سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قصة أزمة الفحم المؤيدون لاستيراده:
يحل مشكلة الطاقة وينقذ الصناعة والمعايير البيئية تمنع أضراره
والرافضون:
يدمر الصحة ويلوث البيئة ويمنع الدعم الدولى للمشروعات الكبرى
على سطح أزمة الفحم فى مصر الآن .. تطفو وجهتا نظر تبدوان متباعدتين تماما.. كل منهما تؤكد أنها تهدف الى مصلحة مصر .. فكيف ستتعامل الحكومة مع الموقف خاصة أن قرار استيراده قد صدر بالفعل ولم يعد فى طور الدراسة؟ مصادر مطلعة قالت "للأهرام" ان المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء يؤكد أنه لن يتراجع عن قرار استيراد الفحم فى ظل أزمة الطاقة الكبيرة التى تشهدها البلاد، والتى تنذر بعواقب وخيمة، وأنه لن يرضخ أو يستسلم لضغوط الرأى العام، فى ظل اقتناعه بأن الأضرار الصحية التى يسببها الفحم يمكن تلافيها الى حد كبير، اذا ما تم استيراده واستخدامه وفقا لمعايير بيئية محددة، تعكف وزارة البيئة حاليا على وضعها من خلال ثلاث فرق عمل، بناء على طلبه. "الأهرام" سعت من جانبها الى الاتصال بخبيرة بيئية، أشارت المعلومات الى أنها بادرت بتقديم شهادتها حول القضية لرئيس الوزراء. الخبيرة هى الدكتورة منى جمال الدين، أستاذ صحة البيئة بجامعة الإسكندرية وعميد كلية هندسة الطاقة والبيئة بالجامعة المصرية اليابانية، ووكيلة وزارة البيئة سابقا خلال الفترة ما بين عامى 2007 و 2012، وقالت انها واحدة ممن يقتنعون بأنه لا مشكلة فى استيراد الفحم، لكن وفقا للمعايير والشروط الدولية، بهدف استخدامه فى مصانع الأسمنت لفترة مؤقتة، لا فى كهرباء المنازل، لحين ايجاد مصادر الطاقة البديلة، لذا فقد قررت المشاركة برأيها العلمى، بعد أن وجدت أن الحملة ضد قرار الحكومة قاسية ولا مبرر لها فى هذا التوقيت الحرج فى مصر، فعملت على التواصل مع رئيس الوزراء وقدمت شهادتها له. وفى البداية، قالت الدكتورة منى "لا يوجد شئ ليس له مزايا وعيوب"، وأوضحت أنه يجب النظر إلى مسألة استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت من منطلق منظور شامل للقضية، مشيرة الى أن هناك عدة عوامل مهمة يجب أن نضعها فى الاعتبار، أهمها حق المواطن فى هواء نظيف، وأن صحة المواطنين خط أحمر، وأنه من الضرورى خلال اتجاهنا للتنمية أن نعمل على الحد من ملوثات البيئة، وفى الوقت نفسه هناك حق المواطن فى أن يجد عملا، فإذا لم نوفر مصادر الطاقة لصناعتنا الوطنية، كيف نعمل ونوفر فرص العمل؟ وكيف يمكن توفير سكن بسعر مناسب فى ظل عدم توافر الطاقة لمصانع الاسمنت التى أصبحت تتوقف عن العمل اسبوعا أو اسبوعين بسبب نقص الطاقة، فى ظل ارتفاع أسعار الأسمنت لتصل إلى 800 جنيه للطن؟ كيف سنتعامل مع الغازات الضارة؟! وحول التأثيرات البيئية الضارة للفحم، قالت الدكتورة منى جمال الدين انه وفقا لتقرير صادر عن هيئة حماية البيئة الأمريكية فإن المتوقع انبعاثه من حرق الفحم 3 غازات أساسية، منها أكاسيد النيتروجين، التى تعد كمية انبعاثاتها عند حرق الفحم، أقل منها فى حالة استخدام الغاز الطبيعى، أما ثاني أكسيد الكبريت فهو غاز حمضى بطبيعته، فى حين أن صناعة الأسمنت بطبيعتها شديدة القلوية، وبهذا فانه سيحدث تعادل داخل فرن الحرق بنسبة تصل إلى 95%، لتصبح الانبعاثات الناتجة بسيطة. وفيما يتعلق بثانى أكسيد الكربون، أوضحت الخبيرة البيئية قائلة ان نصيب الفرد منه فى مصر 2.7 طن فى السنة، بينما يصل نصيب الفرد فى أمريكا وفرنسا والصين الى 40 طنا، ومع ذلك فان صحة الفرد هناك أفضل، لأنهم يراعون المعايير والضوابط البيئية، وهذا هو ما نؤكد عليه، كما أن احتمالات زيادة نصيب الفرد نتيجة لاستخدام الفحم قد تصل إلى 2.9 طن سنويا، أى أننا سنظل فى وضع أفضل، ويمكننا علاج ذلك بالاعتماد على التشجير المكثف الذي يمتص ثانى أكسيد الكربون. وأشارت إلى أن نسبة الفحم فى "مزيج الوقود" المستخدم فى صناعة الأسمنت بأمريكا وأوروبا تصل إلى 80% ، وتقل إلى 50% فى ألمانيا. وأكدت، فى الوقت نفسه، حتمية ادخال طاقات بديلة ونظيفة ومتجددة، وقالت اننا يجب أن نبدأ فى ذلك من اليوم وفقا لخطة زمنية محددة، ليحدث هذا بالتوازي مع التخلص من الوقود "الأحفورى"، فهو إلى زوال، وهذه أمور كان يجب أن تحدث منذ سنوات طويلة لكن تقصير الحكومات السابقة هو ما أدى بنا الى هذه الأزمة. لكن من الضرورى أيضا توضيح أن الطاقة الشمسية يمكن أن تمدنا بالكهرباء المطلوبة للمنازل، الا أنها لا تشغل مصانع الصناعات الثقيلة، وعلما بأنه سوف تكون هناك استكشافات جديدة للغاز فى الفترة المقبلة. دراسات وزارة البيئة .. ترفض فى المقابل، أكدت دراسة متخصصة للدكتورة سميرة موافي مستشار وزارة الدولة لشئون البيئة تناولت التكلفة المجتمعية للمصادر التقليدية والطاقة المتجددة والآثار البيئية لاستخدام الوقود الأحفورى كمصدر للطاقة فى مصر أن الفحم هو أسوأ أنواع الوقود الأحفورى، محذرة من أن انبعاثات الكربون تنتقل إلى مسافات بعيدة قد تزيد عن ألف كم. وأوضحت الدراسة أن التكلفة المجتمعية الإضافية التي سيتحملها الاقتصاد القومي وعلاج آثاره تتراوح بين 2.8 و3.9 مليار دولار سنويا. وكشفت عن أن التكلفة المتعلقة بالمتغيرات المناخية الشائعة المرتبطة بالفحم تتراوح بين 10 إلى 100 دولار لكل طن ثاني أكسيد الكربون، كما قدرت وزارة البترول التكلفة المجتمعية لانبعاثات الكربون ب 80 دولارا لكل طن. وخلصت الدراسة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الضوابط والمعايير وحدها لحماية البيئة من الآثار السلبية لاستخدام الفحم في ظل النظم التشريعية ولاقتصادية والمجتمعية التي تسود فى مصر منذ عقود طويلة. وانتهت دراسة أخرى متخصصة أعدتها وزارة البيئة وتم عرضها على مجلس الوزراء حول «مزيج الطاقة والمعايير الأوروبية لصناعة الأسمنت وتحديات ومتطلبات تنفيذها فى مصر إلى التوصية صراحة بعدم استخدام الفحم تمشيا مع الاتحاد الأوروبي نظرا لأنه يعد أكثر كلفة بين مصادر الوقود الأحفورى. وأوصت الدراسة بأن يتم الاستفادة من دراسة مزيج الطاقة فى صناعة الأسمنت ضمن استراتيجية الطاقة لمصر لعام 2035 والتي يتم إعدادها حاليا بمساعدة الاتحاد الأوروبي.وأيضا بالتنسيق بين وزارات النقل والسياحة والتنمية المحلية والمحافظات المعنية لإعداد دراسة متكاملة حول الأثر البيئي لكل المواقع التي تستقبل الفحم وتتعامل به والموانئ التي تستقبله وتقديمها إلي جهاز شئون البيئة لدراستها في ضوء المعايير الأوروبية. كما أوصت بتفعيل خطة وزارة البترول لمواجهة أزمة الطاقة والتي تشمل إعادة تسعير الطاقة خصوصا للصناعات كثيفة الاستهلاك وتأجيل منح الموافقات على إنشاء صناعات جديدة كثيفة الاستهلاك للطاقة وعدم التوسع فى أنشطة المصانع القائمة وتوجيه الاستثمارات إلى المشروعات كثيفة العمالة والاستفادة من المخلفات كبدائل للوقود. كما حذرت الدراسة من أن الساعين إلى دخول الفحم إلى مصر هم رجال الأعمال الذين حصلوا على شركات الأسمنت المصرية خلال فترة الخصخصة فى عهد نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لافتة إلى أن سعر الأسمنت – خلال هذه الفترة وحتى الآن – تضاعف إلى ما يزيد على الضعفين. وأوضحت الدراسة أن التداعيات الصحية الناجمة عن استخدام الفحم تشمل تلوث الهواء والمياه والتربة، وتتمثل فى أمراض الجهاز التنفسي بدءا من الرئة السوداء مرورا بالانسداد الرئوى والربو وأزماته الحادة وسرطان الرئة، مشيرة إلى أن 24 ألف حالة موت مفاجئ سنويا فى الولاياتالمتحدة تقع بسبب أمراض الجهاز التنفسي، مع فقدان 14 سنة من متوسط العمر، وإصابة مايزيد على 48 ألف شخص هناك بالأزمات القلبية. وأضافت الدراسة أن من أمراض الجهاز العصبي الناجمة عن استخدام الفحم انسداد الشرايين التي تغذى الدماغ و السكتة الدماغية وفقدان القدرات الفكرية والعقلية، كما يضاعف فرص إصابة أطفال المرأة الحامل بالتوحد . وحذرت من أن تلوث المياه من الفحم وغسيل الفحم يدمر الثروة السمكية والشعاب المرجانية والشعاب المرجانية لما تحويه من معادن ثقيلة مسرطنة. وحول التداعيات الاقتصادية لاستخدام الفحم وحرقه على الدولة، أكدت الدراسة أن الآثار المناخية والبيئية الناجمة عن الفحم تفوق باقي مصادر الطاقة النظيفة بأضعاف مضاعفة مشيرة إلى أن الدول التي تستخدم الفحم وعلى رأسها أمريكا تتوقف تدريجيا عن تداول الفحم وتعمل على تهجيره للدول التي تسمح بتداول الانبعاثات الكربونية. وحذرت الدراسة من أن عدة اتفاقيات دولية مثل اتفاقية كيوتو فى اليابان وقرارات البنك الدولي واتفاقية دول الاتحاد الأوروبي الخاصة بالطاقة النظيفة قرروا فرض عقوبات على الدول ذات الانبعاثات الضارة وعلى رأسها الكربونية والكبريتية وهى جميعا مواد تتوافر وبكميات هائلة فى الفحم، مؤكدة أن هذه الاتفاقيات ستصبح ملزمة فى عام 2020، حيث سيتم فرض عقوبات على شكل " ضريبة الفحم على الدول التي تستخدم الفحم وسيتوقف العالم عن تمويل أي مشروعات تستخدم الفحم.