في شهر يوليو المقبل تمر الذكرى المئوية الاولى لوفاة جرجي زيدان (1861-1914) مؤسس مجلة »الهلال« التي مازالت تصدر حتى يومنا هذا، وهو رائد الرواية التاريخية التي كتب منها 22 رواية. فشق بذلك طريقاً غير مسبوقة باللغة العربية، ونسج على منواله العديدون من بعده، إلى ذلك فإن مؤلفاته العلمية مثل »تاريخ التمدن الاسلامي«، وتاريخ آداب اللغة العربية، ما زالت مراجع يعود اليها طلاب العلم. وجرجي زيدان شخصية تتمثل فيها كل قيم النهضة، فقد نشأ في عائلة متواضعة وتعلم مهناً متعددة، قبل ان يغلب عليه طلب العلم، قُبل في الجامعة الأمريكية في بيروت ليدرس الطب، الا ان وقوفه الى جانب الطلاب في إضرابهم سبب فصله من الجامعة، فعزم على متابعة دراسته في مصر في مدرسة قصر العيني، ولكن الظروف قادته الى غير ما طمح اليه في مطلع شبابه. كانت احدى مواهب جرجي زيدان تعلم اللغات القديمة والحديثة، وهي التي فتحت له أبواب العلوم والآداب العصرية، من خلال اطلاعه على ما ينشر في اوروبا، ومن خلال رحلاته الى فرنسا وبريطانيا التي كان يقف خلالها على ما احرزته دول اوروبا في مجال التقدم والتمدن والعلم والادب. وكما هو معروف فإن جرجي زيدان هو واحد من اللبنانيين الذين هاجروا الى مصر في الربع الاخير من القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، هرباً من ضيق افق الحرية الفكرية، في ظل حكم السلطان عبد الحميد الثاني، وطلباً لممارسة حرية النشر والرأي المتوفرة في مصر آنذاك. وقد برز هؤلاء اللبنانيون في مجال الصحافة والفكر والنشر والفنون. وكان بينهم من ترك اثراٍ بارزاً كشبلي الشميل وفرح انطون ونقولا حداد ورشيد رضا، فضلاً عن الاخوين تقلا مؤسسي جريدة الأهرام وغيرهم الكثير ممن طبع تلك المرحلة بمؤلفاته وكتاباته. ويمكننا ان نجد في جرجي زيدان الشخص الذي يمثل المثقف النهضوي، في تلك الفترة التي احتشدت فيها التطورات العلمية والتحولات الفكرية وتضارب التيارات الايدولوجية، فقد كان مكباً على التراث الثقافي واللغوي والحضاري العربي، في الوقت نفسه الذي يعود الى التاريخ في الوقت نفسه الذي يتطلع فيه الى المستقبل. ولعل جرجي زيدان هو ابرز هؤلاء اللبنانيين الذين هاجروا وبرزوا في مصر ، فقد كان كاتباً صحفياً وباحثاً كما كان ناشراً، وكان داعية تجديد استخدم المقالة والبحث والرواية لاغراض بث التفكير التنويري ونشر العلوم والمعرفة. وفي مناسبة الذكرى المئوية لوفاته، تقيم جامعة البلمند في لبنان مؤتمراً علمياً يشارك فيه اكثر من ثلاثين باحثاً اكاديمياً يتناول آثار زيدان وعصره، والمسائل المتعلقة بفكر النهضة وماهي المسائل التي تركها لنا زيدان وزمنه واقرانه، من اجل تجديد النهضة العربية. وفي هذه المناسبة ايضاً تستعد دار الهلال لتنظيم ندوة فكرية مصرية- لبنانية احياء لذكرى مؤسس الهلال. كما ان المناسبة قد تحفز على طبع مقالاته البارزة، واعادة طبع مؤلفاته التي نشرها في المجلة التي اسسها، وإعادة تأكيد الافكار والقيم التي نادى بها. إن مراجعة آثار جرجي زيدان تعيدنا الى زمن النهضة العربية، الى الفترة التي شهدت التجديد في الافكار والتفاؤل بالمستقبل، وانطلاق زمن ثقافي جديد، تقوم مبادئه على فكرة الحرية والتقدم. من جهة اخرى فإن ذكرى جرجي زيدان تعيدنا الى الدور الذي قام به كل من مصر ولبنان. كانت النهضة العربية من صنع هذين البلدين، في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد استمر البلدان كمنارتين ثقافيتين ومركزين للنشر وانتاج الفكر والادب. إن جهد الجيل الحاضر يجدر ان يستعيد هذه الذكرى من اجل تجديد النهضة والتبصر بحاضر العرب ومستقبلهم. لمزيد من مقالات خالد زيادة