فى أول خطاب له عقب توقيع وثيقة تسليم السلطة فى 8 يونيو 2014، يفتح الرئيس عبد الفتاح السيسى باب الأمل أمام التعامل الجاد والحاسم مع تحديات الطاقة المتعددة فى مصر،التى أصبحت غالبية الشعب المصرى تعانى من «اشتعال» بعضها فى السنوات الأخيرة، بداية من انقطاع التيار الكهربائى لفترات طويلة، ومرورا بالوقوف لساعات أمام محطات البنزين ومستودعات أنابيب البوتاجاز وانتهاء بنقص السولار والمازوت اللازمين لتشغيل المصانع والورش والمخابز وغيرها من المؤشرات التى تعبر عن حجم الأزمة التى تواجهها البلاد. العمل التدريجى ومن أجل مواجهة هذه التحديات «المشتعلة»، والتى تنذر بإمكانية «إحراق» كل خطط التنمية المستقبلية فى المجالات الصناعية والزراعية و السياحية والتجارية والخدمية، فى حالة عدم توافر مصادر الطاقة المختلفة (من منتجات بترولية وغاز طبيعى وكهرباء)، ركز الرئيس السيسى فى خطابه على أولوية العمل التدريجى من أجل وقف تصدير المواد الخام التى يمكن معالجتها وتصنيعها لتعظيم العائد منها (مثل الغاز الطبيعى والبترول)، وتدوير المخلفات لتوليد الطاقة الحيوية، وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج كم هائل من الكهرباء الكافية للوفاء باحتياجاتنا المستقبلية. تحديات الطاقة رؤية الرئيس السيسى للتعامل مع أزمة النقص الهائل فى موارد الطاقة فى مصر تتوافق إلى حد كبير مع المخرجات التى كشفت عنها ورشة العمل التى نظمها برنامج دراسات الطاقة فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فى 21 مايو الماضى، حيث اتضح من هذه الورشة أن أهم التحديات التى تواجه مصر فى مجال الطاقة حاليا، هى: أولا: حدوث تراجع كبير فى معدلات انتاج النفط والغاز الطبيعى فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسى والأمنى الأمر الذى دفع بالعديد من الشركات الاجنبية العاملة فى هذا المجال إلى تعطيل أعمال التنقيب والحفر فى مناطق امتيازات بحرية وصحراوية مهمة، بل والخروج من مصر، خاصة مع تنامى مديونيات الهيئة المصرية العامة للبترول لها، حيث بلغ مجموع هذه المديونيات حوالى 6 مليارات دولار فى نهاية العام الماضى 2013. ثانيا: زيادة العجز بين انتاج واستهلاك الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، تقدر بما يتراوح بين 4 و5 آلاف ميجاوات، وهو ما يمثل ما بين 20 و25 فى المائة تقريبا من إجمالى قدرة محطات الكهرباء على الانتاج الفعلي، والتى تبلغ 24.6 ألف ميجاوات فى الوقت الراهن. ثالثا: وجود نقص فى الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء الحالية (غاز طبيعى ومازوت)، خاصة مع تأجيل إنشاء البنية التحتية الضرورية لاستيراد الغاز الطبيعى المسال من الخارج. رابعا: عدم توافر التمويل اللازم والاستثمارات المطلوبة لمشروعات قطاع الكهرباء المستقبلية، والتى بحاجة إلى توفير استثمارات تقدر ب3 مليارات دولار سنويا، للوصول بحجم الطاقة المولدة بحلول عام 2027 لنحو 57 ألف ميجاوات. خامسا: عدم وجود إطار تشريعى واضح يحدد طبيعة دور القطاع الخاص فى المشروعات الجديدة لتوليد الكهرباء، خاصة بعد تعثر إصدار مشروع قانون الكهرباء الجديد، نتيجة حل مجلس النواب، فضلا عن غياب القوانين الخاصة بترشيد استهلاك الطاقة فى الاستخدامات المختلفة، وخاصة فى القطاع الصناعي. الحلول المثلى وفى مواجهة هذه التحديات المهمة، يتضح أن هناك فجوة واسعة بين رؤى المتخصصين تجاه الأسلوب الأمثل فى التعامل مع التحديات «المشتعلة» للطاقة فى مصر، بدءا من الجدل حول أهمية الطاقة الشمسية مقارنة بالطاقة النووية، ومرورا بضرورة إعادة هيكلة الدعم، وكيفية توفير التمويل اللازم والأطر التشريعية والتنظيمية الملائمة لجذب القطاع الخاص للعمل فى قطاع الطاقة، وإخيرا ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية والصحية عند التفكير فى بدائل الطاقة المختلفة مثل الفحم والطاقة النووية. وهذه الفجوة الخطيرة تبرز ضرورة إجراء حوار مجتمعى حقيقى وواع داخل المجتمع المصرى حتى يتمكن الرئيس السيسى من حل أزمة الطاقة المتفاقمة. فالرئيس الجديد سيكون عليه أن يعمل على بناء توافق وطنى حول السياسات التى يجب تطبيقها فى مجال الطاقة، حتى يضمن فعالية التنفيذ والمشاركة الإيجابية لكل الفاعلين ذوى الصلة بمنظومة الطاقة فى مصر. مؤتمر قومى ومن هنا ينبغى على الرئيس السيسى أن يدعو، فى أقرب وقت ممكن، إلى مؤتمر قومى يضم كل الشركاء الرئيسيين فى هذا المجال (مثل خبراء الطاقة، ومسئولى الوزارات المعنية، وممثلى القطاع الخاص، والبنوك، ومنظمات المجتمع المدني، وشركاء مصر الدوليين)، من أجل وضع تصور متكامل واستراتيجية شاملة للطاقة بكل جوانبها، بما يأخذ فى الاعتبار: احتياجات الصناعة وخطط التنمية، والنمو السكاني، والتخفيف من الآثار البيئية السلبية لاستهلاك الطاقة، وزيادة مشاركة المصادر المتجددة فى توليفة الطاقة مما يساعد فى تأمين مواردها بأسعار مناسبة لكل المصريين فى جميع انحاء البلاد.ومن الضرورى أيضا أن يعمل الرئيس عبدالفتاح السيسى على ما يلى: أولا: توفير الأجواء الاستثمارية المناسبة لاجتذاب شركات النفط والغاز العالمية من أجل تكثيف عمليات استكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعى، ورفع كفاءة معامل التكرير، وتطوير البنية الأساسية لمنظومة البترول والغاز، بما فى ذلك إقامة موانئ لاستقبال واردات الغاز الطبيعى المسال، مع ما يتطلبه كل ذلك من إعطاء اعفاءات ضريبية ومزايا مالية اخرى. ثانيا: خلق بيئة جذابة فى أسرع وقت ممكن أمام رأس المال الخاص للعمل فى مشروعات توليد الكهرباء، وخاصة تلك التى تعتمد على الطاقة المتجددة، والاهتمام بتصنيع ونقل تكنولوجياتها إلى مصر. وفى المدى المتوسط، يجب العمل أيضا على توفير التمويل اللازم للانتهاء من محطات التوليد التى تحت الإنشاء وزيادة كفاءة شبكات النقل والتوزيع، ورفع الكفاءة الفنية للمحطات، والتوسع فى إستخدام نظام الدورة المركبة ووحدات التوليد الكبيرة، لتقليل الفاقد فى الشبكة القومية للكهرباء. وفى المدى الطويل، يجب توفير الاستثمارات الضرورية لزيادة القدرات من الطاقة بجميع انواعها التقليدية والنووية والحيوية والمائية. وعلى اعتبار أن الدولة قدوة لمواطنيها، فمن الضرورى العمل على رفع قيمة الاستثمار العام فى كافة المشروعات الجديدة للطاقة، على أن يتم تمويل هذه الاستثمارات من الوفر الذى سيتحقق من إعادة هيكلة دعم الطاقة. ثالثا: رعاية سلسلة من الاكتتابات العامة لبناء مشروعات خاصة أو تعاونية يملكها حملة الأسهم فى قطاعات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتدوير القمامة ومخلفات المحاصيل. رابعا: دعوة البنوك ومؤسسات الاستثمار المحلية والعالمية لإجراء تحول جوهرى فى سياساتها الحالية لتتجه نحو تمويل مشروعات الطاقة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والتعاونية، بدلا من التركيز الحالى لهذه المؤسسات على تمويل عجز الموازنة العامة للدولة. خامسا: اقتراح خطط طموح لتطوير التعاون الإقليمى فى مشروعات الطاقة لتحقيق مصلحة جميع الأطراف المشاركة، خاصة فيما يتعلق بربط خطوط الغاز أو الكهرباء، وذلك بالمشاركة مع دول حوض البحر المتوسط، ودول الخليج العربي، وحوض نهر النيل. سادسا: وضع فلسفة ومنظومة جديدة لدعم الطاقة، الذى وصل فى موازنة العام المالى الحالى إلى 130 مليار جنيه، بما يمثل 20 فى المائة من الإنفاق العام. سابعا: وضع وتنفيذ برامج صارمة لترشيد الطاقة ورفع كفاءتها، وحث وسائل الإعلام المختلفة ودور العبادة ومؤسسات التعليم على توعية المواطنين بضرورة ذلك، سواء فى الاستخدامات المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو الخدمية أو الحكومية. وفى الختام، يبقى التأكيد على أن مواجهة تحديات الطاقة بنجاح ليست مسئولية الرئيس الجديد وحسب وإنما هى مسئولية مشتركة بين جميع المصريين، بل وشركائهم فى الخارج.