وزير الإسكان يوجه بسرعة إنجاز مشروعات المياه والصرف في الغربية ودمياط    «انتصاران وحسابات أخرى».. حالة وحيدة تؤهل النصر للمشاركة في دوري أبطال آسيا «2»    بعثة بيراميدز تصل مطار القاهرة استعدادا للسفر لجنوب أفريقيا لملاقاة صن داونز    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر جنائية في تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة بالدقهلية وقنا    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    ال"FDA" تقصر لقاحات الكورونا على كبار السن فى الولايات المتحدة    جامعة قناة السويس تعلن انضمامها لعضوية اللجان المتخصصة بجامعة شبكة البريكس    أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج    عصمت داوستاشى رحلة فى نهر الفن والعطاء    أمير المصرى: أنا تلميذ «سيلفستر ستالون»    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    «التضامن» تقر تعديل وقيد 6 جمعيات فى 4 محافظات    البيدوفيليا؟!    وكيل الصحة بالإسماعيلية تتفقد وحدة رعاية الطفل بالتل الكبير (صور)    طريقة عمل الكيكة الإسفنجية في البيت، النتيجة مبهرة    مشاركة مجتمعية    حملات مكثفة لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    خارجية أستراليا: نشعر بالأسف إزاء التقارير بشأن المخاطر على الرضع فى غزة    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025 فى البنوك الرئيسية    صحيفة عكاظ: نيوم قدم عرضا بقيمة 5 ملايين دولار لضم إمام عاشور    ضبط 11 مخالفة تموينية وصحية في حملة مفاجئة بطنطا    مصرع وإصابة 39 شخصا في هجوم استهدف حافلة مدرسية جنوب غربي باكستان    10.3 مليار جنيه دعم «الإسكان الاجتماعي» منذ بداية المشروع.. «البريد» يوضح موقفه من كراسات «سكن لكل المصريين»    أسعار الأسماك اليوم الأربعاء 21 مايو في سوق العبور للجملة    اليوم موسم الحصاد.. تعرف على مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي والمدينة الصناعية    38 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم    أمريكا وتركيا تؤكدان التزامهما بوحدة سوريا وتعزيز الشراكة الثنائية    الصحة الفلسطينية: استشهاد 23 مواطنا بقصف إسرائيلى فى غزة    "جيو تيان" تبدأ تجاربها 2025.. الصين تطلق أول حاملة طائرات مسيرة فى العالم    موسم امتحانات الثانوية.. انطلاق اختبارات أولى وثانية إلكترونيا وورقيا    مصرع 3 أطفال غرقًا فى حادثين منفصلين بترع مركز المراغة سوهاج    بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يختار تصميما لدرع القبة الذهبية    بكين تحذر من عواقب الإجراءات الأمريكية ضد الرقائق الصينية    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    اليوم.. أولى جلسات طعن المخرج عمر زهران على حكم حبسه    حظك اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    هبوط كبير تجاوز 800 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 21-5-2025    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    أسطورة ليفربول: مرموش يمكنه أن يصبح محمد صلاح جديد    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    عاجل.. روجيرو ميكالي: أرحب بتدريب الزمالك ولكن    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة فى النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة
لماذا اكتسح السيسى وخسر صباحى؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 05 - 2014

طبقاً للنتائج الأولية غير الرسمية التى تم حصرها عقب فرز وتجميع ما أعلنته اللجان العامة للانتخابات الرئاسية لأصوات الناخبين فقد حقق المشير عبد الفتاح السيسى فوزاً كاسحاً بحصوله تقريباً على 93% من جملة أصوات المصريين الذين ذهبوا إلى صناديق الإقتراع، بينما حصل منافسه السيد حمدين صباحى على نحو 3%، ومثلت الأصوات الباطلة ما نسبته 4%.
وبقدر ما مثلت هذه النتائج صدمة واضحة لمؤيدى صباحي، فإنها قد عكست الواقع المصرى وتوجهات المصريين منه فى هذه اللحظة التاريخية التى تمر بها الدولة المصرية. ولعل ذلك ما يفسر الفرحة العارمة فى الشارع حتى ما قبل إكتمال الإعلان الكامل لهذه النتائج الأولية غير الرسمية، فالملاحظ أنه منذ اليوم الثانى للتصويت والذى تم مده ليوم ثالث والشارع المصرى تسوده إحتفالات من قطاعات جماهيرية كبيرة فى مختلف المحافظات وميادين مصر، إيذاناً بثقة القطاع الأعظم من المصريين فى أن هذه النتائج ستأتى لإعلان تفوق المرشح الذى حرصوا على مطالبته بالترشح وضغطوا عليه كثيراً لقبول ذلك، وهو الأمر الذى غفله الجميع.
وإذا كانت النتائج غير الرسمية تشير إلى مشاركة 48.8% من جملة المصريين الذين لهم حق التصويت فى هذه الانتخابات ، فالجدير بالذكر أن هذه النسبة من مشاركة المصريين قد تحققت دون وجود مجموعة عوامل فى غاية الأهمية؛ الأول يتعلق بغياب إستخدام المال السياسى فى الانتخابات بشقيه المادى (أموال) والعينى (الهدايا والزيت والسكر والأرز والسمن). والثانى يتعلق بإنتفاء استخدام أدوات ممنهجة فى التزوير لصالح أى من المرشحين (كإستخدام الورقة الدوارة أو الناخب الدوار). وثالث هذه العوامل يتعلق بعدم وجود دور لظهير سياسى رسمى منظم (حزب سياسي) يلقى بثقله ويعمل آلياته الدعائية والبشرية خلف أحد المرشحين. رابع هذه العوامل يتعلق بالحيادية التامة التى أدت بها مؤسسات الدولة دورها فى العملية الإنتخابية، فوسائل الإعلام القومية الرسمية التابعة للدولة من صحف وإذاعة وتليفزيون كان لديها حرص واضح منذ اللحظة الأولى لدوران عجلة الانتخابات على الإلتزام بالحيادية التامة بين المرشحين، والمؤسسات الأمنية كانت حريصة على أن يكون همها الأول تأمين وتوفير الأجواء التى تسمح للمواطن أن يدلى بصوته وهو يتمتع بكل وسائل الأمن، والمؤسسة القضائية قدمت نموذجاً متكاملاً من التضحية والنزاهة فى الإشراف على كل أبعاد العملية الإنتخابية وحاولت أن تحمى بكل الطرق القانونية هذه الانتخابات من أن تشوبها أية إحتمالات للتشكيك فى نتيجتها أو الطعن عليها.
هذا الدور لمؤسسات الدولة عكسته تقارير المنظمات الدولية والقارية والإقليمية والعربية والمحلية التى تولت متابعة العملية الإنتخابية، والتى وصلت بأحد هذه الجهات فى التقديم لإعلانها المبدئى عن متابعة أعمال وأجواء الانتخابات إلى حد تهنئة الشعب المصرى والدولة المصرية نصاً على »إنضمامهم اليوم لمنظومة الدول الديمقراطية العالمية«، هذا الدور وهذه الحيادية لمؤسسات الدولة هى ما دفعت كل التقارير الأولية للمنظمات المتابعة للعملية الإنتخابية إلى الإقرار بنزاهة وحيادية الأجواء التى جرت فيها الانتخابات ، وإلى الإقرار بأن عدد التجاوزات التى قد تكون قد حدثت هنا أو هناك لا يمكن أن تشكك فى مجمل النتيجة، بل وأن النتيجة جاءت عاكسة لما شهدته هذه المنظمات من واقع حقيقى لتوجهات الشارع المصرى ولحجم المشاركة الذى تم رصده من قبلها.

الصدمة، ولماذا خسر صباحى؟

الصدمة وعدم القدرة على تقبل الإكتساح، هى التعبير الحقيقى والدقيق لما شعر به المؤيدون لحمدين صباحي، بل وقد تكون هى الحالة نفسها التى شعر بها صباحى وأكده بنفسه فى المؤتمر الذى عقده تعليقاً على هذه النتائج الأولية غير الرسمية عندما أشار إلى إقراره بالخسارة، وفى الوقت نفسه شكك فى نزاهة العملية الإنتخابية وفى حياد مؤسسات الدولة بل وفى النتائج المعلنة.
طريقة الخطاب التى تحدث بها حمدين صباحى فى هذا المؤتمر، والصورة التى كان حريصاً أن يظهر بها وحوله مناصروه، وما أورده فى حديثه من وقائع وأحداث تدعم وجهة نظره فى التشكيك فى نزاهة العملية الإنتخابية والأرقام المعلنة لنتائجها الأولية، تلخص بصورة دقيقة العوامل التى كانت الطريق إلى هذه الخسارة.
1 الخطاب الثوري. على ما يبدو فإن حمدين صباحى لم يتمكن من القراءة الجيدة لما يدور فى الشارع، ويبدو أنه بنى حساباته على أنه يخوض جولة الإعادة فى إنتخابات الرئاسة 2012، وليس على أساس أنه يخوض إنتخابات الرئاسة 2014. فأسلوب ومفردات خطاب حمدين صباحى عبر كل مراحل العملية الإنتخابية منذ أجبره الشباب على التبكير بإعلان خوضه للانتخابات فى 8 فبراير الماضى وحتى المؤتمر الأخير، تدل على إنفصال واضح عن قراءة الشارع قراءة صحيحة، وتدل من جهة أخرى على الإصرار على رؤية الأحداث من زاوية واحدة وعدم الرغبة فى الإنتقال والتفاعل مع واحد من أهم المتغيرات التى حدثت فى المسار السياسى المصرى ألا وهو الخروج الشعبى الكاسح فى 30 يونيو وعلى مدار ثلاثة أيام متوالية، الخروج الذى حمل فى طياته أن لاعبين سياسيين جدد قد قدموا إلى الساحة. نظر خطاب صباحى وحملته إلى هذا الخروج بإعتباره مداً أو موجة ثورية جديدة لثورة 25 يناير، ولم يرغب أن يضع فى حساباته أن هذا الخروج أياً كان عدده هو أكبر من الخروج الذى حدث فى 25 يناير، ولم يكن هناك مجالاً له أو لحملته أن يتقبلوا باحتمالية وجود تمايزاً جديداً وخروجاً منفصلاً لقطاعات من المجتمع المصرى صنفت دائماً على أنها «حزب الكنبة». ليس بالضرورة أن يكون المنتمون ل «حزب الكنبة» من المؤيدين كلهم لنظام مبارك، وليس بالضرورة أن يكون معظمهم من المؤيدين لشفيق، وليس بالضرورة أن يكونوا فى مجملهم من الداعمين للقوات المسلحة، ولكن المؤكد أنهم جميعاً من الرافضين أن تختطف جماعة إرهابية حكم مصر، والمؤكد أيضاً أنهم جميعاً قد ملوا من تكرار الحديث عن «الثورة مستمرة« وأن المظاهرات والنضال الثورى ينبغى أن يكونا مستمرين حتى يتحقق حكم الثورة. لم يتلاقى خطاب حمدين صباحى الثورى مع مطالب 30 يونيو ولم يقدرها حق التقدير، فرغم الحرص الواضح فى خطابه على التلميح ل 30 يونيو إلا أنه لم يتمكن من التواصل مع القاعدة الشعبية لها. تلك القاعدة التى كانت ترغب أن تكون 30 يونيو حداً فاصلاً مع نظام الجماعة الإرهابية، وأيضاً حداً فاصلاً مع مظاهرات وتفاعلات فوضوية قادت البلاد لعدم الإستقرار، وقوضت الكثير من معاملات الأمن والأمان،بما إنعكس على الأوضاع الاقتصادية وبما هدد الأمن الاقتصادى القومي. الخطاب الثورى صباحى الذى ارتكز على محاور أربعة رئيسية «عيش حرية عدالة إجتماعية عدالة إنتقالية» لم يذهب به بعيداً عن البيئة السياسية للأجواء الإنتخابية لعام 2012، ولم يصل بها لمحطة إنتخابات 2014، جمهور الناخبين فى 2012 كان مختلفاً كثيراً عن جمهور الناخبين فى 2014، وحتى الطريقة التى تم بها تقديم المرشح حمدين صباحى يومين قبل فتح باب الدعاية الإنتخابية والمفردات التى استخدمت من قبل بعض المتحدثين الرسميين ومهاجمة مؤسسات الدولة والإصرار على وصف الجيش الوطنى المصرى بالعسكر والمجلس العسكرى تغافلاً عن أنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ساهما بقوة فى تذكير المصريين بأجواء 2012، ولم تراعى ولم تدرك أن للقوات المسلحة ودورها الوطنى تقديراً خاصاً فى قلوب المصريين شاء من شاء وآبى من آبي. لم يكن حمدين صباحى مسئولاً مباشرة عن هذه التصريحات وهو الحريص على الإشادة بالقوات المسلحة والذى يراه مجيداً فى ضوء دورها المحدد فى أجندته فى كونها تؤمن ولا تحكم، ولكن هذه التصريحات والتلميحات صادرة عن أشخاص محسوبين، وصورته وهو يبتسم بينما يطالب أحد المتحدثين بمحاكمة العسكر كما يحاكم الإخوان، لم تعب عن ذهن المصريين. لم يكن المصريون بحاجة إلى خطاب ثوري، لم يكن المصريون بحاجة إلى التلميح بأن الثورة مستمرة، كان المصريون بحاجة إلى خطاب يعيد لهم الإتزان النفسي، كان المصريون بحاجة لخطاب يطمئنهم على المستقبل وإلى عودة الإستقرار وإختفاء مظاهرات لصقت فى الذهن المصرى بالفوضى والتخريب، كان المصريون بحاجة لخطاب يحترم دولة القانون ويؤكد أن الجمهورية الجديدة ستشهد العدالة القانونية جنباً إلى جنب مع العدالة الاجتماعية وليس العدالة الانتقالية القصاصية.
2 الشباب و«واحد مننا». الخطأ التكتيكى الرئيسى لحملة حمدين صباحي. فرفع شعار »واحد مننا« فى البيئة السياسية الإنتخابية لعام 2012، والخطاب الثورى السابق الإشارة إليه، خلقا زخماً هائلاً مكن حمدين صباحى أن يحل ثالثاً فى إنتخابات 2012. ولم يكن من المتصور أن يتم الإحتفاظ بهذا الشعار فى إنتخابات 2014، وهو ما يؤكد إستمرار النظرة الإحتكارية لرؤية المجتمع من قبل السيد صباحى وحملته. هذا بالإضافة إلى الآنا الشديدة التى باتت تقف خلف رافعى هذا الشعار، والتى جعلتهم فى إنفصال عن توجهات المجتمع المحيط بهم، وجعلتهم يبنون حساباتهم على أنهم قادة تغيير عجلة التاريخ وأنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم دون غيرهم. هذه التصورات أدت إلى مجموعة من الأخطاء التكتيكية فى رسم أداء الحملة وفى تقديراتها. فمنذ البداية، لم يترك الشباب الثورى الفرصة لحمدين صباحى ومستشاريه الفرصة لتحديد الموعد المناسب لإعلان ترشحه، وضغط الشباب بقوة على حمدين لإعلان ترشحه فى توقيت مبكر جداً أفقده الكثير من الزخم الذى كان يمكن أن يصاحب إعلان ترشحه فى توقيت مناسب، يمكنه من أن تكون رسالته محددة وأن تصل فى التوقيت الصحيح لجمهور الناخبين. فالثابت أنه ومنذ هذا الإعلان فقد تم استهلاك صباحى فى لقاءات تليفزيونية هو وحملته، وكانت استجابتهم التى راعى وراعوا فيها بعد المد الشبابى الثورى تخصم منهم ولا تضيف إليهم. وقد إندفع حمدين صباحى إلى إتخاذ مواقف من قانون تنظيم التظاهر، ومن محاكمة بعض الشباب المحالين إلى المحاكمة لإخلالهم بالقانون والنظام العام، وإلى الحديث عن سجناء الرأي. مواقف صباحى بقدر ما كان يحاول أن يصيغها فى عبارات لا تحمل إساءات مباشرة لأحد رغم معارضتها لقانون تنظيم التظاهر ورفضه لمحاكمة الشباب ومطالبته بالإفراج عن من سماهم سجناء الرأي، إلا أن المتحدثين بإسم حملته وهم كثر قد حملت تعليقاتهم إساءات مباشرة لجميع مؤسسات الدولة، بل وإلى التعريض بالمرشح المنافس وتوجيه إتهامات مباشرة وغير مباشرة له، ومحاولة تقديمه فى صورة المسؤول عن حكم البلاد منذ 30 يونيو وأن وجوده يعنى العودة لحكم العسكر وإنتكاسة فى حلم التغيير والديمقراطى الذى يحملون لواءه فقط هم الشباب والذى لن يتحقق إلا بوصول واحد منهم (حمدين صباحي) إلى سدة الحكم. هذا الحرق الإعلامى المبكر لتوجهات صباحى وحملته إستجابة لضغوط الشباب الثورى تصاعدت وتيرته حتى تلخصت فى مؤتمره الأخير للتعليق على هذه النتائج الأولية، والتى وجه فيها إتهامات لمؤسسات الدولة بالإنحياز للمرشح المنافس، وأكد فيها على وجود خروقات واضحة لنزاهة العملية الإنتخابية، وشكك فى الأرقام المعلنة، وأعلن عن نيته تأسيس تيار سياسى جديد استعداداً للانتخابات القادمة. بغض النظر عن عدم القدرة على قراءة الشارع، فالمؤكد أن جمهور الناخبين لم يستسغ كثيراً فكرة أن لا يقدم أحد المرشحين نفسه فى صورة من لا يحترم قوانين الدولة، ومن يقبل على الدفاع عن الشباب حتى لو كانوا مخالفين لقوانينها، ومن يعتبر أن من ينتهكون حرمة الدولة ويعملون على هدمها من خلال عملهم بقناة لا تملك ترخيصاً بالعمل على الأراضى المصرية هم من سجناء الرأي. الخسارة الأعظم قد تأتى من التصريحات فى المؤتمر الأخير، والتى لا ترغب فى إحترام ما ذكرته وأكدت عليه تقارير جميع المنظمات المتابعة للانتخابات . خلف كل هذا الحماس الشبابى الثورى الذى قاد حمدين صباحى وحملته إلى تصريحات أدت إلى فرق شاسع بين ما يطرحه وما يرغب المواطن فى الإستماع إليه أو يتصوره فى رئيسه، يأتى دور العامل الرئيسى فى ذلك، ألا وهو خطأ التقدير الحسابى للكتلة التصويتية من الشباب. فقد بنى شباب حملة حمدين صباحى حساباتهم بناء على رؤيتهم الذاتية لأنفسهم وحتمية أن تتطابق هذه الرؤية مع رؤية كل القطاعات العمرية للشباب المصري، ومن هنا كانت الكارثة. فقد بنى حمدين صباحى رؤيته وحساباته على أساس أنه يملك 60% من الكتلة التصويتية وفقاً لما صرح به أكثر من مرة رسمياً، وهو خطأ حسابى قاد به إلى هذه النتيجة. فأن يتوجه 48.8% وفقاً للتقديرات الأولية للمشاركة وأن تكون النتيجة وفقاً لما آل إليه تصويت المصريين فى الخارج والداخل، فإن الحسابات الخاطئة لحمدين صباحى لكتلة الشباب هى ما قادته لذلك. فالمؤكد أن الشباب المصرى لا يمكن الحديث عنه فى مجمله أو على أنه كتلة واحدة، فمن حيث النوع مثلاُ ينقسم الشباب تقريباً إلى 50% ذكور و50% إناث، ووفقاً للمشاهدة وتحليل الخطاب كأحد عناصر التحليل فإن للمرأة المصرية ميولاً قد لا تتفق والرؤية التى قدمها حمدين وحملته، ومن حيث باقى التقسيمات السكانية فلا يمكن لأحد أن يتحدث عن تمازج عام لشباب مصرى ينتمى لطبقات اجتماعية واقتصادية وتعليمية ومهنية تجاه مرشح معين، وعن حتمية أن يتحدث أو يختار هذا الشباب نفس الخيار الذى أجمعت عليه الكتلة من الشباب المحيطة بالسيد حمدين. وعلى ما يبدو أن حمدين لم يتفهم العوامل التى دفعت كتلاً تصويتية رئيسية كانت تقف معه إلى الإنصراف من حوله، لم يتفهم أن هذا التقسيم الجيلى قد أضر به هو شخصياً، ودفع الكثير من الرموز الثقافية والسياسية والإعلامية والفنية والرياضية إلى أن تكون عناصر مضافة لمنافسه وأن تخصم منه، لم يتفهم أن المجتمع المصرى كان بحاجة لمن يخاطب المجتمع ككل وليس من يخاطب قطاعاً من المجتمع على حساب باقى المجتمع، لم يتفهم أن خطابه كان ينبغى أن يركز عليه بإعتباره واحداً من المصريين وهو كذلك بالفعل ولكن سؤ أداء حملته جعل المصريون يتصورون أن المعنى أنه واحد من هؤلاء الشباب وليس واحداً من كل المصريين. على شباب حملة حمدين أن يعوا هذا الدرس ويتأكدوا أن صورة المؤتمر الأخير قد أضرت ولم تفد، وعليهم أن يعتبروا أنفسهم جزءاً مكملاً فى المجتمع المصرى وأن لا يتصوروا أنهم كل المجتمع الذين يملكون الحقيقة دون غيرهم.

السيسى، ولماذا الإكتساح؟

إكتساح السيسى، نتيجة لم يتوقعها أكثر المؤيدين له، مؤشرات عكستها نتائج تصويت المصريين فى الخارج، تلقاها وتلقتها حملته بفخر وإعزاز عكستها الكلمة التى وجهتها الحملة للمصريين فى الخارج، ليس على نتيجة التصويت ولكن على مستوى المشاركة. لم تصدر عنه أو عن حملته تصريحات تهليلية تعظم من خيارات المصريين ولكنه الشكر على حرص هذا العدد من المصريين على المشاركة وتقرير مصيرهم، فهى المشاركة الحقيقية للمصريين فى الخارج دون تصويت بالبريد أو البريد الآلكترونى ودون حشد منظم للتصويت، من هنا كان الشكر، ومن هنا كان الفارق.
حملة غير تقليدية لعبد الفتاح السيسي، تضم مجموعة محددة ومحدودة من الخبراء والإستشاريين لم نشاهدهم وغير معروفين، ولكنهم إلتزموا بآلية الإنضباط والإلتزام القانوني. حملة حرصت فى بيان لها يوم الخميس الماضى أن لا تستبق الإعلان الرسمى للنتائج، وعبرت عن تقديرها لخروج المصريين للتصويت وحرصهم على إختيار مستقبلهم، ووجهت الشكر للمرشح المنافس وحملته، كما حرصت على شكر جميع مؤسسات الدولة. بيان عكس منهجية إدارة الحملة منذ أعلن مرشحها عن خوضه الانتخابات ، إلتزام قانونى وإجرائى وإحترام للمنافس وحملته وتقدير للمجتمع ككل بتقسيماته المختلفة، بيان يحمل أسس مختلفة قادت لنتيجة غير متوقعة.
عبد الفتاح السيسى لم يكن يختلق وهو يتحدث عن حملة غير تقليدية، فقد فات الجميع أنه لم يندفع للترشح، ولكنه ترشح بعد ضغوط شعبية ترجمتها النتائج الأولية المعلنة. ترشح السيسى وهو يتخلى عن منصب وزير الدفاع المؤمن وفقاً للدستور لثمان سنوات قادمة، وارتضى أن يستجيب لمطالب شعبه وأن يتولى المسئولية الخطيرة والحساسة والتى يمكن أن تكون معرضة للمعارضة والمهاجمة بل والمراجعة فى أول استحقاق رئاسى وأيضاً المساءلة أمام البرلمان القادم الذى يعطيه الدستور المصرى حقوق رقابية كثيرة على الرئيس تصل إلى عزله. فات الجميع إدراك أن الصورة الذهنية للسيسى كانت بالفعل العامل الحاسم فى المطالب الشعبية بترشحه وفى الإكتساح الذى حققه.
إذا كانت الصورة الذهنية للسيسى تعد العامل الرئيسى لدفعه للترشح وفى الإكتساح الذى حققه فهى لم تأت من فراغ، فالتاريخ القريب أسرع فى الإستدعاء لذاكرة جماهير الناخبين من التاريخ البعيد، والتاريخ القريب للسيسى يستدعى للذاكرة دوره فى الإستجابة للمطالب الشعبية بإنقاذهم وإنقاذ مصر مما كانت تخطط له هذه الجماعة الإرهابية وأعوانها، فكم خرج الشعب كثيراُ قبل 30 يونيو ولم تتمكن التيارات السياسية المدنية من تحقيق مطالب الشعب، بل ذهب بعضها للبحث عن تواجد ومواءمات لضمان التواجد السياسى فى ظل نظام الجماعة الإرهابية. ذاكرة الشعب تذكر كيف أحسن السيسى تنظيم إدارة المرحلة الإنتقالية، وكيف أنه لم ينتزع الحكم الذى كان يمكن أن يفعله بسهولة -، وكيف أنه وضع مع القاعدة الكبيرة من الجماعة الوطنية المصرية خارطة مصر المستقبل، وأن هذه الجماعة الوطنية المصرية سلمت الحكم للمستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية آنذاك، وأن هذه الجماعة الوطنية التزمت بالخارطة وأنجزت خطوتها الأولى بنجاح كامل. ذاكرة الشعب القريبة تذكر أن السيسى حتى لو بحكم موقعه قد حمى الدولة وأنقذ مؤسساتها من الإنهيار، وأنه قاد وباقى الأجهزة الأمنية الحرب على جماعة إرهابية وأتباعها.
بقدر ما كانت الصورة الذهنية الحاسمة والتى دفعت حملات شعبية عديدة لكى تتشكل وتكون هى الأساس فى حملة السيسى غير التقليدية هى العامل الرئيسى فى هذا الإكتساح، إلا أن الإستفادة بأخطاء المرشح المنافس وحملته كان لها دور كبير. فبداية، تمكن السيسى من أن يفرض شخصيته ونظامه المنضبط على حملته، فلم نرى خروجاً على المواعيد القانونية المحددة من قبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. ومن جهة أخرى، لم نرى خروجاً أو تطاولاً على المرشح المنافس أو حملته. وفى تمايز واضح عن منافسه ومن تحدثوا بإسم حملته، جاء الخطاب الخاص بالسيسى وأبرز من تحدث من حملته الرسمية وهو محمد أبوشقة تميز بالثبات الإنفعالى والهدؤ فى طرح الرؤى مع ميل واضح للحديث عن المستقبل، وإحترام لثورتين أنجزهما الشعب المصرى وليس الشباب المصري، إحترام لمؤسسات الدولة كلها وتقدير خاص للجيش المصرى ورفض حاسم لإطلاق مصطلح العسكر عليه، حديث موجه لكل شباب مصر دون تقسيم ودون احتكار، إهتمام بالمرأة كجزء من المجتمع المصرى الأكبر.
خطاب مختلف موجه لكل الشعب المصري، خطاب يدرك حدود مسئوليات الرئيس وفقاً للدستور الجديد يطرح رؤى يطالب فيها الجميع أن يعملوا على تحقيقها، إدراك لوضعه الوظيفى فى الدولة المصرية ودوره فى تنظيم إدارة مؤسسات الدولة، ومطالبة للأحزاب السياسية بالإندماج والتكتل وفقاً لتوجهاتها استعداداً للانتخابات القادمة من أجل مجلس نواب وحكومة تتشكل منه من أجل تنفيذ الرؤى التى يطرحها كرئيس للبلاد. إحترام القانون منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه وحتى اللحظة الأخيرة، أضفى قدراً كبيراً من المصداقية على ما طرحه خطاب السيسي. ما سبق لا يعنى أنه لم تكن هناك أخطاء، ولكن ما تم حدوثه من أخطاء لم يؤثر كثيراً من حظوظ السيسى التى أقرتها النتائج الأولية، ولكن تفاديها كان يمكن أن يؤدى إلى مشاركة أكبر ممن لهم حق التصويت.

المبطلون، لماذا؟

مع اقتراب عدد من أبطلوا أصواتهم من المليون مصوت بنسبة تقريبية 4%، فينبغى أن نتوقف لنفهم لماذا؟ المؤكد وفقاً لحوارات مع العديد من الذين أبطلوا أصواتهم أنهم لم يجدوا أنفسهم مع هذا المرشح أو ذاك، ومن ثم فهم بالطبع ليسوا من المؤيدين لحمدين صباحى وإلا لكانوا قد صوتوا له، وهم بالأساس من رافضى عبد الفتاح السيسي. وفقاً للتقديرات الحقيقية لتيار الإسلام السياسي، فهذه تقريباً هى الكتلة التصويتية لهم دون إضافة قدرتهم على التزوير بالمال السياسى أو التصويت عبر المتاجرة بالدين، والمتصور أن النسبة الأكبر من هذا المليون من المصريين تنتمى لهم، هذا بالإضافة لما سجله المتابعون من الإختيار الخاطيء لنسبة ما من المصريين الذين أساءوا الإختيار نتيجة الجهل بالطريقة الصحيحة لإختيار مرشحهم، وتتبقى نسبة من المتعاطفين والذين لا ينتمون بصورة مباشرة لتيار الإسلام السياسى وهم المنخدعون بتيار الإسلام السياسى وما نجح فى توصيله لهم من إدعاءات جديدة بالمظلومية والقهر.
أياً ما كان، تجاوزت مصر أصعب مراحل خريطة المستقبل، ستعلن اللجنة العليا لانتخابات الرئاسية فى غضون ساعات إسم المرشح الفائز، وهو وفقاً للنتائج الأولية عبد الفتاح السيسي، الرجل الذى دفعته المطالب الشعبية بالترشح، واستجاب لها فأعطته ثقتها الكاملة. عبد الفتاح السيسى رئيس مصر القادم فى إختبار جديد لتحقيق طموحات شعبه، ينبغى عليه أن يعى أن هذا الإكتساح لا يعنى التفويض الكامل بقدر ما يعكس الثقة غير المحدودة فى العبور بمصر لمرحلة جديدة، وبالتالى فهو مطالب بسلسلة سريعة من الإجراءات والقرارات التى تدعم هذه الثقة والأفعال التى تترجم الصورة التى رسمها المواطن المصرى وعقله الجمعى عنه وعبر عنهما فى الجمعية العمومية للشعب المصر. وفى المقابل، الشكر والتقدير للسيد حمدين صباحي، على ما قدمه من حرص على الإستمرار فى العملية الإنتخابية وعدم التورط فى القرار الثورى الشبابى بالإنسحاب منها، عليه فى مرحلته النضالية المقبلة أن يستفيد من أخطاء رئيسية قادت به لهذه النتيجة.
ولنعمل جميعاً كمصريين فى صفوف المعارضة الوطنية أو فى صفوف الإرادة الشعبية الحاكمة لكى تحيا مصر، وستحيا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.