الاهتزازات والأضرار من جراء سياسة وإدارة رئيس الجمهورية الأسبق د.محمد مرسى، ومعهم المؤسسة العسكرية، والأغلبية الساحقة من جهاز الدولة البيروقراطى، وغالب بقايا الحزب الوطنى المنحل، والغالبية الساحقة من الأقباط الذين مورست ضغوط شديدة عليهم، وانتهاكات لحرياتهم الدينية على نحو غير مألوف منذ 23 يوليو 1952. في بداية تشكيل القوى المشاركة في حدث 30 يونيو كان الهدف هو إحداث تغيير سياسى يستعيد آلق وشرعية 25 يناير 2011. أستمر التوافق إلى 3 يوليو، و 26 يوليو، وبعد إعلان خارطة الطريق، وبدء المرحلة الانتقالية الثالثة. شجر الخلاف ثم الصراع بين الأطراف المشاركة في كلا الحدثين المؤسسين لشرعية الانتقال. خرجت بعض الطلائع الشابة الثورية التى شاركت في 30 يونيو 2013 من هذا التحالف، نظراً لبروز بعض الوجوه القديمة للحزب الوطنى ونخبة مبارك ولجنة السياسات، وظهور بعض المواقف والآراء التى تفتقر إلى الرصانة السياسية، لأنها حملت معها سوقية في الخطاب وبروز الوجوه القاسية والقمعية التى مارستها بعض أجهزة الدولة –أياً كانت المبررات لهذه الممارسة-، وكأن شيئاً لم يحدث منذ 25 يناير!. ازدياد اشتداد القبضة الأمنية، وعمليات القبض العشوائى، لاسيما بعد فض اعتصامى ميدانى رابعة العدوية بمدينة نصر، والنهضة بالجيزة، وعديد الضحايا في هذا الإطار- نظراً لاستخدام جماعة الإخوان، وبعض السلفيين عديد وآحاد المواطنين المشاركين في هذين الاعتصامين. تأثر بعض حركD 25 يناير من الشباب بأعداد الضحايا والمصابين، وبعضهم الآخر بآراء البرادعى، ومواقف بعض المنظمات الدفاعية الحقوقية الطوعية على عديد المستويات الكونية- تحديداً في المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة- والإقليمية حيث تتأثر آراء بعضها بالجهات المانحة. من ناحية أخرى أدت انتفاضة يناير 2011 إلى إزاحة الناشط الحقوقى لصالح الناشط السياسى وتوارى دور الأول لصالح الثانى، وغالب الناشطين الحقوقيين تحولوا إلى أداء دور الناشط السياسى. من هنا كانت أحداث ميدانى رابعة العدوية، والنهضة فرصة ذهبية لعودة دور الناشط الحقوقى مجدداً، ومعها مواقف بعضهم من جيل السبعينيات وما بعد، ومن ثم إلى إعادة إنتاج بعضهم موقفهم الماركسى التقليدى حول ثورة يوليو 1952، ومفهوم الانقلاب، والموقف من المؤسسة العسكرية المصرية الوطنية. من هنا خرج هؤلاء ومعهم آخرين من إطار دعم خارطة الطريق الثالثة. تزايدت أعداد بعض الغاضبين من العناصر الشابة من الذين شاركوا في انتفاضة 25 يناير 2011، مع إصدار وتطبيق قانون تنظيم التظاهر السلمى وتحويل بعضهم للمحاكمة والحكم على بعضهم ويحتاج الأمر إلى مراجعة للقانون والعفو الرئاسى عن المحكوم عليهم. من ناحية أخرى نستطيع أن نلمح موقفاً إيديولوجيا وسياسياً وحركيا من 30 يونيو 2011 من الاشتراكيين الثوريين، و 6 أبريل، والأناركيين. أدى إلى ارتفاع أصوات الغضب لدى بعض هذه المجموعات السياسية، عديد الأسباب منها ما يلى: 1- الموقف الأورو -أمريكى والغربى والأفريقى.. إلخ عموماً الذى ركز على المفهوم الإجرائى لشرعية صناديق الاقتراع، ومن ثم اعتبار ما حدث محضُ انقلاب، مع تناسى عشرات الملايين الذين خرجوا للتظاهر يومى 30، 6 يوليو، ومن ثم نحن إزاء انقلابُ شعبى على نحو ما يذكرنا بما حدث بعد 23 يوليو 1952، ثم تبلور مشروع يوليو الاجتماعى، والاستقلالى الوطنى. 2- الهجوم الهجائى العنيف لنخبة نظام مبارك، على شباب 25 يناير واتهاماتهم المرسلة لهم بالتمويل الخارجى، وبأنهم يفتقرون للخبرة السياسية، والقدرات التنظيمية!، وأنهم سعوا إلى إسقاط الدولة!! 3- الهجاء الإعلامى الشرس للطلائع الشابة وإسناد مسئولية الاضطرابات في البيئة الأمنية، وتدهور الاقتصاد عليهم،. والتنديد الشرس بانتفاضة يناير من قبل بعض إعلاميو نظام مبارك ولجنة السياسات، واعتبارها مؤامرة على الدولة والمجتمع .. الخ. 4- تنامى ظهور بعض رجالات الحزب الوطنى، وعناصر شاركت في لجنة السياسات في الأعلام المرئى والمكتوب، وبعضهم شارك في التشكيلات الوزارية في حكومات الببلاوى، و محلب, 5- الدعم السعودى، والأماراتى، والكوينى، والبحرينى والأردنى للسلطة الانتقالية، وهو الأمر الذى استشار لدى يساريو مجموعات يناير مواقفهم الإيديولوجية والسياسية التقليدية وتحفظاتهم من محور الدول العربية النفطية المحافظة، وعدم مراعاة الضرورات فيما وراء سياسة الدولة. يلاحظ أيضاً أثر نزعة الأقصاء لدى بعض هذه الأطراف، في انعكاسها على نسب مشاركة بعض شباب الطبقة الوسطى- الوسطى في المدن في الاستفتاء على دستور 2014. لا شك أن ثمة فجوة تتزايد بين نخبة الدولة ومؤسساتها، وبين هؤلاء الشباب على نحو دفع رئيس الجمهورية المؤقت السيد/ عدلى منصور إلى محاولة التخفيف من وقع هذه الفجوة والحد من آثارها، ولم يتمكن. من ناحية ثانية: وجه رئيس الجمهورية السيد/ عبد الفتاح السيسى عديد الرسائل في خطاباته لمحاولة تجسير الفجوة مع بعض شباب الطبقة الوسطى- الوسطى الحضرية، لاسيما في القاهرة والإسكندرية، وقام بتشكيل مجموعة شابة – بعضها من حركة تمرد- ضمن فريقه الانتخابى، لكن هذه الجهود لا تزال أولية، ولم تؤت ثمارها المرجوة.