كلما قارن أحدنا الكتاب العربي بالكتاب الأجنبي وجد تلك المسافة الشاسعة التي تفصل الكتابين وقد تحدثنا أكثر من مرة عن تفاوت النشر بين الكتاب العربي والكتاب الأجنبي من حيث العدد ومن حيث الموضوع، ووضعنا اللوم على الكاتب العربي الذي يذهب في تأليفه إلى مواضيع سهلة ومطروقة بكثرة. ولكننا لم نقل آنذاك أن الناشر العربي يلعب دوراً أكثر خطورة في هذه المسألة لأنه ينشر كتباً تلقى رواجاً تجارياً وليس رواجاً معرفياً، وعليه فإن الكاتب العربي يترك مؤلفه الجديد والمتميز حبيس الأدراج في ظل طغيان النشر السهل لمؤلفات قديمة تحقق ربحاً للناشر. وإذا كان علينا أن نفرق بين الكتابة العربية والمنشورات العربية فإن المسافة كبيرة بين الاثنين، لأننا ببساطة أمة تضع القراءة في ختام اهتماماتها وبالتالي لا يجد الكاتب كصاحب حرفة مكاناً له في هذه الأمة كي يعتاش من كتابته كما يفعل الكتاب في الغرب، فيركن إلى الصمت أو إلى اللامبالاة . وبالتالي تبقى الساحة مفتوحة لكتابة سريعة أو غير مجدية خاصة عندما يتم تناول قضايا تمس جوهر الأمة والوطن فتكثر كتب سياحية على شاكلة كل شيء عن ...، أو الواضح المبين في حرب تشرين، أو السلام شالوم أو شالوم السلام ... الخ. تلك الكتب تتحول ذات يوم إلى مصدر لمعلومات جيلية لاحقة، لأنها تدخل التصنيف المكتبي، ويقرأها الدارسون فيعرفون من خلالها بعض الحقائق.. ولكنها حقائق ناقصة. نعتقد أن كل هذه الكتب السياحية ذات صبغة استعراضية فيها حقائق مختونة أو مشوهة لأن من وضعها كان هدفه الربح ومن نشرها كان هدفه الثراء ومن قرأها كان هدفه التسلية، وبالتالي دفع المجتمع برمته ثمن هذه النوعية من الكتب دفع جهداً ضائعاً ومالاً مهدوراً وجيلاً شائهاً. وإذا كنا نطالب بالتفريق بين الكتابة العربية وبين النشر العربي فلأننا نعرف مواقع الخلل وندرك لماذا تتكدس كتب على الأرفف بطبعاتها العشرين والثلاثين ثم تنفد بسرعة البرق في المعارض ونعرف لماذا يقبل الناس على شرائها. ولكننا ونقولها بصدق لا نعرف لماذا يقبل الناشرون على طباعتها، وإذا كان لابد من جواب فالجواب هو الربح المادي فقط لا غير. تجربة الكاتب العربي مع الناشر العربي طويلة تستحق وقفات أكثر، وليس هذا مكانها ولكننا نجد لزاماً علينا أن نسرد بعض الحقيقة حول تفوق الكتاب الأجنبي على الكتاب العربي، وهانحن وضعنا يدنا على جرح ينزف في هذه المسألة وأشرنا إلى جهة الناشر، ولكننا لا نجانب الصواب إذا قلنا أن العملية يقودها المؤلف.. ويمثل فيها القارئ دور البطل