من الآفات التى تضرب أركان الأمة، ذلك المرض الجديد "القديم" الذى يسمى ب "التعصب للشيوخ".. فأصبح من المعتاد أن نرى شخصاً يتخذ موقفاً هو أبعد ما يكون عن صحيح الدين وعن نصوص الكتاب والسنة، وإذا سألته يقول: لك إنه كلام الشيخ فلان، هكذا بلا دليل يستدل به من كتاب أو سنة، وكأن شيخه هذا ليس ببشر يخطئ ويصيب، أو كأن وحياً يتنزل عليه من السماء، ويهيأ لك أن شيخه لو أمره بالقتل أو السرقة أو ما شابه، وقال له إن هذه الأفعال مما يتدين به إلى الله لفعل ذلك المسكين دون تفكير. والحقيقة التى يجب أن يعلمها الجميع أنه عندما نذهب لنطلب الفتوى من شيخ فإننا لا نسأله عن رأيه الشخصى، بل نسأله عن رأى الشرع فى هذه المسألة، وما على هذا الشيخ إلا أن ينقل رأى الشرع مدعماً بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة، أما رأيه الشخصى فلا كرامة له إن لم يكن مدعما بهذا الدليل، فآراء الرجال تخضع للأهواء البشرية المتعددة والمتباينة، بينما رأى الشرع واحد لا يتغير ولا يتبدل، فقد روى الحاكم وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: "خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً، ثم قال: هذا سبيل الله وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}". والكارثة الكبرى تتمثل فى أن هؤلاء الشيوخ يزكون أنفسهم دون وجه حق، فقد وقفت بنفسى على شيوخ يعتبرون طلب إرفاق جوابهم بالدليل من سوء أدب السائل، وهذا أمر خطير، فإذا نظرنا إلى فتاوى الأئمة لوجدنا أن السائل –فى معظم الأحيان- ينهى سؤاله بعبارة "مع ذكر الدليل" ولم نقف على أن أحد الأئمة بدأ جوابه بالقول إن ذلك من سوء أدب السائل، بل إن سيرة الإئمة الأعلام تحمل ما يؤكد عدم تزكيتهم لآرائهم بالشكل الذى يفعله هؤلاء، فقد قال أبو حنيفه: إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالي وخبر الرسول صلي الله عليه وسلم فاتركوا قولي، وقال مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا فى رأيى فكل ما وافق الكتاب والسنه فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنه فاتر كوه، وقال الشافعي: إذا وجدتهم في كتابي خلاف سنه رسول الله صلي الله عليه وسلم فقولوا بسنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعوا ما قلت، وقال أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الاوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا.. وهكذا فالواجب علي كل مسلم أن يأخذ الحق بدليله وان يدع التعصب والتقليد جانباً فالخير كل الخير فى الاتباع والشر كل الشر فى الابتداع. وما اضطرنى إلى كتابة ما سبق هو موقف حدث مع أحد الشباب من حفظة كتاب الله، حيث فاجأنا بطرح رأى يتعارض بشكل صريح مع حديث صحيح، ولمَّا سألناه عن هذا الرأى رد بثقة إنه رأى الشيخ "فلان"، مع العلم أن هذا لم يكن رأى الشيخ فلان –ولا رأى أى من أقرانه- فى الماضى القريب، لكن الشاب تقبل الرأى المخالف للحديث الصحيح ولرأى كل الأئمة من السلف والخلف لأن هذا الفلان قال به، وهذا ليس بجديد، ففى الماضى القريب قال أحدهم رأيا فيه خطأ فاضح وفادح بحق النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يتقبل أتباعه تخطئته، ذلك لأن قائله الشيخ "فلان" الذى لا يصدقون أنه أخطأ.. يا هؤلاء.. اكسروا الصنم وعودوا إلى الاتباع. وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.... لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى