موعد تغيير التوقيت الصيفي في مصر 2024 رسميا.. قدم ساعتك 60 دقيقة    «التموين»: الاحتياطي الاستراتيجي من السلع يكفي لمدة 4 على الأقل    أسوق أسماك بورسعيد: الأسعار انخفضت 70%    مصطفى الفقي: فترة حكم الإخوان كانت ممكن أن تؤدي إلى كارثة في الصراع العربي الإسرائيلي    أمير هشام: إمام عاشور لم يتلقى عروض للرحيل ولا عروض ل "كهربا" و"الشناوي"    أرسنال يحسم ديربي لندن بخماسية في شباك تشيلسي بالدوري الإنجليزي    عاجل - تحذير من موجة حارة تضرب مصر خلال ساعات    الموت له احترام وهيبة..تامر أمين ينفعل بسبب أزمة جنازات الفنانين    موعد عيد شم النسيم 2024: توضيح الإفتاء وتأثيره على الاحتفالات    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    طريقة تحضير دونات محلات.. اطيب دونات هشه وخفيفه حضروها بالبيت    ضبط طن وربع رنجة غير صالحة للاستخدام الآدمي في الغربية    تعرف على طرق وكيفية التسجيل في كنترول الثانوية العامة 2024 بالكويت    ما أهمية بيت حانون وما دلالة استمرار عمليات جيش الاحتلال فيها؟.. فيديو    عاجل.. تشافي على بعد خطوة واحدة من تمديد عقده مع برشلونة    تفاصيل.. دياب يكشف عن مشاركته في السرب    مع اقتراب عيد تحرير سيناء.. أماكن لا تفوتك زيارتها في أرض الفيروز    وزيرة الثقافة ومحافظ شمال سيناء يشهدان احتفالية تحرير أرض الفيروز بقصر ثقافة العريش    نائب سفير ألمانيا بالقاهرة يؤكد اهتمام بلاده بدعم السياحة في أسوان    صلاح يفاجئ الجميع بطلب غير متوقع قبل الرحيل عن ليفربول.. هل يتحقق؟    منى أحمد تكتب: سيناء.. أرض التضحيات    كفر الشيخ الخامسة على مستوى الجمهورية في تقييم القوافل العلاجية ضمن حياة كريمة    أمين الفتوى: "اللى يزوغ من الشغل" لا بركة فى ماله    دعوة أربعين غريبًا مستجابة.. تعرف على حقيقة المقولة المنتشرة بين الناس    اتصالات النواب: تشكيل لجان مع المحليات لتحسين كفاءة الخدمات    "سياحة النواب" تصدر روشتة علاجية للقضاء على سماسرة الحج والعمرة    مدرب جيرونا يقترب من قيادة «عملاق إنجلترا»    جامعة المنوفية توقع بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للاعتماد والرقابة الصحية    عادات خاطئة في الموجة الحارة.. احذرها لتجنب مخاطرها    الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضيه    دياب يكشف عن شخصيته بفيلم السرب»    مقتل وإصابة 8 مواطنين في غارة إسرائيلية على منزل ببلدة حانين جنوب لبنان    «قضايا الدولة» تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الإدارية    «بروميتيون تاير إيجيبت» راعٍ جديد للنادي الأهلي لمدة ثلاث سنوات    يد – الزمالك يفوز على الأبيار الجزائري ويتأهل لنصف نهائي كأس الكؤوس    عمال سوريا: 25 شركة خرجت من سوق العمل بسبب الإرهاب والدمار    أبو عبيدة: الرد الإيراني على إسرائيل وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة    بائع خضار يقتل زميله بسبب الخلاف على مكان البيع في سوق شبين القناطر    إنفوجراف.. مراحل استرداد سيناء    «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا بمنطقة المهندسين في الجيزة    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    السياحة: زيادة أعداد السائحين الصينيين في 2023 بنسبة 254% مقارنة ب2022    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال التطوير بإدارات الديوان العام    مجلس الوزراء: الأحد والإثنين 5 و6 مايو إجازة رسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    غدا.. اجتماع مشترك بين نقابة الصحفيين والمهن التمثيلية    عضو ب«التحالف الوطني»: 167 قاطرة محملة بأكثر 2985 طن مساعدات لدعم الفلسطينيين    إحالة شخصين للجنايات بتهمة الشروع في قتل شاب وسرقة سيارته بالسلام    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    محافظ قنا يستقبل 14 مواطنا من ذوي الهمم لتسليمهم أطراف صناعية    عربية النواب: اكتشاف مقابر جماعية بغزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولى    رسميا .. 4 أيام إجازة للموظفين| تعرف عليها    منها الطماطم والفلفل.. تأثير درجات الحرارة على ارتفاع أسعار الخضروات    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    بدأ جولته بلقاء محافظ شمال سيناء.. وزير الرياضة: الدولة مهتمة بالاستثمار في الشباب    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان..نفحة جود وعطر وليالى ذكر
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 06 - 2014

ما أن تمر سيرته فى بالنا يحيينا، فكيف لو زارنا وحيّانا!.. تهل علينا رائحة رمضان نفحات نورانية عذبة تطيب بها النفس والروح معا. زاد من نور وايمان فى رحلتنا فرارا من خرائب الذاكرة وضيق الحياة. يا من له خير ذكرى، أيامك خير وبركة.. فيه تسجن الشياطين وبالهدى متنفس يشعل النار فى كهوف الروح المنطفئة.
لحنا روحانيا موطنه السماء.. طيف عابر يأتى حاملا معه عبق من التاريخ، من الوطن، من الموروث الثقافى الحضارى الجميل.. تتزين فى حضوره القاهرة بمآذنها الألف وقبابها المزخرفة وحواريها العتيقة.. تكتسى البيوت بالزينة الورقية والفوانيس والمصابيح الملونة.
تناوله العديد من الرحالة والمستشرقين فى كتاباتهم من فرط تأثرهم بلياليه الساهرة الساحرة. واحد من أهم هؤلاء المستشرقين هو البريطانى إدوارد ويليام لين، الذى لم يكتف بترجمة «إلف ليلة وليلة» إلى الانجليزية باعتبارها إحدى النفائس الشرقية التى يتطلع الغرب إلى أن يعرفها، بل نسج رمضان فى حنايا روحه، ومضى فى تسجيل ملاحظاته عنه فى كتاب «عادات المصريين المحدثين وعاداتهم».
بدءا من «ليلة الرؤية» التى تهفو فيها قلوب المصريين لتقر الأبصار برؤية هلال رمضان، رسم ادوارد لين بكلماته لوحة رائعة لهذه الليلة حيث يقضى نفر بضع ليال فى الصحراء لرؤية الهلال الجديد، موضحا أنه تكفى شهادة المسلم الواحد أنه رأى الهلال لإعلان الصيام. وفى مساء ذلك اليوم، يسير موكب المحتسب ومشايخ الحرف المتعددة: «الطحانين، والخبازين، والجزارين والقصابين، وباعة الفاكهة، وفرق من الموسيقيين، وعدد من الفقراء، وفرق من الجنود» يتقدمهم حاملو المشاعل لينيروا لهم الطريق من القلعة إلى مجلس القاضى. وما أن يصل خبر رؤية الهلال، يجول الموكب فى الأحياء المختلفة صائحين: «يا أمة خير الأنام.. صيام صيام».
وبمجرد أن يعلن عن بدء الصيام، الأرض تعلن زينتها، فتضاء المساجد هذه الليلة كما تضاء فى الليالى التالية. وتعلق المصابيح عند مداخل المساجد وفوق شرفات المآذن. بينما يقضى الناس شطرا كبيرا من الليل فى الأكل والشرب والتدخين. لم يغفل «لين» فى سرده لحكايات المحروسة احتواء البيوت له وهو الغريب.. وكيف أحاط به دفء الطيبين فى أم الدنيا مصر.

أنشودة فرح وسلام

الأرض التى سكنها إدوارد لين، صارت سفرا بين العباد والعادات. يجرفه نهر الفضول إلى شوارع القاهرة فى نهار رمضان لتبدو - وفقا له- كئيبة فى الصباح. معظم الحوانيت لا تفتح قبل صلاة العصر. بينما يحمل كثير من المارة مسبحة فى أيديهم، يقبل معظم التجار على تلاوة القرآن أو الأدعية، ومنهم من يقوم بتوزيع الخبز على الفقراء. وإن كان الأغنياء ينام أكثرهم معظم النهار، لكنهم يحرصون على إعداد موائد الإفطار للصائمين. عادة تتكون هذه الموائد من الفاكهة المجففة (نقلا) مثل البندق، والزبيب، والجوز واللوز، والبلح والتين المجفف.. ويوضع معها عدة «قلل» من الماء المحلى بالسكر.
نوع من أنواع السلام يغمرك حين يرفع أذان المغرب.. يدخل معه إلى الصدر اطمئنان تفتقده. وإذا بالصائم يتناول الشراب أولا، ثم يقيم الصلاة.. وبعد ذلك يتناولون النقل، ويدخن «البيبة».. وأخيرا يتناولون وجبة الفطور المؤلفة من اللحم وأطايب الطعام. لينطلق بعد ذلك إلى صلاة العشاء والتراويح. فى المحروسة، تظل الجوامع الكبيرة مفتوحة إلى السحور أو إلى الإمساك، بينما تغلق المساجد الصغيرة بعد صلاة التراويح مباشرة. يشير هنا المستشرق الإنجليزى إلى أنه جرت العادة بأن يقيم بعض علماء القاهرة ذكرا فى منازلهم كل ليلة من ليالى رمضان.
ينقلب الليل نهارا حيث تكثر المارة فى الشوارع.. وتظل دكاكين المشروبات والمأكولات مفتوحة حتى وقت السحور. فيما يقضى معظم المصريين أطيب الأوقات على المقاهي بصحبة الأصدقاء، يحتسون الشاى والقهوة ويستمعون إلى رواة السير والحكايات الشعبية، أو عزف الموسيقى من الموسيقيين الذين يترددون على المقاهى كل ليلة من ليالي رمضان. ربما تتشابه هذه الصور مع الواقع الذى نعيشه بهذا العصر، باستثناء أن الناس صارت تستمع إلى أداء المنشد أو القاص، ولا تستمع لمعنى ما يقول.. وبالنهاية يهللون حتى وإن ضاعت عليهم المعانى والعبرة.

المسحراتى

تتعدد مظاهر الفرح بهذا الشهر الكريم.. من بين ما استوقف إدوارد لين فى ليالى رمضان كان «المسحراتى» الذى يجول فى المدينة بطبلته فى ساعة متأخرة من الليل، صاحبا معه غلاما يحمل قنديلين فى اطار من الجريد. يتوقف «المسحراتى» عند أبواب بيوت المسلمين، ويضرب على الطبلة، منشدا: «عز من يقول لا إله إلا الله»، ثم يضرب على الطبلة بالنغمة نفسها، ويقول: «محمد الهادى رسول الله». ويستمر فى الضرب على الطبلة مسميا صاحب المنزل، قائلا: «أسعد لياليك يا فلان». وأحياناً ينشد من قصص المعجزات الدينية كقصة الإسراء والمعراج، وعادة يلتزم الصمت عندما يمر ببيت فى حالة حزن لوفاة عزيز.
ومن طريف مارواه إدوارد لين أن نساء الطبقة المتوسطة فى العصر العباسى كن يضعن قطعة نقود معدنية داخل ورقة صغيرة ملفوفة ويشعلن النار بطرفها ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتى حتى يرى مكانها، وما ان يأخذها إلا ويرتفع صوته بالدعاء لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة، وينشد لهن بعضاً من المدائح النبوية أو حكايات المعارك بين (الضرائر).. ولارتفاع صوته يصحو الجيران وأول سيدة تستيقظ تقوم بالنداء على جاراتها.
تتوالى الصور المضيئة كالرؤى.. ويطوى الفؤاد سكينة وسلام.. يا فرحا بعد الغياب بعائد قادم مثل الهواء النقى من قمم الجبال، مثقلا بذرات فرح وسلام وطمأنينة.. فى رياض الشهور هو أجمل الزهور.. فى الأفق هو نجم جديد أضاء.. أهلا رمضان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.