صدمتنا الحكومة منذ أسابيع قليلة بقرار "كارثى"،ألا وهو استيراد الفحم لاستخدامه بديلا عن الغاز فى المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة. وذلك لحل أزمة الطاقة المستعصية على الحكومات المتعاقبة،ولم ينتبه مصدر القرار لآثاره على مختلف نواحى حياتنا، وعند اطلاعى على أبعاد تلك الكارثة هالنى ما اكتشفته من تحذيرات عالمية من سلبيات استخدام الفحم على البيئة والاقتصاد والصحة،والمثير للعجب،هو عدم التفات أحد من صانعى القرار لاتفاقية "كيوتو" للتغير المناخى،التى حظرت استخدام الفحم كوقود فى أى مجالات الصناعة،والدعوة إلى إيجاد بدائل له،لتقليص الانبعاثات الكربونية،أو على الأقل عدم زيادتها،وما سيترتب على ذلك من عقوبات متوقعة من الدول المانحة جراء المخالفة،والتى معظمها دول أوروبية منعت استخدام الفحم أو تداوله على أراضيها بشتى الطرق،لاكتشافها -منذ أمد بعيد- خطورته،وبالرغم من ذلك فإنها تبيع احتياطياتها منه لدول العالم الثالث. وأيضا عند تحليلى لآراء المؤيدين لذلك القرار وجدت أنهم يستندون على تطبيق المعايير البيئية فى أثناء استخدامه،حتى نتجنب الانبعاثات "المميتة" عند احتراقه،وهو أمر أجده من "المضحكات المبكيات"،إذ أننى على يقين بأن ذلك مستحيل التنفيذ،لأن تطبيق تلك المعايير،بدءا من عملية النقل مرورا باستخدامه انتهاء بالتخلص منه،مكلف جدا بشهادة الدول المنتجة له،والجهات الدولية التى وضعت تلك المعايير،وهو أمر لن ينصاع إليه أصحاب تلك المصانع من "رجال الأعمال" الذين يبحثون عن الأرباح الطائلة فقط دون مراعاة للجانب البيئى والاجتماعى لمشاريعهم،التى فازوا بها فى "مهرجان الخصخصة" بأبخس الأسعار،حتى إذا أبدوا موافقتهم فى البداية،بالإضافة إلى ضعف قبضة الدولة متمثلة فى الهيئات الرقابية المشرفة على تطبيق تلك المعايير بكل حسم،وإن حدث وشددت رقابتها وعاقبت،فسنجد الأبواق الموالية لرجال الأعمال تصرخ بتعنت الدولة أمام فرص الاستثمار وعرقلتها لخطط التنمية،وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة التى يخشاها مسئولو حكوماتنا قبل وبعد ثورتينا،حتى لا يصبحوا فى موضع "المعرقل" للتقدم الاقتصادى. بينما يصرخ المعارضون،نتيجة كارثية القرار على الوضع العام للبلاد،خاصة تداعياته الصحية التى لا حصر لها،بالإضافة إلى أثره السلبى المباشر على السياحة،الرافد الأهم للاقتصاد،لأنه سيضع مصر فى قائمة "الدول الكربونية" التى لا يفضل السائحون قضاء أوقاتهم بها،ولا تتمتع بسمعة جيدة سياحيا،نظرا لبيئتها المشبعة بثانى أكسيد الكربون "المدمر" للجهاز التنفسى،وغيره من المشتقات "المميتة". لذا يجب على الحكومة التراجع عن هذا القرار غير المدروس بضغط من الوزارات ومنظمات المجتمع المدنى المعنية،والبحث عن بدائل غير تقليدية للطاقة،وصديقة للبيئة،مثل استخدام المخلفات بطريقة آمنة،حرصا على حاضرنا،ومستقبل الأجيال القادمة. لمزيد من مقالات حسنى مبارك