حديد عز يسجل ارتفاعًا جديدًا.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة دريمز الغاني    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما يبدأ رحلة «تصحيح المسار» مع مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 06 - 2014

"نؤمن أن مستقبل مصر يحدده الشعب المصري، ولا يوجد انتقال ديمقراطى دون صعوبات، وأن الشراكة الطويلة بين مصر والولايات المتحدة تقوم على المصالح والقيم المشتركة"، هذه مقتطفات من بيان الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 3 يوليو 2013، بعد ساعات قليلة من الإعلان عن خارطة المستقبل وعزل الرئيس السابق محمد مرسي.
مع اقتراب الذكرى الأولى لهذا الحدث الكبير فى تاريخ مصر، وتحديدا فى 11 يونيو 2014، أجرى أوباما اتصالا هاتفيا بالرئيس المصرى المنتخب عبد الفتاح السيسى لتهنئته، والتعبير عن دعم الإدارة الأمريكية للطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري.
وخلال التاريخين، مرت العلاقات الأمريكية - المصرية بمرحلة مما يمكن أن نسميه "القطبين المتنافرين"، ونفى وجود قيادة سياسية، التركيز على الشعب المصرى كمعادل وحيد فى المشهد المصري. والآن، اعترفت واشنطن بوجود قيادة سياسية منتخبة بشكل ديمقراطى حر إلى جلنب إعلان دعمها المستمر لطموحات الشعب.
وخلال الشهور الماضية، دأبت اشنطن على إرسال رسائل متضاربة وملتبسة، ولا يوجد دليلا أقوى من التعامل مع ملف المساعدات العسكرية لمصر حيث قامت بقطع المساعدات إلى القاهرة خلال أكتوبر الماضي، ثم أعلنت عن استئنافا جزئيا وتسليم مصر طائرات الأباتشى لمحاربة الإرهاب، ويبحث الكونجرس حاليا تخفيض 400 مليون دولار.
ارتباك غير مبرر فى مواقف الولايات المتحدة خلال عام من التحول الديمقراطي، الذى اعترف أوباما بصعوبته منذ اللحظات الأولى بعد 30 يونيو.
ولكن كيف يمكن أن يصيغ أوباما سياسة واضحة ومفهومة تجاه مصر خلال الشهور المتبقية فى عمر إدارته؟ وما هى مدى دقة تأثير جماعة الإخوان الإرهابية على مجريات السياسة الخارجية الأمريكية؟
الحقيقة التى يجب أن يعترف بها أوباما أن سياسات واشنطن فشلت فى دعم ما كان يتصوره الأمريكيون على أنه الإسلام المعتدل فى المنطقة. وما يستتبع ذلك بالضرورة من الاعتراف بفشل حكم الإسلاميين فى المنطقة خلال فترة قصيرة. الاعتراف جاء على لسان جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية الذى أكد أن الإخوان سرقوا ثورة الشباب المصري. والآن، وبعد أن شعر قيادات الجماعة الإرهابية باقتراب "فك الارتباط" مع الإدارة الأمريكية، بدأت التلويح بفضح الأسرار والوثائق السرية والترتيبات المشتركة.
وهددت الجماعة ب"ويكيليكس" جديدة، وتسريب الاتفاقات والأسرار بين أوباما وفروع الإخوان فى ليبيا ومصر وتونس.
ولعلهم سيفعلون خيرا بالكشف عن مؤامراتهم واتفاقيتهم السرية، خاصة بعد أن بدأ مركز "الحوار"، ومقره واشنطن، فى تسريب بعض البرقيات والاتفاقيات بين واشنطن وإخوان بنغازي.أما الاعتراف الثانى الذى يجب أن تقدمه الولايات المتحدة هو أنه خلال عام من 30 يونيو2013، التزمت مصر بما تعهدت به من خطوات تجاه خريطة المستقبل. وكذلك الاعتراف بأن سبب الانتكاسة فى المنطقة، إلى جانب عوامل أخرى، هو التدخل الأمريكى فى محاولات صنع القرار السياسى وفرضه بالقوة فى بعض الأحيان.
أمريكا فشلت منذ اللحظة الأولى فى التعامل مع ثورات شعوب المنطقة، على الرغم من إقرارها ب "حكم" أو "قرار" الشعب الذى يؤكده دائما أوباما فى جميع بياناته وتصريحاته. وهذا ما كشفت عنه هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة فى كتابها "خيارات صعبة" حيث أكدت وجود انقسام داخل الإدارة بين الحرس القديم وجيل الشباب حول التعامل مع الإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك، فهى كانت تفضل انتقالا سلميا فى السلطة، إلا أن أوباما سارع فى اليوم التالى إلى دعوة مبارك إلى الرحيل، والإشادة بثورة الشباب المصرى الذى أذهل العالم. وبعد عام من الحكم الفاشل للإخوان، وخروج الملايين للمطالبة بعزل مرسي، حاول البيت الأبيض إتباع سياسة "إمساك العصا من المنتصف"، لكن هذه السياسة أيضا فشلت فى التعامل مع المعطيات السياسية الجديدة فى مصر بل ومع طموحات الشعب المصرى "كلمة السر التى دائما ما يستخدمها أوباما".
لكن العبرة الآن ليست فى الاعتراف بالأخطاء وسلسلة الفشل المتواصل فى قراءة الأحداث فى المنطقة، ولكن بتصحيح المسار.
والعبرة فى تصحيح المسار ليست فى محاولات "لى الذراع" بورقة المساعدات، لأنه هناك خيارات أخرى أمام القاهرة، ولا فى محاولات فرض الديمقراطية بالقوة، وإنما دعم مصر كشريك إستراتيجى وحليف قوى فى الشرق الأوسط والعالم العربي، خاصة فى ظل ما تموج به المنطقة من صراعات خاصة فى العراق وسوريا وليبيا... وغيرها.
اتصال أوباما بالسيسى وتصريحاته حول مساندة مصر، وزيارة كيرى إلى القاهرة ربما كانت بدايات على طريق إعادة التقارب بين القاهرة وواشنطن، وهو ما يشكل اعترافا بوجود قيادة سياسية جديدة ويفتح بابا أمام إستعادة مصر لدورها الإقليمى والدولى المهم خلال هذه المرحلة الصعبة.
لكن الاتصالات السياسية ليست كافية وحدها لتصحيح مسار التحالف الإستراتيجى القديم، لابد من صياغة جديدة لمفهوم هذا التحالف تنبنى على سياسة الحوار وليس الإملاءات. ولابد من تقديم الدعم لمصر الجديدة التى تواجه تحديات صعبة على جميع الأصعدة من أجل إعادة البناء، وحسم قضية المساعدات العسكرية فى أسرع وقت ممكن بدلا من التلويح بها كورقة ضغط.
معركة العرب من المحيط الى الخليج
أسماء الحسينى

لم تكن ثورة 30 يونيو معركة الشعب المصرى وحده، بل كانت معركة الشعوب العربية كلها، ولم يكن نطاقها فقط ميادين وشوارع القاهرة ومحافظات مصر، بل امتدت على المدى العربى كله من المحيط إلى الخليج.. كان العالم العربى كله يتابع إرهاصاتها ثم يومياتها لحظة بلحظة، ومشهدا بمشهد، وهو يدرك تمام الإدراك أن التغيير فى المنطقة مرتبط باتجاه وقدر التغيير الذى سيحدث فى مصر، قلب العروبة النابض، التى وهبها الله على مر التاريخ وزنا سياسيا وبعدا جيواستراتيجيا ، جعلاها مركزا رياديا لكل حركة تغيير بالمنطقة.
وبنجاح ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو عام 2013، تنفست شعوب وأنظمة عربية عديدة فى المنطقة الصعداء، واحتفلت بنجاحها الجماهير العربية فى شوارع غزة والخرطوم وبيروت وعواصم الخليج ودول المغرب العربى وسائر الدول العربية، إذ كانت تخشى غالبية الشعوب العربية من أنموذج "إسلامى" أو بالأدق حكم فصيل أو تيار، يتم الإعداد له فى مصر، ليتمدد فى أرجاء المنطقة بأسرها، وكانت بداياته قد بدأت فى الظهور فى تونس وليبيا مع صعود الإسلاميين للحكم، مع ظهير إسلامى لهم فى غزة والسودان. وقد بدأت الحركات الإسلامية من المحيط إلى الخليج تستعد هى الأخرى للقفز إلى كراسى السلطة فى بلدانهم بأى طريق، وإسقاط الأنظمة القائمة ، مستقوية بنظام الإخوان المسلمين فى مصر، أو مستلهمة تجربته ، بالإضافة إلى دعم قوى دولية وإقليمية وقد أثار ذلك مخاوف كبرى من وقوع المنطقة أسيرة هذا التيار الأحادى، ليس فى السياسة والاقتصاد وإدارة الدولة فقط، وإنما أيضا فى رؤيته للفكر والثقافة وأسلوب الحياة ونمط العيش ، وفى تفسيره للدين، وتزايدت الهواجس لدى الأقليات والنساء وغير المنتمين للتيار الإسلامى أو للإخوان من الإقصاء والتهميش ، بل وعلى إمكانية تفكك الدول ذاتها على أساس دينى ، أو تجريف وتقويض مؤسساتها .
ومن هنا جاء الاصطفاف العربى الكبير الداعم لثورة 30 يونيو فى مصر، على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية، المادية والمعنوية، فى الداخل وعلى المستوى الدولى، باستثناء مواقف محدودة جاءت سلبية أو محايدة، وهو فى حقيقة الأمر اصطفاف ضد مخططات تفكيك المنطقة وتجزئتها، وضد محاولات تقسيم الدول العربية أو إعادة صياغتها صياغة قسرية تتعارض مع تاريخها وهويتها.
وقد توالى الدعم للجمهورية الجديدة فى مصر ولخارطة المستقبل، من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان والأردن والجزائر والمغرب وموريتانيا ..وجميع الدول العربية تقريبا ، باستثناءات محدودة، على شكل مساعدات وقروض ومشروعات تنموية ، وأيضا على شكل تحرك قوى داعم ومساند فى المحافل الدولية وعواصم العالم، وهو ما كان له أكبر الأثر فى تثبيت الأوضاع فى مصر بعد 30 يونيو.
وقد كان هناك إشارات قوية لدعم مصر ، تمثلت فى الحضور الكبير اللافت للزعماء والقادة العرب فى حفل تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى ، وفى دعوة العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبد العزيز لمؤتمر المانحين لدعم الاقتصاد المصرى، ثم زيارته الكريمة للقاهرة.
ومن الوفاء أن نتذكر ونحن نحيى اليوم ذكرى ثورة يونيو بكل العرفان والتقدير هذه الأدوار العظيمة للشعوب والقادة العرب، الذين وقفوا إلى جانبنا داعمين ومؤازرين ، ولولا وقفتهم القوية هذه معنا فى وقت الشدائد والمحن ، لواجهت مصر صعوبات كبيرة فى ظل ضغوط وتحركات عالمية وإقليمية معادية، أرادت محاصرة مصر وكسر إرادة شعبها وإخماد ثورتها.
عودة الروح للعلاقات المصرية-الإفريقية
مروى محمد إبراهيم
بقدر ما يبدو هذا غريبا، إلا أن ثورة 30 يونيو كانت فى الحقيقة نقطة فاصلة فى تاريخ العلاقات المصرية- الأفريقية. فلم يكن تجميد أنشطة مصر فى الاتحاد الأفريقي، وما تزامن معه من تصعيد فى أزمة سد النهضة، موقفا عدائيا بقدر ما كان وقفة لإعادة النظر فى العلاقات بين الجانبين. وهو ما جاء كنتيجة مباشرة لعقود من العداء والتعالى من نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، أعقبتها حقبة سوداء من الشقاق والتهديد باستخدام القوة العسكرية لمحو السد الأثيوبى المثير للجدل من على وجه الأرض. الأمر الذى استدعى وقفة حقيقية لإعادة تقييم العلاقات بين مصر وجيرانها فى القارة السمراء، وإدراك قيمة الثمار التى سيحصدها الجانبان فى حالة دعم وتوطيد العلاقات بينهما.
فعلى الرغم من عقود الشقاق والتباعد بين مصر وجيرانها الأفارقة، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل الدور الذى لعبته واشنطن لإشعال وتصعيد الأزمات الكامنة بين الطرفين. فلا بد من الإشارة إلى الجولة الأفريقية الفريدة من نوعها التى قام بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 26 يونيو 2013، أى قبل أيام قليلة من اندلاع ثورة 30 يونيو، وما أعقبها من موقف أفريقى متشدد وغير مسبوق تجاه التطورات المتلاحقة التى شهدتها مصر فى هذا المرحلة.
وبالطبع لا يمكن الفصل بين هذه الزيارة والموقف الأفريقى المتشدد تجاه القاهرة، فأوباما قدم خلال جولته التى شملت السنغال وتنزانيا وجنوب أفريقيا الكثير من الوعود الاقتصادية الواهية على أمل تحقيق التقارب مع القارة السمراء بعد أعوام طويلة من التجاهل خلال فترة ولايته الأولى. وكان من الطبيعى أن يعقب هذه الزيارة دعما أفريقيا للمواقف الأمريكية الموالية للإخوان على حساب الشعب المصرى ورغباته واحتياجاته، حتى وإن كانت تتعارض إلى حد كبير مع طبيعة الأوضاع فى مختلف دول القارة، والتى تعانى أغلبها من صراعات مسلحة ونزاعات طائفية ونظم حكم مستبدة. فكان من غير المألوف أن يسارع الاتحاد الأفريقى لتجميد عضوية مصر، فى حين أنه لم يتحرك ليتخذ مواقف مشابهة ضد دول أفريقية ربما تواجه أوضاعا داخلية أسوأ من مصر بكثير.
وطوال فترة تجميد عضوية مصر، لم تتسم لهجة دول الاتحاد بالجفاء أو العداء تجاه القاهرة. كما لعبت لجنة الحكماء التى أوفدها الاتحاد لتقييم الأوضاع فى مصر، بقيادة ألفا عمر كونارى رئيس مالى السابق دورا هاما فى تحسين العلاقات بين مصر وجيرانها الأفارقة، حيث أوصت اللجنة فى تقريرها بعودة مصر إلى أحضان أفريقيا، مؤكدا أنه لايوجد ما يحول دون هذه الخطوة فى أعقاب إقرار الدستور الجديد وانتخاب رئيس جديد للبلاد. فمصر أثبتت التزامها التام بخريطة المستقبل التى تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسى بتنفيذها منذ لحظة الإطاحة بالنظام الإخوانى السابق.
وعلى الصعيد المصري، لم تأل القاهرة جهدا لتأكيد حرصها على تقارب مع أفريقيا سواء من خلال البعثات الدبلوماسية أو التصريحات الرسمية. وهذا التحرك المصرى جاء فى إطار خطة واضحة ومحددة ارتأت انه حان الوقت لإعادة مصر إلى جذورها الإفريقية ليس فقط من خلال زيارات رسمية وبيانات دبلوماسية، وإنما من خلال التركيز على خلق مصالح مشتركة طويلة المدى تقوم على تحقيق المنفعة المتبادلة لكل الأطراف وتعزيز أواصر التعاون بين الشعوب الإفريقية، وفى هذا الإطار جاءت الزيارات الرسمية المصرية سواءً على مستوى رئيس الوزراء الذى زار ثلاث دول افريقية، أو على مستوى وزير الخارجية السابق الذى لم يكتف بالمشاركة فى مختلف المحافل الإفريقية الإقليمية والدولية، وإنما قام فى غضون شهور قليلة بست جولات زار خلالها نحو 15 دولة افريقية، استهدفت بالأساس إبراز عودة الاهتمام المصرى بقارتها الإفريقية فضلاً عن اصطحابه للعديد من رجال الأعمال فى كافة هذه الزيارات بغية إيجاد فرصة وموطئ قدم للشركات المصرية داخل الأسواق الإفريقية، فمثل هذه العلاقات هو ما يبقى ويعزز من علاقات الشعوب.
التحرك المصرى المشار إليه عمل على إعادة هيكلة العلاقة بين مصر وإفريقيا بعيداً عن فكرة تقديم المعونات التقليدية، من خلال إحلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بديلاً عن الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا وهى الوكالة التى سيوجه النصيب الأكبر من أنشطتها للدول الإفريقية فى إطار منظومة جديدة من التعاون لاسيما فى المجالات التى تتمتع مصر فيها بميزة نسبية وخبرة كبيرة، مثل مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات الصحية، والزراعة، والطاقة والعمل على تنفيذ مشروعات مشتركة فى هذه القطاعات وذلك كما ذكرنا بعيداً عن الأطر التقليدية لتقديم المعونات الفنية والمالية. هذا التحرك هو ما كان له بالغ الأثر فى تغير مواقف العديد من الدول الأفريقية بل والرئيسية منها إزاء مصر، وهو ما انعكس فى قرار الاتحاد الإفريقى بإيفاد بعثة لمتابعة الانتخابات الرئاسية فى مصر، وكذلك إيفاد بعثة من تجمع الساحل والصحراء والكوميسا ومنظمة الفرانكفونية، فضلاً عن مشاركة دولاً هامة مثل نيجيريا – إلى جانب دول أخرى من خارج القارة مثل المكسيك والهند والأردن - بما يعد تسليماً بخارطة المستقبل فى مصر وتوجت جهود الخارجية المصرية بعودة مصر إلى نشاط الاتحاد الإفريقى بإجماع الدول يوم 17 يونيو الحالى.
كما أن تصريحات الرئيس السيسى خلال حملته الانتخابية حول أفريقيا وما اتسمت به من ود وليونة كان لها الوقع الأكبر على الأرجح لتأكيد أن مصر تسعى لفتح صفحة جديدة من التعاون والتقارب مع أشقائها الأفارقة. .
فالسيسى لم يتعامل مع أزمة سد النهضة من منطلق أنها طبول الحرب التى تدقها أثيوبيا فى وجه مصر، ولكنه اعترف بحق أديس أبابا فى وضع خطط تنموية للمستقبل، ولكن بشكل توافقى مع القاهرة لا يؤثر على حصة مصر وحق شعبها فى مياه النيل.
إن ثورة 30 يونيو تختلف كثيرا عن ثورة 25 يناير 2011، وأهم ما ميزها أنها وجدت قائدا حكيما، نجح فى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع العالم وعلى رأسها العلاقات مع أفريقيا. فقد أدرك منذ البداية أهمية الحفاظ على علاقات طيبة مع دول الجوار الأفريقي، وخاصة تلك التى يربط بينها وبين مصر نهر النيل والذى يعتبر شريان الحياة المشترك بين دوله. كما أن نظرته المختلفة لقضية حيوية مثل سد النهضة، كان لها الدور فى تقارب مصري- أثيوبى غير مسبوق، ربما يعود بفوائد مستقبلية على مصر التى هى فى أمس الحاجة لمصدر جديد للطاقة الكهربائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.