في يوم وسط أسبوع شديد الزحام وفي قلب العاصمة المصرية القاهرة ، صعدت تلك الجميلة بيضاء البشرة ممشوطة القوام ذات الشعر الطويل الأسود الداكن والعينان الزرقاوتان أعلي كوبري 15 مايو، تسير علي قدميها الصغيرة صاحبة الانامل الرقيقة من منطقة الزمالك باتجاه وكالة البلح وشارع رمسيس. صعدت الحسناء التي لا تتجاوز العقد الثاني من العمر من ارقي مناطق المحروسة يصاحبها ابتسامة علي شفتيها الحمراء تنظر بعينيها إلي نهر النيل من الأعلي مستسلمة للرياح التي تميل بشعرها يمينًا ويسارًا، وضوء الشمس الذي رسم ظلها في كل سنتيمتر تدوس عليه بقدمها التي تتحرك برشاقة عجيبة. لم تكن ترتدي هذه «المزة» ملابس مثيرة، بينما كان اللافت هو رد الفعل بين آلاف المصريين الذي جمعهم طريق واحد وميعاد واحد وأهداف مختلفة، فتوقف الضجيج وأصوات «الكلاكس» وتشتت النظرات التي تحولت من اعجاب إلي تفحص وتدقيق، وتوقفت الأحاديث الجانبية لتتحول إلي همسات، واتبع سائقو الدراجات والموتوسيكلات أعلي الرصيف مسارًا اجبار بحجة الهروب من الزحام، وتوقفت قصص الحب والغزل بين العشاق المنتشرين أعلي الكوبري، بالإضافة إلي سائقي الميكروباص الذين التزموا أداب الطريق وتوقفوا علي السباب وتناسوا اللحاق بدورهم في تحميل الركاب. تمكنت الجميلة من النزول من الكوبري وسط عناية إلهية، لتصطدم بواقع أكثر مرارة يغلبه العشوائية وجالس المقاهي وباعة جائلون وكلمات ومعاكسات صبيانية رديئة، وتحرشات لفظية لم تتطرق إلي اللمس وسط زحام المارة، كما لم تسلم من هذا الذي اختلس النظرة علي أبواب المسجد قبل الصلاة. واصلت الحسناء سيرها بخطوات سريعة ووجه حزين يصحبها نظرات زائغة تبحث فيها عن طريق امن بعد أن وجدت نفسها تسير وسط السيارات في منتصف الطريق، بسبب تحول الرصيف إلي اشغالات، دون محاولة من أحد لحمايتها، بما في ذلك بعض النساء الذين تعدوا منهم عليها بالقول واللفظ، وبالرغم من ذلك إلا أنها مستمرة في طريقها دون تراجع أو توقف. تلك الفتاة قضية لم يتبنها أحد، فالكل يمضي في طريقه ينظر إليها ويشتهي منها كما يشاء، تتعرض للتحرش البصري واللفظي وأحيانا البعض ينهش في جسدها، حتى من يتبني قضيتها بالشعارات الزائفة في انتظار قبلة أو حتى نظرة، لا أحد يريد أن يعرف ما بداخلها وكيف تتغلب عليه كل يوم، فتاة تعيش وسط غابة أهلها يتعجلون موتها، فلن تحيا مصر إلا بنضج وتحضر ومسئولية شعبها.