قامت الدنيا ولم تقعد فور الإعلان عن مشروع قانون لفرض ضرائب على أرباح التعامل فى البورصة المصرية. انطلقت الولولات عن الأثر السلبى لهذه الضريبة وكيف ستؤدى إلى هروب المستثمرين وعزوف رؤوس الأموال عن التدفق إلى مصر. جولة جديدة من معركة تتكرر عند كل محاولة لفرض ضريبة على أرباح المتعاملين فى البورصة. فقد حاولت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية المحققة من التعامل فى سوق الأوراق المالية، وفى كل محاولة كان يتم التراجع سواء بفعل ضغوط شركات الأوراق المالية والمتعاملين فى البورصة، أو العجز عن تمرير تشريع فى هذا الشأن فى المجالس النيابية. فكلنا يذكر كيف قام مجلس الشورى إبان حكم الإخوان بإلغاء الضريبة المقترحة على التوزيعات النقدية وعمليات الاستحواز والاندماج فى البورصة من قانون الضريبة على الدخل الصادر فى عام 2013. ولا يمكن أن يختلف اثنان على أنه طالما كان هناك نظام للضرائب على الدخول فإن هذا النظام يجب أن يشمل كل المواطنين وكل المؤسسات. كل موظف فى هذا البلد يدفع ضريبة تقتطع من المنبع قبل أن يتسلم راتبه. صحيح أن المهنيين من محامين ومحاسبين وأطباء وفنانين يبدعون فى إخفاء دخولهم الحقيقية وأن حصيلة مايدفعونه تمثل أقل من 10% مما يدفعه العمال والموظفون، ولكن على الأقل تعلن الحكومة دائما عن سعيها الجاد لرفع كفاءة التحصيل ومواجهة حالات التهرب من تلك الفئات. صحيح أيضا أن الضريبة على دخل الملكية العقارية مازالت بالغة التواضع إلا أنها على الأقل موجودة. أما سعداء الحظ الذين يحصلون على دخول وأرباح من التعامل فى البورصة وعائدات ما يملكونه من أسهم فهم لا يخضعون حتى الآن لأية ضرائب على الإطلاق. هل يعقل أن يدفع الموظف الذى يتقاضى راتبا شهريا يزيد مليما واحدا عن ألف جنيه فى الشهر ضرائب بنسبة 10% بينما لا يتحمل حائزو الأسهم وأصحاب الشركات أية ضرائب على الأرباح الموزعة عليهم ، حتى ولو بلغت تلك الأرباح مئات الآلاف أو حتى ملايين الجنيهات، فى ظل نظام يعفى توزيعات الأسهم من الضريبة بما فى ذلك أسهم حصص التأسيس، أى حصص ملكية الشركات؟ هل يعقل أن يتم تحقيق أرباح رأسمالية بالملايين وأحيانا بالمليارات من إعادة بيع أسهم شركات الخصخصة وخروج تلك الملايين والمليارات من مصر دون أن يدفع المستثمر الأجنبى مليما واحدا ضرائب للخزانة المصرية، ثم يدفع تلك الضرائب لدولته الأم ؟ أنا هنا لا أتحدث عن حالات أو أمثلة افتراضية، بل عن واقع لا يزال ماثلا للأّذهان. فكلنا يذكر كيف خرج الشريك الفرنسى بكامل أرباحه التى حققها من بيع حصته فى بنك الأهلى سوسييتيه جنرال دون أن يدفع مليما واحدا ضرائب عن الأرباح الضخمة التى حققها من استثماراته فى مصر, وكيف تكرر نفس الموقف عند بيع الشريك الفرنسى حصته فى بنك بى إن بى باريبا. فى المرتين خرجت الخزانة المصرية صفر اليدين بسبب اتفاقية الازدواج الضريبى الموقعة مع فرنسا. إذن القول بأنه يجب ألا نفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية المحققة فى البورصة حتى لا يهرب المستثمرون هو قول عار تماما من الصحة لأن المستثمر الأجنبى سيدفع فى كل الأحوال، والخزانة المصرية والشعب المصرى أولى بتلك الأموال. يكفى أن نذكر أنه طبقا لقانون الامتثال الأمريكى «فاتكا» سيدفع المصريون مزدوجو الجنسية ضرائب للخزانة الأمريكية عن أية دخول يحققونها من التعامل فى البورصة، وغيرها من المجالات، فى مصر وفى أى بلد فى العالم. الصوت العالى للمضاربين وشركات الأوراق المالية جعل الحكومة تتواضع فى «طلباتها» فصار أقصى ما تطمح إليه هو فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية وعائد توزيعات الأسهم بنسبة 10% ، وبحيث لا تتجاوز الضريبة على عائد التوزيعات لأصحاب الشركات 5%. بل وحتى بالنسبة للأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع الأوراق المالية فإنها لن تفرض على أرباح كل عملية على حدة ، بل على صافى أرباح مجمل العمليات التى تمت على ما يملكه المستثمر من أوراق مالية، لتأخذ فى الاعتبار أنه قد يحقق مكاسب فى إحدى العمليات، ثم لا قدر الله خسائر فى عملية أخري. والأكثر من ذلك أنه فى كل الأحوال لن تفرض تلك الضرائب إلا على صافى الدخول التى تزيد على 15 ألف جنيه، أى أن الإعفاء الممنوح للمتعاملين فى البورصة أكبر من الإعفاء الممنوح لأى موظف فى مصر لا يملك إلا مرتبه الشهري. رغم كل هذه التنازلات من جانب الحكومة ما زالت الولولة مستمرة بشأن المستثمرين الذين سنخسرهم. عن أى استثمارات يتحدثون؟ ما هى بالتحديد المصانع أو خطوط الانتاج الجديدة التى مولتها البورصة وأضافتها للاقتصاد المصرى حتى الآن؟ الكل يعلم أن الدور الوحيد الذى لعبته البورصة هو توفير الآلية اللازمة لخصخصة الشركات وبيع الأصول الإنتاجية المصرية للاحتكارات الخاصة الأجنبية والمحلية. أما تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية التى يلوحون بانحسارها فقد كانت أول من هرب بعد قيام الثورة واستنزفت فى عام واحد ثلث احتياطيات مصر من النقد الاجنبي. نريد استثمارت حقيقية تضيف أصولا انتاجية وتفتح فرص عمل وتوفر إنتاجا للاستهلاك المحلى والتصدير وتعترف بحق الدولة فى الضرائب. أما استثمارات «اخطف واجري» فالأفضل ألا تأتى أصلا. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى