الأسباب التى دعتنى إلى تذكر مصطلح «الردح» السلوك الذى من المفروض أن يقبع خلف الجدران فى الأزقة الشعبية أنه أصبح سلوكًا متبعًا فى بعض مؤسساتنا الثقافية؛ رأيناه عقب الثورة عام 2011 حينما تصدر المطالبات الفئوية بعض الأشخاص الذين لم نكن نراهم، ولم نسمع بهم ليطالبوا بحقوقهم بهذا الأسلوب فى حين أن أصحاب الحق ممن أعطوا المؤسسة أعمارهم، وكل الجهد والعرق يطالبون ببعض حقوقهم على استحياء وبأدب جم يتفق مع عطائهم، أما هؤلاء الآخرون فيقتحمون المكاتب، ويهاجمون القيادات، ويسبونهم قائلين إن الصوت العالى والهجوم بهذا الشكل ربما يقنع الطرف الآخر والجمهور المُشاهد بأنهم أصحاب حق، فى حين يتوارى أصحاب الحق الأصلاء عن المشهد. ولا ننسى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة حينما لم يستطع تسلم عمله فى المجلس، وظل يومين يتردد على المجلس عسى تهدأ ثورتهم، وهو الدبلوماسى والأكاديمى والروائى المتميز ولكن دون جدوى، فغادر المكان بلا رجعة غير آسف عليه. وذلك الذى أصيب بأزمة قلبية حينما فوجئ بهذا الأسلوب فى التعامل ودعونى أضع ذلك بين قوسين للتوضيح (وليس للمطالبة بالحقوق بالتأكيد)، ورؤساء الهيئات الذين يعتدى عليهم مرؤوسوهم، أو الذين يرفضون دخولهم من الأصل إلى مكاتبهم، أو الذين يطالبونهم بأموال ومكافآت لا يستطيعون توفيرها؛ وجاءت فترات زائغة لاتعرف لها لونًا قفزت على السطح فيها نماذج لم يكونوا هم أنفسهم يتوقعون ماوصلوا إليه، وحظى كثير من الموظفين بزيادات كبيرة فى المرتبات كانت الحكومات السابقة قد وعدتهم مرارًا بتحقيقها وفشلت فى ذلك، فتفاءل الصابرون منهم بتلك المرحلة، وآمنوا بأن العمل الجاد والاخلاص لابد أن يؤتى ثماره ولو بعد حين، فى حين أن أصحاب الصوت العالى ومفتقدى المهارات والعاطلين عن المواهب أصبح لديهم يقين بأن ماتحقق من مكاسب للعاملين إنما قد تحقق بفضلهم هم، وبصوتهم العالى، وتجاوزاتهم مع قياداتهم. واستمرت الحال كل يغنى على ليلاه؛ اقصد مصالحه، ومن تتحقق مصالحه بطريقة سلمية يتم تعزيز الطريقة، ومن تتحقق مصالحه بالعنف يتم التعزيز أيضًا للعنف، ومع تلك المرحلة قفزت قيادات، وتصدرت المشهد وقد اتبعت نفس طرق الموظفين العاطلين عن الموهبة من دموع واستجداء وصفاقة و(ردح) أحيانًا، فى حين انسحب من المشهد كثير من النبلاء وجدوا أنفسهم بين المطرقة؛ التى هى عبارة عن قيادات أعلى لايستطيعون حمايتهم ولا الدفاع عن حقوقهم فى وسط مشهد مرتبك، والسندان؛ وهم موظفون نالوا حقوقهم كاملة ويطمعون فى المزيد، وقد سقطت هيبة واحترام شاغل المنصب، ويتم تهديده طوال الوقت بأن من هم أعلى منه سلطة، ومنصبًا تم خلعهم، والاستغناء عنهم بسهولة، فلا يجد أمامه سوى الفرار بكرامته، وابتلاع الهزيمة، أما الصنف الثالث من القيادات فهم من حاولوا الإبقاء على علاقات طيبة مع العاملين من أى الصنوف كانوا ومسايرتهم أحيانًا، والانحناء للريح حتى تعبر بسلام، مع التمسك بقيمهم، وكرامتهم وقد أصابتهم اختياراتهم تلك بشتى أنواع الأمراض من ارتفاع فى الضغط والسكر وارتفاع نسبة الكوليسترول، وآلام القولون العصبى، وبعض الأمراض المستعصية .. وأخيرا، وبعد أن قلنا آلاف المرات إننا نعيش مرحلة حرجة فإنى أؤكد أن تلك هى المرحلة الحرجة الأخيرة وأننا فيها نكون أو لا نكون.. وآن الأوان للنظر بجدية إلى المشكلات الأزلية فى وزارة الثقافة وخاصة أوجه الإنفاق والتمويل للأنشطة الثقافية، وهيكلة كل القطاعات داخل الوزارة والمساواة بينها فى الأجور والحوافز والمرتبات بحيث ينال الموظف الشاغل الدرجة الوظيفية (أ) فى صندوق التنمية الثقافية نفس مايناله نظيره الشاغل الدرجة نفسها فى قطاع العلاقات الخارجية على سبيل المثال، أما الصداع المزمن والخاص باختيار القيادات. فالمرحلة المقبلون عليها لم تعد تحتمل اختيار قيادات إلا من الصنف الثالث الذى أشرنا إليه مع نسيان الوساطات والمحسوبيات والشللية والقرابة والتركيز على القائد المثقف المبدع نظيف اليد ذلك إن أردنا إصلاحاً لهذا الوطن، فقد عانينا من قيادات جاهلة لاتؤمن بجدوى الثقافة ولا بقدرتها على التأثير على الشعوب، ولا بدورها فى إحداث التغيير، فكيف بالله عليكم تتوقعون حراكًا لهذا المجتمع فى ظل وجود هذه القيادات التى تناصب العداء لكل مبدع ومثقف. لمزيد من مقالات ايمان سند