مكالمة هاتفية لم تحدث بعد فور إعلان نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم الأحد 24 يونيو 2012، وفوز الدكتور محمد مرسى، المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، رحبت إدارة أوباما رسميا بنتيجة الانتخابات. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاى كارنى: «نعتقد أن من المهم للرئيس المنتخب مرسى أن يتخذ خطوات فى هذا الوقت التاريخى للنهوض بالوحدة الوطنية بالتواصل مع كل الأطراف والقوى فى مشاورات بشأن تشكيل حكومة جديدة». كارنى دعا مرسى، أول رئيس مدنى منتخب منذ إعلان الجمهورية فى مصر عام 1953، وأول رئيس منتخب منذ أطاحت ثورة 25 يناير 2011 بالرئيس الأسبق، حسنى مبارك، إلى «ضمان أن تبقى مصر دعامة للسلام والأمن والاستقرار الإقليمى». وتحدث أوباما للمرشح الفائز فى انتخابات 2012 مرسى، والخاسر أحمد شفيق، رغم أن يوم إعلان النتائج كان يوم الأحد، وهو عطلة أسبوعية. فقد أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس المنتخب وهنأه بالفوز. وبحسب البيت الأبيض، أكد أوباما لمرسى أن واشنطن ستواصل دعم تحول مصر إلى الديمقراطية، وستقف بجانب الشعب المصرى وهو يحقق أهداف ثورته. أوباما أعرب عن رغبته فى العمل مع الرئيس المنتخب، على أساس من الاحترام المتبادل. وأجرى أوباما أيضا اتصالا هاتفيا بالفريق متقاعد، شفيق، حيث شجعه على «الاستمرار فى القيام بدور فى الحياة السياسية المصرية من خلال دعم العملية الديمقراطية والعمل على توحيد الشعب المصري». ورغم إعلان واشنطن، الأسبوع الماضى، أن أوباما سيتصل بالسيسى فى الأيام المقبلة، إلا أن هذا لم يحدث، ما أثار تساؤلات ردت عليها الخارجية الأمريكية، مساء أمس الأول، بإجابة غير مقنعة تماما، وهى أن «هذا التأخر فى الاتصال يعود إلى ظروف سفره (أوباما كان فى جولة أوروبية) وانشغاله، وليس إلى أى سبب آخر، لكنها (المكالمة الهاتفية) ستحدث عن قريب». رؤية السيسى لواشنطن المشير السيسى من ناحيته، أربك خبراء واشنطن بشأن رؤيته للعلاقات المصرية الأمريكية. فخلال مقابلة السيسى، عندما كان وزيرا للدفاع، مع صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فى أغسطس الماضى، اتهم إدارة أوباما بتجاهل إرادة الشعب المصرى، وعدم توفير الدعم الكافى، وسط تهديدات بانزلاق البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية. السيسى قال بالضبط إن واشنطن «تركت المصريين وحدهم» فى الأزمة، و«أدارت ظهرها للمصريين»، مشددا على أن «المصريين لن ينسوا ذلك لأمريكا». كذلك عبر السيسى عن غضبه لتأجيل توريد أربع طائرات مقاتلة من طراز «إف 16» للقوات الجوية المصرية. واعتبر الكثير من الخبراء الأمريكيين عبارات السيسى «تحولا كبيرا فى رؤية العسكرية المصرية لمستقبل العلاقات مع واشنطن»، خصوصا مع ما مثلته تلك العبارات من مفاجأة كبيرة لدوائر صنع القرار الأمريكى، التى لطالما رأت فى الجيش أكبر حليف لها داخل مصر. كذلك أضافت خلفية السيسى، من حيث تلقيه تعليما عاليا فى كلية الحرب الأمريكية، مزيدا من الجدل حول هذه التصريحات التى رآها البعض بمثابة «تهديدات غير متوقعة». إلا أن الصورة تغيرت بعدما لحقها مزيد من الاضطراب إثر زيارة السيسى لروسيا ولقائه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وخروج بعض البيانات الصحفية تتحدث عن صفقات سلاح كبرى. وفى مقابلات إعلامية مؤخرا، وصف السيسى العلاقات مع واشنطن بأنها «علاقات استراتيجية مستقرة وثابتة»، وقال إنه يتفهم المنطق الأمريكى فيما يتعلق بتجميد المساعدات العسكرية عقب أحداث 3 يوليو الماضى (عزل الرئيس حينها محمد مرسى). وهى تصريحات تعكس رغبة مصرية رسمية فى عودة العلاقات الثنائية مع واشنطن لما كانت عليه قبل أحداث 3 يوليو. ورغم أن الرئيس الأمريكى أكد أن علاقات بلاده مع مصر لن تعود إلى ما كانت عليه، ومطالبته أركان إدارته بطرح تصورات جديدة للعلاقات بين الدولتين، فإن القاهرة لا تريد لنمط العلاقات أن يتغير. ودلت خبرة علاقات الدولتين على محورية دور ورؤية الرئيس المصرى لتلك العلاقات، ومنذ بداية النظام الجمهورى فى مصر، فى أعقاب نجاح حركة الضباط الأحرار عام 1952 وحتى بدء ثورة 25 يناير 2011، حكم مصر فعليا ثلاثة رؤساء (جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسنى مبارك)، وأثر كل منهم بصورة مركزية فى تحديد طبيعة العلاقات مع واشنطن. وفى الفترة نفسها، شهد البيت الأبيض 12 رئيسا لم يغير أى منهم طبيعة العلاقات مع القاهرة، حيث ارتبط التوجه الأمريكى دائما بالمصالح الأمريكية شبه الراسخة فى مصر والشرق الأوسط. وذلك على النقيض من شخصنه الموضوع من جانب الرئيس المصرى. مجلس النواب سعيد منذ بداية حقبة 30 يونيو الماضى، عبر دوما مجلس النواب الأمريكى (إحدى غرفتى الكونجرس)، ذو الاغلبية الجمهورية، عن دعمه لخطوات الجيش المصرى، الذى أطاح، بمشاركة شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس مرسى، ودعم خطته لعودة الديمقراطية لمصر. من هنا جاء وصف رئيسة لجنة الاعتمادات بالمجلس، النائبة الجمهورية، كاى جرانجر، للانتخابات الرئاسية فى مايو الماضى باللحظة التاريخية فى حياة الشعب المصرى، وخطوة مهمة فى الرحلة التى بدأها المصريون قبل ثلاث سنوات طالبا للتغيير. جرانجر رأت أن رد إدارة أوباما على الأحداث، التى جرت فى مصر منذ 30 يونيو الماضى، بعث بإشارات مختلطة للشعب المصرى ولحلفاء واشنطن فى المنطقة، غير أنها تأمل أن تعطى الانتخابات الرئاسية فى مصر، وانتخاب السيسى، فرصة للحكومة الأمريكية لإعادة صياغة الشراكة الاستراتيجية مع مصر، التى وصفتها بالمهمة. .. والشيوخ يعاند بينما تمسك أقطاب مجلس الشيوخ، ذو الاغلبية الديمقراطية، بضرورة تطبيق المبادئ الأمريكية، وتوصيف الإطاحة بمرسى بأنها «انقلاب عسكرى»، وعليه يتم تلقائيا، وفقا للقانون الأمريكى، وقف المساعدات العسكرية عن الجيش المصرى. ومن هنا جاء تحفظ المجلس على العملية الانتخابية فى مصر. وأعلن رئيس اللجنة الفرعية المشرفة على المساعدة الخارجية فى المجلس، السيناتور الديمقراطى، باتريك ليهى، عدم وجود خطط لتحريك أموال المساعدات المجمدة فى 2014. وبموجب قانون أعده ليهى، ينبغى أن يؤكد وزير الخارجية الأمريكى أن مصر على طريق الديموقراطية قبل الإفراج عن أى مساعدة، وهو ما لم يقم به كيرى، وذلك على الرغم من إعلان الإدارة الأمريكية عن استئناف بعض المساعدات العسكرية للجيش المصرى، بما فى ذلك 10 طائرات من طراز «أباتشى»، للمساعدة فى مكافحة الإرهاب فى سيناء، على الحدود مع إسرائيل. زيارة رئاسية فى الأفق واشنطن هى أهم العواصم التى تهتم بها الرئاسة المصرية، قديمها وجديدها. فالعاصمة الأمريكية هى التى تحفظت على ما حدث فى مصر منذ عزل مرسى، رغم قبولها بالواقع الجديد، وواشنطن هى التى جمدت المساعدات العسكرية لمصر، فى محاولة فاشلة للضغط على الجيش المصرى، وواشنطن هى التى ذكر رئيسها أن علاقة بلاده بمصر لن تعود كما كانت عليه، وأمر بمراجعة شاملة لعلاقات البلدين، وواشنطن هى العاصمة التى استهدفتها جهود متكررة من الحكومة المصرية وحكومات دول شقيقة لتحسين صورة النظام المصرى الجديد داخل دوائرها. وتوجد حالتان فقط يمكن معهما قيام الرئيس السيسى بزيارة للعاصمة الأمريكية، أولاهما قيام الرئيس الأمريكى بتوجيه دعوة رسمية للسيسى ليقوم بزيارة للتعارف. ورغم تعامل أوباما مع واقع مصرى جديد، فإنه قد لا ينسى ضرب السيسى بكل نداءاته ومطالبه عرض الحائط، والتى كان منها ضرورة التوصل إلى عملية مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وعدم استعمال القوة لفض اعتصاماتها فى ميدانى «رابعة العدوية» و«نهضة مصر» (وهو ما أسقط مئات القتلى، بحسب إحصاء رسمى). من هنا، فإن هذه الحالة صعبة للغاية خلال المستقبل القريب. أما الحالة الأخيرة، والتى تبدو أكثر قابلية للتنفيذ، فتتمثل فى توجيه دعوة أمريكية للرئيس السيسى، لحضور القمة الأفريقية الأمريكية فى واشنطن خلال أغسطس المقبل. إلا أن هذه الزيارة تتوقف على مواقف أفريقية، وليست على مواقف أمريكية. ومن المعروف أن الرئيس الأمريكى سيجتمع يومى 5و6 أغسطس المقبل برؤساء وملوك الدول الأفريقية فى قمة هى الأولى من نوعها لتناول موضوعات التجارة والاستثمار والأمن فى أفريقيا. وحتى الآن لا تتضمن قائمة المدعوين لحضور هذا اللقاء مصر. وكان المتحدث باسم البيت الأبيض، جاى كارنى، صرح إبان توجيه الدعوات لهذه القمة، فى يناير الماضى، بأن «مصر ليست بين الدول المدعوة للمشاركة فى القمة الأفريقية الأمريكية؛ جراء تعليق عضوية القاهرة فى الاتحاد الأفريقى عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسى». ويمكن لواشنطن أن ترفع عن نفسها الحرج بدعوة السيسى وسط قائمة الرؤساء الأفارقة حال تغيير الاتحاد الأفريقى لموقفه مما جرى فى مصر. إلا أن هذا ليس مؤكدا بعد، وحتى اليوم ليس من المؤكد أن توجه دعوة للرئيس السيسى لحضور هذه القمة، جراء موقف الاتحاد الأفريقى، الذى لم يعترف بعد بفوز المشير السيسى بالرئاسة، باعتبار أنه من بين الذين «قاموا بتغييرات غير ديمقراطية» لنظام الحكم فى مصر، طبقا لمعايير الاتحاد. ومن المعروف أن الاتحاد الأفريقى شارك ب 45 مراقبا فى الانتخابات الرئاسية. وستعقد قمة الاتحاد الأفريقى المقبلة فى غينيا الاستوائية، فى وقت لاحق الشهر الجارى، ومن المرتقب أن تنظر فى استمرار أو إنهاء تجميد أنشطة مصر فى الاتحاد. مشكلات باقية فى ديسمبر الماضى، اعتبرت الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين، «جماعة إرهابية»، وطالب وزير الخارجية، نبيل فهمى، واشنطن، بعدم التواصل مع الجماعة، فجاء الرد الأمريكى حاسما، على الأقل حتى الآن، إذ قال مسئول بالخارجية إن الجماعة لا تشكل خطرا على واشنطن. لم تتأثر مبيعات السلاح الأمريكية لمصر بالإطاحة بنظام مبارك، ولم تتأثر بوقوع مصر تحت حكم عسكرى لمدة تزيد على عام ونصف، ولم تتأثر بوصول نظام حكم إسلامى للسلطة. وتعتقد القيادة الجديدة بمصر أن واشنطن تمتلك مفاتيح الباب الملكى للمجتمع الدولى والجهات الدولية المانحة، ومع الاعتراف بهذه الحقيقة، إلا أنه يمكن تحقيق استفادة أكبر من العلاقات مع واشنطن. علاقة خاصة مع مصر ورئيسها اليوم، تدرك الولاياتالمتحدة أنها تواجه مستقبلا مختلفا فى علاقاتها بمصر، إلا أن واشنطن لا تتخيل عدم وجود علاقات خاصة مع مصر ورئيسها. وفى ظل الوضع السياسى بمصر، الذى يتمتع بالضبابية، صارت سياسات واشنطن تتعلق بردود الأفعال وغياب المبادرة. وهكذا يتأكد ضعف التأثير الأمريكى فى الداخل المصرى من خلال اضطرار إدارة أوباما للتعامل مع الواقع المصرى الجديد بغض النظر عن هوية ساكن قصر الرئاسة، سواء كان اسمه مبارك أو مرسى أو السيسى. وإثر فوز السيسى بالانتخابات الرئاسية، علق البيت الأبيض قائلا إن «الولاياتالمتحدة تتطلع للعمل مع السيسى لدفع شراكتنا الاستراتيجية والمصالح العديدة بين البلدين». وهو تعليق يؤكد مجددا أن الأساس فى العلاقات بين البلدين هو التعاون الأمن، أما كل ما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، فما هو إلا لحفظ ماء الوجه وتوفير ديباجة أخلاقية للسياسة الخارجية الأمريكية. علاقات استراتيجية رغم الخلافات «نعترف بأن علاقتنا فى بلدان مثل مصر، ترتكز على مصالح الأمن من اتفاقية السلام مع إسرائيل، إلى تقاسم الجهود لمكافحة التطرف. لذا لم نقطع التعاون مع الحكومة الجديدة، ولكن يمكننا، وسنستمر فى الضغط لتحقيق الإصلاحات التى يطالب بها الشعب المصرى».. تلك كانت كلمات أوباما فى خطبته المهمة بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، فى كلية ويست بوينت العسكرية أواخر الشهر الماضى. وهى عبارات عبرت بلغة واضحة عن مركزية الحسابات الاستراتيجية فى رؤية واشنطن للشريك المصرى.