كثرت فى العقود الأخيرة التنظيمات التى تدعى –كذباً وزوراً وبهتاناً- السعى لتطبيق الشريعة الإسلامية متخذة من العنف والقتل والإرهاب وسيلة لتحقيق مآربها، وما تنظيم "داعش" الذى بدأت المدن العراقية تسقط تحت سيطرته إلا حلقة فى سلسلة هذه التنظيمات التى تتصل حلقاتها بالخارجى أسامه بن لادن، وكلها تعتمد فى منهجها على أفكار أبى الأعلى المودودى وسيد قطب فيقولون بجاهلية المجتمع ورِدته، مما أدى إلى استباحتهم دماء المسلمين بزعم إقامة المجتمع المسلم والحكومة المسلمة. والحقيقة أنه لا يمكن أن تقام الشريعة الإسلامية بمثل هذه الطرق، ولن تقام أبدا بالقتل والترويع، بل إن السبيل واضح جلى يعرفه كل ذى بصيرة، فقد بيَّن الله سبحانه وتعالى فى آيات كثيرة كيفية التمكين والاستخلاف، ومنها قوله تعالي فى سورة النور: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدى –رحمه الله- فى تفسير هذه الآية: "هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يُمَكِّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم أمنا، فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح" (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان- صفحة 573 "بتصرف"). فالآية الكريمة تبين أن موعود الله تعالي هو: الاستخلاف والتمكين والأمن، أما المطلوب منا -لكى يتحقق هذا الوعد- هو الإيمان والعمل الصالح والعبادة وتوحيد الله وعدم الشرك به، فالمطلوب من المسلمين هو استيفاء الشروط التى ذكرتها الآية، أما الطرق –غير الشرعية- التى تنتهجها هذه الجماعات فهو يذكرنى بقول الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود لأصحاب الحِلَق الذين كانوا يذكرون الله على غير هدى رسول الله: "والذي نفسي بيده إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة" (سنن الدارمى)، فإن اتِّباع طرق غير شرعية والتدين لله تعالى بها هو ابتداع فى الدين لا يخرج عن القول السابق لابن مسعود رضى الله عنه، فهم –وغيرهم" إما على ملة هى أهدى من ملة محمد، وحاشا لله أن يكون ذلك، أو مفتتحو باب ضلالة، وهو الأمر الواضح للجميع. وبالعودة للآية الكريمة نسأل هؤلاء: لماذا انشغلتم بتحقيق موعود الله تعالى وتغاضيتم عن تنفيذ المطلوب منكم؟... وهل لجأتم إلى هذه الطرق التى لم تُعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام بعد أن قمتم بما كلفكم الله به فى الآية الكريمة واستكملتم الشروط ولم ينفذ الله وعده؟ (وحاشا لله أن نعتقد ذلك).. والسؤال الأخير: أيها الساعون –بزعمكم- لإقامة شرع الله فى أرضه.. لماذا لا تثقون فى وعد الله؟. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى