حينما وضع المصريون ورقة انتخاب رئيسهم الجديد فى صناديق الإقتراع وضعوا معها أمانيهم ومظالمهم من عهود مضت لم يجدوا خلالها آذانا صاغية للأنين والشكوى التى طالما أثقلت كاهلهم. ولعل الغريب فى الأمر هو الحرص على التغنى بهذه النغمة من الرئاسات والحكومات السابقة تحت مسمى صندوق أو إدارة لتلقى شكاوى المواطنين لتضاف فى واقع الحال إلى ترسانة الهيئات العاطلة ليلجأ المواطن فى نهاية المطاف إلى المولى عز وجل بالدعاء شاكيا إليه قلة حيلته وضعفه وهوانه .. فلتنصت إليهم أنت أيها الرئيس الجديد ولتكن مظالمهم والاستجابة لها هى برنامجك , فهى نبضهم الحقيقى الذى يجب أن تتواصل معه مستعينا بسماعة الطبيب التى لا تخطئ طريقها إلى الداء والدواء.. "أخطر عيوب الأنظمة السابقة هى عدم التواصل مع الشعب" جملة جاءت على لسان المرشح الرئاسى المشير عبد الفتاح السيسى.."من جانبنا نتابع نشأة ديوان المظالم منذ بدايته فى عهد الرسول عليه السلام مرورا بالعصور المختلفة وصولا إلى الإدارة التى أنشأها المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء مؤخرا وتعرفنا أيضا على كيفية التعامل مع مظالم المواطنين والمشكلات التى تعرقل خط سيرها.. الشكاوى «كعب داير» تحقيق : نيرمين قطب فى رحلة البحث عن حق ضائع، أو رجاء طال انتظاره، أو مطلب مشروع…يتوه المواطن المصرى سواء كان موظفا حكوميا أو مواطنا تعود على أن يلف " كعب داير" ليحل معضلة، أو يُنصف فى مظلمة، وبالرغم من تعدد جهات تقديم الشكاوى التى قد يلجأ إليها المواطن المصرى إلا انه وفى كثير من الأحيان لا يحصل على ردود شافية أو حلول قاطعة دورة حياة الشكوى فى مصر تبدأ وتنتهى عند المشكو فى حقه.. هكذا تقول "س.م" موظفة بدرجة مدير عام بوزارة الشئون الإجتماعية والتى تقدمت مؤخرا بعدد من الشكاوى ووقائع الفساد -التى هى محل تحقيق الآن- وللأسف فقد التزمت س.م بشرط الزمها به المسئولون عن تلقى الشكوى و هو ضرورة وضع الإسم ورقم البطاقة الشخصية، فلم تمانع ظنا منها أن هذه البيانات سرية ولكنها فوجئت برئيسها فى العمل - أحد المشكو فى حقهم- يعنفها ويؤكد أنه سوف "يكسر أنفها" لانها تشكوه وتؤكد أن الغريب فى الأمر أن الشكوى التى تقدم ضده تعود اليه مرة اخرى ليس للرد أو التحقيق ولكن لينكل بالشاكين وأصر هذا المدير أن ينقل س.م إلى درجة أقل فى العمل وبالمخالفة للقانون وذلك "لتأديبها" كما قال لها. وتقول: نصحنى الكثيرون بضرورة تقديم الشكوى فى أكثر من جهة لتنال الإهتمام المطلوب فتقدمت بها لوزارة التضامن ومحافظة القاهرة ولنائب المحافظ فكان مصيرها إما الحفظ وإما الضياع وكذلك تقدمت بها للخط الخاص بالشكوى والذى أعلن عنه المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء فلم يصلها رد بشأنها منذ أكثر من شهر! أما على شعبان موظف فى إحدى الوزارات فيرى أن الموظف الحكومى الذى يرغب فى كشف أى فساد أو حتى يلفت نظر رؤسائه إلى أى سلبيات فى العمل يوضع فورا فى خانة " المشاغب" أو "صانع المشاكل" الذى لابد من وقفه عند حده أو تهديده وعقابه دون وجه حق وهو ما حدث معه عندما بدأ فى رصد سلبيات الجهة التى يعمل بها ولم يتخطى رؤسائه فى العمل وقدم لهم شكواه ولكنهم لم يعيروها اهتماما فتقدم بها إلى قيادات فى الوزارة وهو ما لم يرض رؤساءه فبدأ التعنت والتضييق عليه وتهديده بالنقل دون أى سبب !!. المهندس عمر محمود له قصة أخرى مع " الكعب الداير" الذى يعانيه المواطن عندما يشكو الى الحكومة فقد اضطرته ظروف عمله للإنتقال إلى محافظة البحر الأحمر وأغلق شقته بالقاهرة لمدة ثمانية اشهر وعند عودته فوجئ بوجود فواتير للمياه والكهرباء بمبالغ كبيرة بالرغم من عدم وجود أحد بالمنزل ودون تسجيل قراءة للعداد وعندما توجه إلى شركتى المياه و الكهرباء وبعد معاناه مع الموظفين للحصول على إجابات أو رد على شكواه، كان ردهم أنه لابد من قطع المياه والكهرباء عن الشقة والغاء عداد المياه ويقول:" تقدمت بشكوى فى شركتى المياه و الكهرباء وبالطبع لم ادفع هذه الفواتير و أنا فى انتظار ردهم" ويتساءل: هل يعقل أن أقوم بإلغاء كل العدادات فى المنزل لغيابى عنه عدة اشهر ثم أعاود الكرة مرة أخرى و أستمر فى "اللف" على الشركات لأعيدها عند عودتى اليه؟ من ناحية أخري، كان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء قد اعلن فى تصريحات صحفية بدء تشغيل "بوابة الشكاوى الحكومية" لضمان توصيل شكاوى المواطنين إلى الحكومة ولتوصيلها الى اكثر من 101جهة حيث اشارإلى 5 طرق لتوصيل شكاوى المواطنين للحكومة، منها الخط الساخن 16528 بمجلس الوزراء بالقرية الذكية وذلك من الساعة العاشرة صباحا إلى العاشرة مساءً، أو الطريقة الثانية وهى الحضور شخصيا «للأمانة العامة بمجلس الوزراء» وتسجيل الشكوى، بالاضافة الى موقع على شبكة الإنترنت«shakwa.eg» يتم من خلاله تسجيل شكوى المواطن، واوضح أن مراكز المعلومات ومراكز خدمة المواطنين موجودة بكل الوزارات والمحافظات المركزية مشكلة البت فى الشكوى ليس محل اجتهاد فالقانون ينص على كيفية معالجتها واتخاذ قرار بشآنها.. هكذا يوضح الدكتور حسين رمزى كاظم رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الأسبق ويؤكد أن أى مخالفة من الموظف العام تستدعى تحقيق السلطة المختصة داخل الوحدة الادارية، فالقيادة العليا فى أى مؤسسة مثل الوزير فى وزارته والمحافظ فى محافظته ورئيس مجلس الادارة فى أى هيئة عامة، يكون لها سلطات محددة وفقاً لقانون العاملين فى الدولة، فلها الحق فى توقيع الجزاء عند الإنتهاء من التحقيق، أما إذا كنت المخالفات أكبر فتحول للنيابة الإدارية أو الرقابة الادارية .. ولكن وجود هذا القانون لا يمنع من وجود ديوان مظالم، وإن كان تطبيقه فى مقر واحد فقط على مستوى الدولة سوف يجعل الأمر صعبا فقد يصل اليه ألاف الشكاوى يومياً، ممايصعب معه البت فيها، خاصة انه لابد من توافر معلومات وافية لاتخاذ القرار.. اما مزايا وجود جهاز للشكوى فأهمها الحيادية فى فحصها خاصة إذا وضعت له ضوابط محددة وتوافر عدد من المختصين مثل موظفين للشكاوى الادارية واخرين للقضايا القانونية فسوف يتحقق النجاح المطلوب فى سرعة الفصل فى شكاوى المواطنين اما الشكوى التى لها طابع يحتاج سلطة اعلى، فيقترح أن يتم تجميعها وتقديمها لهذه السلطات وإن كان ذلك يحتاج تمويل واتخاذ قرارت جادة وتنسيق كبير بين أجهزة الدولة المختلفة. وطبقا للقانون فداخل كل مصلحة توجد ادارة للشكاوى تقوم ببحثها وتقترح الحل وتعرض على السلطة المختصة لتوقيع الجزاء ولكن الاهم بالقطع هو الجدية فى التحقق والحل وكذلك الصدق و الموضوعية فى تقديم الشكوى حيث تقدم للجهة معلومات كافية لتسهل على القائمين على التحقيق اكتشاف المشكلة . تنظيم حق الشكوى اما الدكتور ماهر الصواف أستاذ الإدارة العامة بأكاديمية السادات، فأوضح أن الحق فى الشكوى أقرته قوانين العمل فى جميع الدول، فالأجهزة الحكومية تتخذ العديد من القرارات التي تمس من قريب أو بعيد حقوق الأفراد، كما قد يصدر من العاملين بهذه الأجهزة أثناء تعاملها مع طالبى الخدمة بعض التصرفات التى تشكل تعديا على الكرامة الإنسانية أو تعد إيذاء بدنى ومعنويا، وعلى ذلك تقنن التشريعات فى جميع الدول حق الأفراد فى الشكوى وقد نص دستور جمهورية مصر العربية 2014 فى المادة 85 منه على أن لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه.. وللأسف فهناك سوء استغلال لهذا الحق حيث ترد آلاف الشكاوى مجهولة المصدر ودون توقيع مقدميها او تحديد عناوينهم وغالبا ما تكون البيانات الواردة بها غير كافية، وكثيرا ما يكون مضمونها غير محدد أو تتضمن بيانات غير حقيقية، بل قد يحتوى بعضها على عبارات تعد تعريضاً بالقيادات الإدارية والمسئولين بالمواقع الحكومية المختلفة. وأمام عدم وضوح مضمون العديد من الشكاوى وعدم دقة ما تشير إليه من بيانات فقد تلجأ الأجهزة الرقابية أو القيادات العليا التى تتلقاها إلى ارسالها إلى الجهة الإدارية التى يتضرر منها مقدموها لفحصها وإرسال تقرير بنتيجة الفحص .. وفى محاولة لتنظيم هذا الحق صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 70 لسنة 1981 بشأن تنظيم مكاتب خدمة المواطنين وأصدر الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة عددا من القواعد التنظيمية لأسلوب تلقى الشكاوى ومن الطبيعى أن تتضمن هذه القواعد عددا من الضوابط كما يوضح د. الصواف أهمها أن تتضمن الشكوى اسم الشاكى وعنوانه، وتحديد موضوعها وأسبابها والمستندات المؤيدة لها، وعلى الشاكى عند تقديم شكواه تسليمها إلى مكتب خدمة المواطنين بالجهة إما باليد مع حصوله على إيصال يفيد ذلك وإما بالبريد بخطاب موصى عليه بعلم الوصول، ويلتزم مكتب خدمة المواطنين بتوفيرسجل خاص لقيد ما ترد إليه من شكاوى. كما تلتزم الجهات المكلفة بفحص الشكوى بالرد عليها وبيان ما اتخذ بشأنها من إجراءات و يجب فى كل الأحوال إخطار الشاكى وبشفافية عن خط سيرها وهذا ما يحدث فى الدول المتقدمة وتفعيل هذه الآلية يتطلب درجة من الوعى لدى الأفراد والحرص على دقة تحديد موضوع شكواهم بشكل واضح، والبعد عن المبالغة، أو إضافة بيانات ووقائع غير حقيقية ومن جانب آخر يجب أن تولى الأجهزة الرقابية الإهتمام الكافى بها والتحرى عن مدى صحة ما تتضمنه من وقائع من خلال جمع البيانات والمعلومات من مصادر مختلفة مع عدم الإفصاح عن أسماء مقدميها فى الحالات التى قد تسبب لهم ضررا، أو تعطيلها فى الحصول على الخدمة العامة، خاصة فى المراحل الأولى للفحص والتحرى. أما الموظف العام فى حال تقدمه بشكوى-ولازال الكلام للدكتور ماهر الصواف-فيكون عن طريق النظام الإدراى الذى يعمل به، فتوجه الشكوى أولا إلى الرئيس الأعلى، مثل الوزير، والذى قد يُحيلها إلى الشئون القانونيه الموجودة بكل المصالح والجهات الحكومية للتحقيق فيها، كجهة للتحرى، أو يحيلها إلى لجان فض المنازعات، التى يرأسها مجموعة من القضاة، و لها ايضا قانون ينظمها ولكن رأى هذه اللجان استشارى فقط قد لا تلتزم به الجهة الإدارية، أما اذا لم يحصل الموظف على حقه فله أن يلجأ إلى القضاء الإدارى الذى يفصل فى هذه المنازعات وقد يرسل رئيس الجهه أوالهيئة بوقائع الشكوى إلى الرقابة الادراية فى حال تعلقها بوقائع فساد أو رشوة. وعن إنشاء ديوان للمظالم فيرى أن له مميزات أهمها حيادية هذا الجهاز لكونه لا يتبع الجهة المشكو فى حقها وإن كان لابد أن يتم تنظيم العمل وأن توجد اليات للتحرى عن الشكوى ومدى صحتها حتى لا يكون مجرد جهاز لتلقيها دون تقديم حلول حقيقية لها وهذا هو ما يهم المواطن فى المقام الاول ..