يبدو للوهلة الأولي أن أي حديث عن صناعة الكتاب في مصر هو درب من الرفاهية تحت وطأة الأحداث الملتهبة التي تشهدها البلاد, تلك الأحداث التي ألقت بظلها علي قطاعات عريضة من المصريين, لكن يبقي الكتاب رمزا للأمل والحياة علاوة علي كونه جزءا رئيسيا من حضارة بني الإنسان علي مر العصور, وإذا كان مستقبل الكتاب يكمن في حقيقة الأمر بين أيدي القارئ فإن هذا لا يعني بالضرورة غض الطرف عن تأثير دور النشر وعلاقتها بالواقع الذي يعيشه الكتاب المصري منذ عقود. إلا أن المتابع لصناعة الكتاب في مصر يلحظ بشكل واضح بعض المؤشرات التي تفيد بحجم القطيعة الهائلة التي طرأت في العلاقة بين الكتاب وقارئه والتي تنذر بأزمة حقيقية فيما بينهما, فهنالك فاصل بين القراءة وشراء الكتب والذي أدي في كثير من الأحيان إلي أن يصبح الكتاب ديكورا منزليا, الأمر الذي ساهم في ضيق محيط القراءة, إضافة إلي سطوة وسائل المعرفة الأخري كالإنترنت والفضائيات وغيرها علي حساب الكتاب الورقي والذي أصبح( الخاسر الأكبر) كنتيجة طبيعية لما سبق. علي الجانب الآخر تقف دور النشر كطرف أصيل في معادلة صناعة الكتاب, وهي الأخري لديها الكثير مما تقوله في هذا الشأن من قبيل الشكوي جراء انكماش السوقين المحلية والعربية وتراجع حركتها أخيرا, وانعدام الدعم الرسمي عوضا عن الاتهامات التي طالتها بزعم تحويلها الكتاب إلي سلعة ومادة استهلاكية من خلال الانحياز إلي نشر الكتب السطحية ذات العناوين التي لا تصمد في المكتبات لتظل حبيسة أقبية المخازن والمستودعات, نظرا لرداءتها وفقر موضوعاتها, فقد لجأت بعض دور النشر المصرية إلي إصدار بيانات واحصاءات تخضع لرغباتها وفق أهداف تسويقية ما أدي في النهاية إلي خلق ظاهرة( القارئ الوقتي) الذي يظهر وقت حاجة دار النشر له. ليس هناك كتاب دون قارئ وليست هناك حركة نشر أصلا بلا قراءة, فالنشر والقراءة وجهان لعملة الكتاب الواحدة,.