عندما كنت فى السابعة من عمرى وقبل دخول شهر رمضان بأيام سألت والدى رحمه الله لماذا نصوم؟ فقال لي: لكى تشعر بالفقير الذى يعانى الجوع فيزداد عطفك عليه، فسألته: لماذا يصوم الفقير؟ فسكت رحمه الله ولكن السؤال شغل بالى بصورة مؤرقة خاصة مع اقتراب دخول الشهر الكريم فى كل عام.. وسألت كثيرا من المتخصصين ولكن لم تشف إجاباتهم صدري، وحتى أن أحدهم أفتى بأنه لا مناقشة فى العبادات، وهى أكثر الاجابات منطقية ولكن ونحن نقترب من لقاء الله وجدت اجابة لعلها تريح أنفس كثيرين ولو عرفوا لكان للصيام طعم آخر. يخاطبنا الله عز وجل فى القرآن الكريم بأكثر من نداء فعندما يقول جلت قدرته «يا أيها الذين آمنوا» فاعلم أن بعدها أمرا أو نهيا، وإذا قال سبحانه «يا بنى آدم» فهو يذكرنا أننا أبناء نبي، وإذا قال تعالت أسماؤه «يا أيها الناس» فالأمر بالعبادة يكون صريحا، أما الحنان والعطف والحب والتسامح والمغفرة فلا تجدها إلا بعد مناداة رب العزة لعباده لا يفوز بهذا كله سوى عباد الله «نبئ عبادى أننى أنا الغفور الرحيم» «قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب» «إن عبادى ليس لك عليهم سلطان». من منا بعد أن يعرف ذلك لا يتمنى أن يكون من عباد الله.. أعود من حيث بدأت ولماذا نصوم؟ كثير من الآباء والأمهات يبنون تربية أولادهم على كلمة «عيب» وينسون كلمة «حرام» فالبعض يعتبر الخمر والسرقة والزنا عيبا إذا ارتكبه الابن ولكن العاقل هو من يربى الأبناء على أن هذه الأفعال تغضب الله وهى حرام. ومن هنا يجعل الله شهرا كل عام يحرم على المسلم فيه الحلال فالزنا حرام، والزوجة محرمة فى أثناء الصيام.. والخمر حرام والماء محرم فى أثناء الصيام.. وبهذا يصل بنا رب العزة الى العبودية الحقيقية التى لو أحسها الصائم لكان عبدا، وإذا ما وصل الى هذه المنزلة منزلة العبودية لله لم يخف من إنسان ولا يخشى مخلوقا فاز بحب وحنان وعطف وبعزة الله رب العالمين. ألم تلاحظ أن الآية التى يقول فيها الحق سبحانه «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب» جاءت وسط آيات الصيام.. إن الصيام مهما تكن شدته عطشا فى الصيف أو جوعا فى الشتاء فهو يشعرك بالعبودية لله وحده وهنيئا لعبد الله وصدقت يا ربى حين تقول «نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم». د. حسام أحمد موافى أستاذ طب الحالات الحرجة قصر العينى