سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 12 يونيو 2024    أسعار الأسماك اليوم الأربعاء في محافظة سوهاج    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم لدولة غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    عاجل| مجموعة طلعت مصطفي تستحوذ على الوزن النسبي الأكبر في مؤشر الشريعة الإسلامية "EGX33"    أكبر هجوم منذ أكتوبر.. إطلاق 100 صاروخ على طبريا بشمال إسرائيل    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    كيف ستغير نتائج انتخابات الاتحاد الأوروبي الملامح السياسية للقارة العجوز؟    انتظام لاعبي الأهلي الدوليين في مران اليوم    أول رد فعل من ليلى عبدالله بعد أنباء ارتباطها ب جو جوناس    امتحانات الثانوية العامة.. تداول امتحان الاقتصاد على صفحات الغش الإلكتروني    بعد قليل.. أولى جلسات محاكمة سفاح التجمع الخامس    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة خلال أيام عيد الأضحى المبارك    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    حالة الطرق اليوم، زحام مروري بمحور 26 يوليو وصفط اللبن وكوبرى القبة وكورنيش النيل    خطوبة شيرين عبد الوهاب تتصدر التريند.. ورد فعل غريب من حسام حبيب    مسئول أمريكي: رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار يحمل استفسارات    الجمعة.. قافلة دعوية كبرى في مساجد الحسنة بشمال سيناء    اليوم.. 3 طلبات إحاطة على طاولة «محلية النواب»    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    لجان الدقي تستقبل طلاب الثانوية العامة باليوم الثاني لأداء امتحاني الاقتصاد والإحصاء    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى "مشعر منى" الجمعة لبدء مناسكهم    مفاجأة أسعار الحديد والأسمنت اليوم 12 يونيو.. عز يقفز مجددًا    أفضل الأدعية والأعمال المستحبة في يوم عرفة    الصحة العالمية: 2.7 مليون حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب الأطعمة فائقة المعالجة والكحول    الحبس وغرامة تصل ل2 مليون جنيه.. عقوبة احتكار وغش الأدوية وفقا للقانون    مات كما يتمنى.. وفاة ثلاثيني بكفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 112 يونيو 2024    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بزيادة الطلب    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    عاجل.. محمود تريزيجيه: لا تفرق معي النجومية ولا أهتم بعدم اهتمام الإعلام بي    تريزيجيه: حسام حسن مدرب كبير.. والأجواء أمام غينيا بيساو كانت صعبة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرجى زيدان فى البَّلَمَنْد
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 05 - 2014

قضيت ما يقرب من أسبوع فى شمال لبنان، حيث تقع جامعة البلمند على قمة جبل البلمند ( والكلمة محرفة عن الفرنسية Beau mont الجيل الجميل
الذى تقع على سفحه قرية القلمون، وهى مسقط رأس محمد رشيد رضا التلميذ الأشهر للإمام محمد عبده). وقد تلقيت دعوة حضور المؤتمر بواسطة المؤرخ العلامة الدكتور خالد زيادة سفير لبنان فى القاهرة، الذى أغرانى والصديق حلمى النمنم، المؤرخ والصحفى الشهير، بأنه سيكون معنا؛ فقد كان يعمل، من قبل أن يكون سفيرا، أستاذا للتاريخ فى جامعة البلمند، التى شرح لنا الأصل الفرنسى لتسمية الجامعة التى دعتنا معه للاشتراك فى مؤتمرها الاحتفالى بمناسبة مرور مائة عام على وفاة جرجى زيدان مؤسس الهلال (1861-1914). وكان أول من استقبلنا فى الفندق من جامعة البلمند الصديق القديم الدكتور شربل داغر منسق عام المؤتمر، والأستاذ فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب فى جامعة البلمند التى احتفت بنا والباحثين الذين دعتهم من المغرب وغيره من الأقطار العربية والأجنبية. وبدأ المؤتمر فى صباح اليوم التالى لوصولنا، واستمرت أيامه الجميلة الجادة الزاخرة بالمعرفة والمناقشات العلمية الرصينة. وقد اشتركت والدكتور خالد زيادة فى جلسة استهلالية. هى مدخل إلى موضوعات المؤتمر كله. أما أنا فكانت ورقتى عن جرجى زيدان: مثقف الاستنارة، وكانت ورقة زميلى الدكتور خالد زيادة عن السياق التاريخى الذى ارتبطت به، وانطلقت منه كتابات جرجى زيدان.
وكانت الورقتان متكاملتين، دون قصد، فى صياغة استهلال مناسب لكل المجالات المعرفية التى أسهم فيها جرجى زيدان، ذلك الرائد التنويرى العظيم الذى أنجز ما جعله بحق أحد البناة العظام لصروح الثقافة المصرية أولا، والثقافة العربية ثانيا. ولا أنكر أننى شعرت بالحزن على ما أصاب وزارة الثقافة، التى فاتها أن تحتفل بمناسبة بالغة الأهمية مثل هذه المناسبة، فجرجى زيدان، هو واحد من أهم صناع النهضة الثقافية المصرية، ومن الواجب على البلد الذى انتسب إليه ومنحه عمره، وترك له من الآثار العظيمة ما ترك، أن يحتفل احتفالا لائقا بالذكرى المائة لوفاته.
كان عنوان مؤتمر جرجى زيدان النهضة فى عهدة الحاضر: برفقة جرجى زيدان. واستمرت الجلسات لثلاثة أيام. وتوزعت عناوين محاور الجلسات على موضوعات: الهلال والنهضة، جدل بين المصريين والشوام، جرجى زيدان فى السرد، جرجى زيدان فى الدرس اللغوى، الأدب قيد التشكيل: بين النص والدين، بين التقدم والتأخر، تاريخ الأدب والتاريخ العام، سؤال النهضة من جديد. وكان من الطبيعى أن يأتى السؤال عن النهضة فى الخاتمة؛ فالمؤتمر كله عن الماضى فى عُهْدِة الحاضر. وهو موضوع يثير عددا من الأسئلة الصعبة. أولها هل نكتفى بإحياء هذه النهضة التى أسهم فيها جرجى زيدان، أم نبدأ من حيث انتهى، وحسب شروط زمننا وتحولاته؟ لقد كان جيل جرجى زيدان يجد النموذج الأمثل للتقدم فى الغرب الممتد إلى الولايات المتحدة. ولكن هذا النموذج الغربى للتقدم لم يعد هو النموذج الأوحد؛ فقد أصبح هناك النموذج الذى تقدمه أمريكا اللاتينية فى صعودها الجديد. وهناك نموذج نصف العالم الآسيوى الجديد، إذا أخذنا تسمية كيشور محبوبانى فى كتابه الذى يحمل هذا العنوان. ما النموذج الذى نختاره للتقدم كى نتخلص من أسر نزعة المركزية الأوروبية الأمريكية، ونفارق مرحلة التبعية بما يحقق حلم التقدم الذى يعنى أول ما يعنى استقلال الإرادة الذاتية للوطن بما يعنى استقلال الإرادة الذاتية للمواطن بما يلزم عنه حريته واكتمال معنى مواطنته. ولن يتحقق ذلك إلا بشروط أولها الحكم العادل، وثانيها التعليم الحديث.
ولقد كان جرجى زيدان من أوائل الذين دعوا إلى إنشاء جامعة مدنية حديثة، لاستيعاب وتعليم المعارف والإسهام فى نهضة علمية متطورة. وقد كتب عن ذلك فى مجلته الهلال التى أسسها سنة 1892 فى القاهرة المحروسة. وكانت فرحته غامرة بتشكيل لجنة أهلية وطنية لإنشاء الجامعة المصرية. وعندما نجحت هذه اللجنة التى آلت رئاستها إلى الأمير أحمد فؤاد الأول (الملك فؤاد فيما بعد) فى افتتاح الجامعة فى الحادى والعشرين من ديسمبر سنة 1908، ظهرت الهلال فى هلال الشهر اللاحق محتفية بافتتاح الجامعة الحديثة التى وجد فيها أملا للإسهام فى تقدم وطنه مصر. ولم يتردد فى كل الأحوال فى اقتراح ما يراه مفيدا لمستقبل مصر التى رأى فى جامعتها الأولى استكمالا لتحديث منظومة التعليم التى ظل مقتنعا بأن استمرار تطويرها هو أقصر الطرق إلى استكمال طريق النهضة.
أما الحكم العادل الذى ينشر العدل فى جنبات الوطن؛ فقد كان يتصل بتصورات جرجى زيدان السياسية. وهى تصورات إصلاحية فيما أرى، فلم يكن جورجى زيدان ثوريا رومانتيكيا مثل أديب إسحق الدمشقى الأصل (1856-1885)، ولا علمانيا جذريا مثل فرح أنطون الطرابلسى الأصل (1847-1922)، وإنما كان ملكيا إصلاحيا، مثله السياسى الأعلى هو الملكية الدستورية المقيدة، كما فى إنجلترا، حيث يملك الملك ولا يحكم. ولذلك ظل يحلم أن تستظل مصر وغيرها من الأقطار العربية الحديثة بدساتير مدنية حديثة. ولم يكره الرجل فى كتاباته، رغم حرصها، سوى الحكم الاستبدادى والتعصب الدينى والطائفى. وظل يعتبر نفسه مسلما ثقافة ومسيحيا دينا، مؤمنا بالتسامح الدينى والتنوع البشرى الخلاق. ولم يكتب رواياته التى تفوق العشرين إلا ليؤكد هذه القيم والمبادئ، التى ارتبط بها صعود الحضارة الإسلامية وتواصل ازدهارها، حين لم يكن هناك فارق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى والعمل لصالح مجموع الأمة. ولقد بدأ التمدن الإسلامى يفقد حافزه الخلاق حين افتقد تدريجيا مبادئ التسامح والمساواة والتنوع البشرى، فسار التمدن الإسلامى إلى مغيبه، وغربت شمسه.
ولقد عانى جرجى زيدان من هذا التعصب الدينى فى حياته وبعد مماته. أما فى حياته، فقد عرف القائمون على الجامعة المصرية الوليدة علمه وحماسته للجامعة، فأوكلوا إليه مهمة تدريس مادة التمدن الإسلامى، وأعطوه تقدمة مالية لما سوف يقدمه من محاضرات. ولكن أصوات المتعصبين دينيا ارتفعت مهاجمة اختيار مسيحى لتدريس التاريخ الإسلامى، ويبدو أن الذى كان يحركهم هو محمد رشيد رضا (الذى عاد إلى أصوليته ضيقة الأفق، بعد وفاة أستاذه محمد عبده سنة 1905). وبالفعل نجحت حملة المتعصبين، فتراجعت الجامعة، وتنازلت عن التقدمة المالية. ولم يكن أمام جرجى زيدان سوى أن يحيل مشروع المحاضرات إلى واحد من أهم كتبه، وهو تاريخ التمدن الإسلامى روايات تاريخية، ظل يصدرها إلى عام وفاته سنة 1914 مع ابتداء الحرب العالمية الأولى. أما المتعصبون الذين هاجموا الجامعة لتكليف جرجى زيدان المسيحى بتدريس تاريخ التمدن الإسلامى، فسكتوا ولم ينطقوا حين استدعت الجامعة للمهمة نفسها مستشرقين ليسوا من ملة الإسلام.
رحم الله جرجى زيدان، فدين مصر الحديثة لإنجازاته الثقافية أكبر وأجل من أن يتغاضى عنه مثقفو مصر.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.