سافرت لإحدى المدن الساحلية، وجلست مع أسرتي في إحدي المقاهي الصغيرة،وكان صوت محمد منير يزين المكان،وجاء شاب أسمر يسألنا ماذا نتناول، وتبادلنا معه الحديث، وعرفنا أنه من أسوان، من عائلة كانت تعمل في الزراعة وتم تهجيرها ضمن آلاف الأسر عند بناء السد العالي، وظل يتنقل مع أسرته من محافظة لأخرى حتي أستقروا هنا وفتح هذا المقهى الصغير، وبابتسامة سمراء رائعة قال "أعمل إيه،لقمة العيش عايزة كدة،والحمد لله"،وذهب ليحضر لنا طلباتنا. وأثناء إنتظاره لفت إنتباهي فرن بدورين تقف أمامه فتاة ذو وجه جميل ترتدي ملابس أنيقة،وقفازاً وتقوم ببيع المخبوزات،وعندما دققت النظر داخل الفرن وجدت من تديره إمرأة ترتدي عباءة سوداء،ملامحها تشبه لدرجة كبيرة الفتاة،وكانت تدور في المكان كالنحلة،تعطي تعليماتها لثلاث بنات أخريات،يبدون من ملامحهن أنهن بناتها وشقيقات الفتاة التي بالخارج،وكلهن تطل من وجوههن سعادة جميلة،ثم رأيت شاب يرتدي شورت وتي شيرت وحذاء في غاية الأناقة،ينزل من الدور العلوي يحمل عدد من صواني الفطائر ويدخلهم المحل، ويتبادل الحديث والضحكات مع شقيقاته،ثم يصعد لأعلي مرة أخري ويختفي، والفرن مزدحم لدرجة كبيرة وكلهن يعملن علي قدم وساق. وفي تلك الأثناء تقدم إلينا شاب يعمل كمندوب مبيعات لإحدى الشركات العقارية الشهيرة، وقام بشرح طرق الحصول علي وحدة سكنية تابعة لهذه الشركة،وبسبب ما يتمتع به هذا الشاب من لباقة الحديث،سألته والدتي عن شهادته، وقال أنه تخرج من كلية إقتصاد وعلوم سياسية وأجتاز جميع الاختبارات الخاصة بالتعيين بتفوق، ولكن تم اختيار من هم أقل منه لأنه لم يكن لديه واسطة،وعندما رأي التأثر علي وجوهنا،إبتسم وقال "بس إحنا رجالة ومش هانقعد وهانشتغل في كل حاجة". كل هؤلاء الذين رأيتهم في يوم واحد جعلوني أعود بذاكرتي للخلف،عندما طلبت السيدة التي تأتي لتساعدني في أعمال المنزل أن أبحث عن عمل لإبنها الذي لم ينجح في إتمام تعليمه،وأستطعت بعد جهد أن أحصل له علي عمل في أحد مطابخ المطاعم الشهيرة بإحدي النوادي الرياضية،وشجعته بأنه بعد عدة شهور من التدريب سيخرج من المطبخ لتقديم المشروبات لأعضاء النادي،ولكني فوجئت برفضه لهذه الوظيفة لأنها لا تناسبه وأيضاً لبعدها عن مكان سكنه!!!!. فهذا نموذج لشاب يترفع أن يبدأ صغيراً ويكبر شيئاً فشيئاً برغم ،وهذه نماذج لشباب يريد أن يتعب وينجح، شعور جميل رؤيتي لفئة من الناس لا يكل ولا يمل من البحث عن .... لقمة عيش. [email protected]