(يا سيادة الرئيس أوصيك بهذا الشعب خيرًا، أعانك الله على مسئولية قيادته), بهذه العبارة الطيبة سلم رئيس مصر المؤقت السيد المستشار عدلي منصور إلى الرئيس المصري المنتخب السيد عبد الفتاح السيسي, قيادة مصر, هكذا قال رئيس للرئيس. قابلت هذا الرجل مرة واحدة, كان ذلك في الاحتفال بتسليم لجنة الخمسين النسخة النهائية للدستور, وبعد خطبته, عرفنا أنه ينتظر أعضاء اللجنة جميعًا لأخذ صورة تذكارية معه, صافحته, ولاحظ أعضاء اللجنة حرارة سلامه على الجميع, وبعد الصورة والمصافحة تحاور في دقائق قليلة معنا, تاركًا انطباعًا أتذكر تفصيلاته إلى الآن, هذا هو عدلي منصور, إحدى القامات القانونية والدستورية في مصر, الذي قام بدوره في فترة انتقالية عصيبة امتدت إلى عام كامل على خير وجه, فضلاً عن كونه واحدًا ممن أعاد إلى منصب رئيس جمهورية مصر العربية جزءًا من مهابته ومكانته المستحقتين. ألقى الرئيس المؤقت عدلي منصور خطاب وداعٍ متوازنًا, لا يخلو من تأثر, خصوصًا وهو يتكلم عن خبرته الشخصية مع أهالي شهداء مصر الأبرار, وقد بُثَّ الخطاب على الهواء يوم الأربعاء الماضي, وأثر في وجدان المصريين وحمل في الوقت نفسه- تشريحًا للحالة السياسية, وتشخيصًا لأهم مشكلات الرئاسة القادمة, فضلاً عن رؤيةٍ جاءت مرتبطة بحسه السياسي, على مستويات ثلاثة الأول هو مستوى المواطن, وقد أشار في خطابه إلى ضرورة أن (يتقي الرئيس القادم الله في شعبه), وأوصاه بالاهتمام بقوة تاريخية مصرية جديدة وفاعلة, ظهرت على الساحة السياسية المصرية وهي المرأة, كما أوصاه (بالعدل واحترام حقوق الانسان), وهذا ما لن يتحقق دون سرعة إنفاذ مواد الدستور, وإشراك كلّ من له مصلحة من نقابات ومنظمات مجتمع مدني في وضع هذه القوانين, والمستوى الثاني الذي تضمّنه الخطاب هو ما يرتبط بأجهزة الدولة, مؤكدًا أهمية (أن يحسن الرئيس القادم اختيار معاونيه), ومحذرًا من (جماعات المصالح), فقوى النظام السياسي السابق, لن تتوانى لحظة عن العمل من أجل استعادة أماكنها, أو نفوذها القديم, بعد أن فقدته بمدّين عظيمين للثورة المصرية, وستحاول هذه القوى ذات الجذور العميقة في مؤسسات الدولة كلها الرجوع إلى سدة المشهد السياسي ثانية, حتى لو أقامت هياكل عبادة جديدة! فهي لن تتردد لحظة في خلق أوثان بديلة لتلك التي حطمها الشعب, ولن تتأخر عن تكريس القهر, بكل ما تمتلكه من نفوذ أو عصبيات أو أموال. بل إننى لا أعدو الحق لو قلت إنه سيتم امتصاص أي أفكار جديدة من قبل الجهاز الإداري القديم فى الدولة لدعم مواقع الحرس القديم وسلوكياته, وتفريغ أي رؤية جديدة من مضمونها, من أجل هذا لا ينبغي أن تُسَلَّم مقدرات الشعب إلى مشاريع إنقاذ سياسية تقوم عليها قيادات استهلكت في أروقة أنظمة سابقة, أو أحزاب كانت الوجه الآخر لنظام فاسد. أما المستوى الثالث في خطاب منصور فهو الوطن, وأهم ما جاء فيه هو إشارته إلى أهمية (تنمية المناطق المحرومة) في أي سياسات تنموية قادمة, ذلك لأن الانحياز إلى جموع المصريين, ممن يعانون الفقر والفقر المدقع, ويمثلون طبقات المجتمع الأكثر احتياجا وعوزًا, هو الوسيلة المثلى والمباشرة التى تربط بين الرئيس والغالبية التصويتية القادرة على حسم أى معركة سياسية قادمة لمصلحته, وأرى أنه لا أهمية في ظل الأوضاع السياسية القائمة للاستعانة بأي ظهير حزبي للرئيس, ذلك بعد أن تدنت قوة الأحزاب في الشارع السياسي المصري إلى مستوى فادح, بل إن عددًا كبيرًا منها كان وجهًا آخر للنظام, فنافست هذه الأحزاب الدولة في أجهزتها, بل أُلْحَقّت بها, ولم تشكّل في تاريخها القريب أي نقيض للنظام البائد, بقدر ما شكلت تضامنًا معه حينًا, والتحامًا به في معظم الأحيان!. الآن, تحتاج الدولة, أكثر من أي وقت مضى, إلى ظهيرين آخرين هما الظهير النقابي, والظهير الأكاديمي, لما لهما من أهمية كبيرة في الفترة المقبلة, وقبل كل ذلك يجب المحافظة على الظهير الشعبي, الذي دعم السيد عبد الفتاح السيسي, وأيده, بإجمالي عدد أصوات بلغ (23) مليونًا, و(780) ألف صوت تقريبًا, لقد وقف المواطن المصري بعامة, والمرأة المصرية بخاصة, إلى جانب مرشحه في موقف لا يتكرر كثيرًا في حياة الشعوب, أما المحافظة على استمرار هذا الدعم الشعبي فسيرتبط مباشرة بانحيازات البرنامج الرئاسي القادمة إلى الطبقات الكادحة والمحرومة التي تنتظر الرئيس الجديد بفارغ الصبر, بعد أن تحملت أعباء مدّين لثورة مصرية عظيمة ما زالت في المخاض! وسيقوم الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي بتأدية اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا غدًا، في حضور رئيس جمهورية سابق! وهذا مظهر نادر في تاريخ الديمقراطيات العربية. ويحظى السيسي بعد أداء اليمين بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية لفترة أربع سنوات, تنتهي في عام 2018, وهي فترة قابلة للتكرار مرة واحدة, وفق الدستور الجديد للدولة. ربما كان من المهم أن نشير إلى قيمتين مهمتين في وعي السيد عبد الفتاح السيسي, جاءتا في أكثر من لقاء وخطاب, ومنها خطابه -بعد استقالته من وزارة الدفاع- القيمة الأولى أوضحها قوله إن (اعتزامي الترشح لا يصح ولا يجوز أن يحجب حق غيري في الترشح (...) وكلنا أبناء مصر), وهذه قيمة شديدة الاحترام تؤكد حق التنافس, وتدعم تداول السلطة وانتقالها بالطريق الديمقراطي, أما القيمة الثانية فهي اعتماده على الشعب, وفق ما قرره في أكثر من لقاء بقوله إن معه ما يغير به الواقع (أنا لا أقَدّم المعجزات، بل أقدّم العمل الشاق, والجهد, وإنكار الذات بلا حدود، واعلموا أنه إذا ما أتيح لي شرف القيادة، فإننى أعدكم بأننا نستطيع معا، شعبًا وقيادة، أن نحقق لمصر الاستقرار والأمان والأمل، بإذن الله). قيمة أخرى تؤكد أهمية العمل الجماعي, وإمكانية تحقيق الأهداف عير التلاحم بين قيادة وشعبها. وهذا عين ما أكده خطابه أيضًا الذي ألقاه بعد فوزه بانتخابات الرئاسة على منافسه, ونقتبس منه العبارة التي شكر فيها المرشح المنافس قائلاً (أتوجه بتحية خاصة إلى السيد حمدين صباحى - المرشح الرئاسى- الذى وفّر فرصة جادة لتحقيق المنافسة الانتخابية), وقد هنَّأه السيد حمدين أيضًا خلال اتصال هاتفي مساء يوم الثلاثاء الماضي, وتمنى له التوفيق والسداد خلال الفترة المقبلة, داعيًا الله أن يوفقه لما فيه الخير لمصر ولشعبها, لقد كان حمدين منافسًا وطنيًّا, ومناضلاً شريفًا, رفض الانصياع لفورة غضب حملته الانتخابية, بعد مدّ الانتخابات ليوم ثالث, وقرر الاستمرار في المنافسة, مؤثرًا مصلحة الوطن على أية مصلحة أخرى, قائلاً (كنا ندرك المخاطر التي تحيط بالوطن داخليًّا وخارجيًّا، التي تهدد مستقبل الديمقراطية والحريّات في مصر, وبناء علي تلك التحديات كان قرارنا), (إن مسئوليتي وواجبي يدفعانني إلى أن أطرح عليكم ضرورة استكمال ما بدأناه), هذه صورة جديدة لمصر, قدّمها رؤساء ثلاثة, مؤقت وقائم ومحتمل, تبعث أملاً جديدًا, ورؤية جادة ومحترمة, تتحلى بالمسئولية, وتعلو فوق أية حسابات, وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى