جاء تشغيل خط الفساد الساخن 16117 ليضع قضية مكافحة الحكومة للفساد الإدارى تحت المجهر وذلك بعد أن أعلنت هيئة النيابة الإدارية ملاحقة أى فساد إدارى فى الدولة عن طريق تذليل كافة الصعاب لأى مواطن أو موظف شاهد أو حصل على الدليل المادى ضد فساد إدارى لموظف أو مسئول كبير فى الدولة. ومع تشغيل الخط بدأ التساؤل يزداد من المواطنين عن ماهيته وأى فساد سوف يحاربه هذا الخط ؟ وهل للحكومة دخل فى تلقى هذه الشكاوى أم أن هيئة النيابة الإدارية- صاحبة الخط- لها الحق الكامل فى تلقى والمتابعة والإشراف على الخط؟ تساؤلات كثيرة تجيب عنها السطور الآتية. من داخل غرفة عمليات خط الفساد الساخن بهيئة النيابة الإدارية كان ل «أكتوبر» السبق فى معايشة عملية تلقى الشكاوى والتفاعل معها من جانب فريق عمل يضم 6مستشارين من الهيئة يرأسهم المستشار أحمد عطوة رئيس مركز معلومات النيابة الإدارية. وبحسب فريق العمل فإن عملية تلقى الشكاوى هى عملية اعتادوا عليها منذ بداية عملهم فى الهيئة التى يدخل ضمن صميم عملها تلقى الشكاوى الخاصة بالأجهزة الإدارية، إلا أن الجديد كما يؤكدون هى الآلية غير المسبوقة فى التفاعل مع الشكوى التى يتم إيداعها من جانب الكول سنتر إلى غرفة عمليات النيابة الإدارية إليكترونيا، وبالتالى فإن التعامل مع الشكوى يتم بطريقة مميكنة تضمن سرعة التفاعل والتحقيق فى البلاغ. فى التاسعة صباحا يبدأ فريق العمل مهمته بالتعامل مع منظومة خدمة المواطنين والتى تتلقى الشكوى من الكول سنتر المتواجد بالقرية الذكية والمختص بالرد تليفونيا على البلاغات الواردة للخط الساخن المخصص له 25 مقعدا داخل غرف الاتصالات بما يعادل 25خطا يختص بالرد على شكاوى المواطنين. وبحسب المستشار أحمد عطوة فإن فريق عمل النيابة يبدأ مهامه بفحص الشكاوى ومعرفة ما إذا كانت تدخل ضمن اختصاصات النيابة الإدارية أم لا وإذا تبين أنها صائبة وتدخل ضمن صميم عمل خط الفساد يتم تحويل الشكاوى إلى رئيس الهيئة الدكتور المستشار تيمور مصطفى والذى يطلع بدوره على الشكوى ومدى أهميتها ثم يحيلها إلى المكتب الفنى للنيابة الإدارية والتى تفحص كافة الشكاوى وتحدد الجهة الإدارية المشكو فى حقها إلى جانب النيابة المختصة وإذا كانت الشكوى ذات أهمية كبيرة فإن المكتب الفنى يفحصها ويحقق فيها بنفسه دون إرسال الشكاوى إلى النيابات الإدارية. ويتابع عطوة أن هذه العملية لا تستغرق يوما واحد، مؤكدا على وجود سرعة فى التعامل الفنى مع الشكوى، وذلك لعدم تراكمها أو التآخر فى التحقق من البلاغ، مشيرا إلى أن الأصل فى إنشاء هدا الخط هو التسهيل على المواطن وسرعة التحقيق للحد من الفساد الإدارى. اتفاقية المكافحة/U/ ويشير عطوة إلى أن أصل فكرة تدشين الخط أنها ترجع إلى وجود اتفاقية مكافحة الفساد والتى وقعت عليها مصر عام 2005، حيث إن المادة السادسة منها تلزم الدول الأعضاء الموقعين على الاتفاقية إنشاء جهات لمكافحة الفساد أو جهات داعمة للجهات الموجودة كما ان النيابة الإدارية ليس جديدا عليها تلقى الشكاوى، إنما اختصاصها الأصيل تلقى الشكاوى من المواطنين أو الموظفين والعمل على حلها، فالقانون 117نص على اختصاص «الإدارية» بتلقى شكاوى الأفراد والتحقيق فيها وبما أن النص موجود وأصل التعامل مع الشكاوى قائم فإن هيئة النيابة الإدارية أرادت التيسير أكثر على المواطن وأن يصل شكواه إلى النيابة دون مشقة. من أجل هدا وبناء على اقتراح من وزير التنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش المراقب فى الأساس على جودة خدمات الخط الساخن وافق رئيس الهيئة على الاقتراح وبدا العمل بالخط من 15 الشهر الماضى على خط الوزارة 19468إلى أن قامت التنمية الإدارية بتخصيص رقم خاص بالنيابة الإدارية 16117 لضمان عدم الخلط بين الرقم الحكومى وبين استقلالية النيابة الإدارية وللسرعة فى تفعيل عمل الخط الساخن تم تدشين منظومة خدمة المواطنين والتى من خلالها يتم استقبال المكالمات وكتابة بيانات المتصل داخل نموذج وضعته الهيئة لموظفى الكول سنتر منها أن يؤخذ من المتصل الرقم القومى الخاص به وتاريخ ميلاده، وذلك للحد من زيادة البلاغات الكيدية والتى غالبا ما تكثر عند تفعيل هذه الخدمات وليعلم المتصل أنه مسئول عن بلاغه وما يشكو منه، كما أن التشريعات تتحدث دائما على أنه إذا لم تتضمن الشكوى وقائع محددة فإنه يجب إهمالها، وبالتالى فإنه مع إيداع الرقم القومى إلى جانب تاريخ الميلاد فلن تكون هناك فرصة لتلاعب المواطن (الشاكى) أو ترك رقم وهمى.. ويضيف عطوة أنه يطلب أيضا من الشاكى تقديم أدلة أو شهود على الفساد الذى يشكو منه إذا وجدت الأدلة، وذلك لاجتماع أركان عدة أثناء التحقيق تسهل على المحقق مباشرة مهامه. ويتابع عطوة أن غرفة العمليات بالهيئة بعد إرسال الكول سنتر الشكوى إلى فريق عمل النيابة الإدارية يتم التعامل مع الشكوى أولا بمعرفة ما إذا كانت تدخل فى نطاق عمل الهيئة أم لا.. لأن النيابة الإدارية لا تختص إلا بالعاملين فى الجهاز الإدارى بالدولة والهيئات العامة ولو تم على سبيل المثال إرسال شكوى ضد ضباط شرطة فإن الهيئة تقوم بتحويل الشكوى إلى إدارة تفتيش الداخلية للتعامل معها. سير الشكوى/U/ يتابع أنه بعد فرز الشكاوى ومعرفة ماهيتها يتم إحالتها على رئيس الهيئة والذى يحيلها بعد الإطلاع عليها إلى مكتبه الفنى الذى يحدد مدى أهميتها وفى حالة تحديد النيابة التابعة لها الشكوى ترسل إلى أقدم عضو فى هذه النيابة والذى يجرى اتصالا بالجهة الإدارية المشكو فى حقها لكى ترسل معلومات تؤكد مدى صحة الشكوى ويتم إعطاء الجهة مهلة 15يوما وإذا لم ترد الجهة المشكو فى حقها على البلاغ تطلب النيابة المشكو فى حقه وتبدأ معه إجراءات التحقيق ويتابع عطوة أن التحقيقات تتم بحرص بالغ وسرية تامة، كما لا يتم الكشف عن هوية الشاكى إلا إذا تطلب التحقيق ذلك إلى جانب عدم الإفصاح عن القضية لحين انتهاء التحقيق لعدم الوقوع فى فخ البلاغ الكيدى الذى يهدف فى الغالب التشهير بالمشكو فى حقه على جراء خلاف شخصى. ويقول عطوة إنه فى حالة اكتشاف أن الشكوى كانت مجرد بلاغ كيدى فإذا كان المبلغ موظف عام فسوف يعاقب على إساءته لمهام وأخلاقيات وظيفته. أما إذا كان مواطن عادى فإن القانون يكفل للمشكو فى حقه التقدم إلى النيابة العامة ببلاغ ضد الشاكى باعتباره تعمد التشهير به. وعن كثرة البيانات التى تؤخذ من الشاكى أثناء الاتصال والتى بدورها من الممكن أن تحد من اتصالات بعض المواطنين الدين لا يريدون الكشف عن هويتهم قال رئيس فريق عمل خط الفساد: إن البيانات يتم أخذها من الشاكى لمعرفة فقط مدى جديته فى البلاغ باعتبار أن هذه البيانات بمثابة عنوان لجدية الشكوى إلى جانب التواصل معه فيما بعد لكى يعرف نتيجة شكواه. وعن سقف تعامل المستشارين مع الشكاوى أو فلترتها يقول المستشار عطوة: إن خط الفساد ليس له سقف وذلك إذا كانت الشكوى فى حدود عمل النيابة الإدارية، مؤكدا أن غرفة العمليات أيدت فى أول يوم عمل لها بلاغات مقدمة ضد أعضاء فى النيابة ولم تقم بحفظها أو فلترتها ولكن إحالتها فورا للتحقيق. وحول عدد المكالمات التى تلقاها الخط منذ بداية تشغيله فى 15سبتمبر الماضى قال عطوة إن خط الفساد تلقى فى أول يوم عمل له 50 شكوى فساد إدارى وبعد 15يوما من عمله أى إلى أوائل أكتوبر استقبل الخط 250 شكوى صائبة تدخل فى صميم عمل الهيئة بمعدل 17شكوى يوميا هذا إلى جانب شكاوى وهمية وأخرى لا تدخل ضمن اختصاصات الهيئة أو غير مستوفاة البيانات ولكن غرفة عمليات الإدارية لم تحص عددها حتى الآن. نموذج وقواعد/U/ وعن جودة الخدمة تقابلنا مع الدكتور ناصر فؤاد المتحدث باسم وزار التنمية الإدارية المسئولة عن جودة الخدمة فى الكول سنتر»مركز الخط الساخن « فقال: بداية إن اختيار عدد الخطوط الخاصة بالنيابة الإدارية يتم تحديده وفقا للتدفق المكالمتى لهذه الخدمة التى تم تخصيص 25مقعدا «خطا» لها داخل الكول سنتر المخصص فى الأصل للرد على مكالمات أكثر من جهة رسمية وغير رسمية منها خدمة الإسعاف. ويتابع ناصر أن متلقّى الشكوى يتعامل معها وفقا لنموذج وقواعد موضوعه من الهيئة ذاتها ولا يحق للوزارة المشرفة على الجودة التدخل فى وضع هده القواعد المحددة فى الأساس لسهولة وسرعة تلقى الاتصال وعدم إرهاق الشاكى. ويضيف ناصر أن اختيار المختصين بتلقى الشكاوى جاء عن طريق منظومة تعرف باسم التعهيد والتى تعنى تكليف شركة اتصالات تعمل فى مجال الكول سنتر بهده المهمة وهده الشركة غير حكومية وموظفوها من خارج الحكومة لكيلا يشكك فى نزاهتهم، لأنه لا يمكن أن يكون متلقى الشكوى خصما وحكما فى نفس الوقت لذا جاء اختيار متلقى الشكوى بناء على استقلاليته التامة عن السلطة التنفيدية، فتم تخصيص أيضا رقم للنيابة الإدارية يختلف عن رقم شكاوى الحكومة 19468 لكيلا تكون الحكومة هى المراقب والمتعامل المبدئى مع خط الفساد ويعهد إلى المختص غير الحكومى تشغيل الخدمة .. وبعد تلقى موظف الكول سنتر الاتصال يقول «ناصر» يتم تسجيل المكالمة وكتابة الشكوى داخل نموذج ويرفق بها تذكرة تتضمن الشكوى ذاتها والتى يتم إرسالها إليكترونيا إلى غرفة عمليات النيابة الإدارية والتى تحجب بدوها اسم الشاكى وبياناته لتقوم بالتحقق من الشكوى. «أى خطوة لو كانت بسيطة وتساهم فى مكافحة الفساد الإدارى هى إيجابية ومهمة» هكذا قال الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع «عميد كلية آداب القاهرة الأسبق» عضو لجنة الشفافية والنزاهة بوزارة التنمية الإدارية، مؤكدا أن خط الفساد لو تم تعريفه للناس إعلاميا سوف يساعد على انتشار ثقافة مكافحة الفساد والتى لا تأتى من يوم وليلة ولكنها تنمو بشكل تدريجى مع نمو ثقافة المجتمع الذى تربى على تغير مسمى الرشوة إلى إكرامية أو شاى أو دخان وغيرها من المسميات غير الشرعية، لأن السكوت عن الفساد يؤدى إلى انتعاشه والعمل على توصيفه فى صور أخرى، مثل الحسنة والرزق والشطارة وغيرها من الكلمات التى يتخذها الفاسدون مبررا لأفعالهم. لكن عندما تنتشر ثقافة مكافحة الفساد سوف تحارب مسميات الرشوة وتتم إزالتها تماما من قاموس المجتمع، موضحا أنه كلما دفعنا بقضية مكافحة الفساد فى ميدان النقاش العام مثل القنوات الفضائية والصحافة والنقابات وداخل مؤسسات المجتمع المدنى ساهم ذلك فى التصدى للفساد. الإفصاح والشفافية/U/ ويتابع زايد أن الأصل فى الحكومات مكافحة الفساد وتطوير آليات هذه المكافحة لأنه لا يمكن التحدث عن الحكومة الرشيدة دون أن يلصق بها خطوات جادة لمكافحة ما يشوب جهازها الإدارى من فساد، مضيفا أن الإفصاح والكشف عن المعلومات وتقنين عملية الحصول على المعلومة دون مواربة يقلل من الفساد الإدارى، كما يفتح مجالات عدة لنمو مبادئ الشفافية. وأشار إلى أن نجاح الخط الساخن متوقف على إيجابية المواطن وأن ينعدم بداخله ثقافة الشك والريبة والخوف من الكشف عن سلوكيات المسئولين المقصرين فى واجبات عملهم. وبرؤية إعلامية قال الكاتب والصحفى سعد هجرس عضو لجنة الشفافية والنزاهة إن تجربة الخط الساخن «لا بأس بها» لكنها تحتاج إلى دعم إعلامى لأنه ليس بخط الفساد وحده يمكن قهر الفساد الإدارى فى الدولة والذى وصل إلى درجة المؤسسية، مما يشير إلى ضرورة أن تكون مكافحته منهجية وأكثر شمولا وتطورا عن طريق آليات تشريعية وإرادة سياسية وتشجيع المواطنين للكشف عن المفسدين فى الدولة وحماية المبلّغ. وبنظرة قانونية تحدثت الدكتورة جورجيت قللينى أستاذ القانون بحقوق القاهرة وعضو لجنة الشفافية والنزاهة مؤكدة أن خط الفساد سوف يشهد الأيام القادمة تفاعلا من جانب المواطنين الذين يحميهم فى الأساس القانون فى حالة تقدمهم ببلاغ ضد أى فساد إدارى. وتضيف قللينى أن الخط يعد جزءا أصيلا من خطوات تجريها الحكومة حاليا للقضاء على ظاهرة الفساد الإدارى. من جانبه قال الدكتور تيمور مصطفى كامل -رئيس هيئة النيابة الإدارية إن تخصيص خط ساخن لتلقى شكاوى المواطنين من الفساد الإدارى والوظيفى داخل الأجهزة الحكومية، يهدف للتيسير على المواطنين فى تقديم شكواهم للنيابة، حال وجود أى مخالفة مالية أو إدارية، ورفع المعاناة عنه فى حالة تعسر انتقاله للنيابة المختصة للتقدم بشكواه. مؤكدا أن القرار جاء بغرض تدعيم الشفافية وتحديد مواقع الفساد المالى والإدارى والقضاء عليه.