لا أدري سبب «العجلة» و«التسرع» في إصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، ولماذا لا يترك هذا الأمر للرئيس المنتخب المقبل؟! الحوارات الدائرة الآن حول مشروع القانون مهمة ومفيدة، لكن الأنسب ترك هذا الأمر للرئيس المقبل، وفي كل الأحوال هناك بعض الملاحظات حول ما يثار الآن عن مشروع التعديلات المقترحة أبرزها ما يلي: أولا: المزاج العام للشارع المصري يميل إلي الفردي ويؤيده ويرفض القائمة، لكن الأخيرة للأسف هي المتنفس الوحيد للأحزاب ودونها تموت هذه الأحزاب نهائيا، ويتم إخلاء الساحة لأحزاب تيار الإسلام السياسي، وبالتالي فإن الجمع بين النظامين هو الأفضل لمصلحة التجربة الديمقراطية في مصر، وأتمني التمسك بنسبة 80% للفردي، و20% للقوائم، فهذه هي النسب المقبولة والمعقولة حتي لا تتحول دوائر الفردي إلي دوائر متسعة ترهق المرشح، وتخدم مرشحي تيار الإسلام السياسي كما حدث في الانتخابات الماضية حينما كانت دائرة الفردي حوالي أربع دوائر من الدوائر القديمة، وبما أنه لم تكن هناك أحزاب قوية منظمة سوي الإخوان والسلفيين فقد استطاعوا الفوز بمعظم هذه الدوائر لأنهم استطاعوا تجميع أصوات من مختلف المناطق في حين أن المرشح الآخر لا يستطيع ذلك، ويقتصر نفوذه علي دائرة واحدة فقط. تصغير الدوائر مطلب مهم وحيوي لإحداث توازن حقيقي بين المرشحين المستقلين أو المنتمين إلي الأحزاب، ولإظهار قوة المرشح الحقيقية، وتزيد من صلابة العلاقة بينه وبين أبناء دائرته، وتسهم في حل الكثير من المشكلات، والأهم من كل ذلك أنها تقلل نفقات الدعاية التي باتت تمثل صداعا مزمنا في رأس كل الشرفاء الراغبين في خوض تلك التجربة. ثانيا: فيما يخص الدعاية الانتخابية وتحديد سقفها للمرشح الفردي بمليون جنيه في الجولة الأولي و500 ألف في الجولة الثانية، فهو مبلغ كبير لا يقدر عليه إلا المليونيرات فقط.. أي أنها دعوة صريحة لكل من هم خارج فئة المليونيرات بالامتناع عن خوض الانتخابات، وكأن مصر كلها تحولت إلي مليونيرات!!. الطبيعي أن القانون يعبر عن حالة المجتمع الذي يصدر فيه، وأعتقد أن المليونيرات في المجتمع نسبتهم ضئيلة؛ فكيف يخرج القانون «تفصيلا» لهذه الفئة متجاهلا الأزمة الاقتصادية الحالية التي يمر بها المجتمع المصري كله. كان من الأفضل تخفيض سقف الدعاية إلي نصف مليون جنيه أو أقل، والإعادة إلي 100 ألف، والأهم من ذلك كله إيجاد آلية حقيقية لمراقبة هذا الإنفاق وضبط المخالفات، وتوقيع عقوبة صارمة تصل إلي الشطب، وللأسف فإن مشروع القانون يفتقد ذلك وينحاز للمليونيرات علي حساب باقي أفراد الشعب مما يفتح الباب أمام الطعن عليه بعدم الدستورية لأنه يتجاهل تكافؤ الفرص بين المواطنين. ثالثا: الحديث عن نسبة ال 20% للقوائم وهل هي قوائم مطلقة أم نسبية يحتاج المزيد من البحث والدراسة، فالقوائم النسبية هي الأفضل، أما القوائم المطلقة فهي تؤدي إلي فقدان قيمة القوائم نفسها، لأنها تتعامل بنفس أسلوب الانتخابات الفردي.. أي أن القائمة التي تحصل علي 51% من الأصوات تحصد كامل مقاعد القائمة، وهذا ظلم فادح، وإهدار لأصوات المواطنين، والطبيعي أن تكون القوائم نسبية بسيطة، أي أن تفوز القائمة بالنسبة التي حصلت عليها، فإذا فازت قائمة ب 40% من الأصوات، تحصل علي 40% من عدد مقاعد القائمة، وهكذا بالنسبة لباقي القوائم ونسب حصولها علي الأصوات، وهذا يتيح التمثيل العادل والحقيقي لكل الأطياف، ويسهم في تقوية الأحزاب علي الأرض لأنه يسمح بتمثيل كل الأحزاب القوية والمؤثرة دون إقصاء، أما القائمة المطلقة فهي تعني أن تفوز قائمة حزبية واحدة علي باقي القوائم، وتأخذ المقاعد كاملة دون الأحزاب الأخري. الأخطر في ملف القوائم هو ما يتردد عن وجود اتجاه داخل دوائر صناعة القانون بالاتجاه نحو القائمة المطلقة والمغلقة علي مستوي مصر كلها بمعني أن يتقدم كل حزب بقائمة واحدة لمصر كلها من الاسكندرية حتي أسوان، وتنجح هذه القائمة ب 51% من الأصوات، ليصبح هناك حزب واحد فقط وإقصاء باقي الأحزاب لنعود مرة أخري إلي صيغة الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، ثم حزب مصر ثم الحزب الوطني. نريد تواجدا حقيقيا لكل الأحزاب تحت قبة البرلمان بنسب حقيقية معبرة عن الوزن النسبي لكل حزب، ولن يحدث ذلك في إطار ما هو مطروح من القوائم المطلقة المغلقة علي مستوي الجمهورية، وإنما لابد أن تكون القوائم نسبية، وعلي مستوي كل محافظة فقط، لأن محافظاتالقاهرة الكبري تختلف عن محافظات الوجه البحري أو الصعيد أو مدن القناة، فكل محافظة لها ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والطبيعي أن يأتي القانون متفهما لذلك وإلا كان قانونا بعيدا عن الواقع. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة