الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - وتشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. وقد انشغل المفكرون والفلاسفة على مر العصور بهذه القضية المصيرية، وحاولوا تقديم الصورة المثالية لحكم بلادهم ومن هؤلاء: أرسطو ( 384 ق.م – 322 ق.م ) تلميذ أفلاطون ومعلم الاسكندر الأكبر وواحد من عظماء المفكرين،وأهم مؤسسي الفلسفة. رسم صورة الحكومة التي تتمثل في الخير لسعادة الناس، ورفض وضع دستورا محددا بعينه لما رآه من تغير يطول كل شيء عبر الزمان والمكان، فهو يقول: " بديهي أن الدساتير كلها التي تقصد إلى المنفعة العامة هي صالحة، لأنها تتنوع في إقامة العدل، بينما كل الدساتير التي تقصد إلى المنفعة الشخصية للحاكمين ليست إلا فسادا للدساتير الصالحة "، وراى ان كل نظام سياسي محتمل وجوده فإنه كما يحمل أسباب وبذور صلاحه كذلك يحمل أسباب وبذور طلاحه وانهياره، ويرى أن أفضل الحكومات التى ترفع شعار يحمل الحكمة التي تقول: إن خير الأمور الوسط، فالاعتدال في كل شيء أساس النجاح ،وهذا الاعتدال لا يكون إلا بناء على الاعتماد على الطبقة الوسطى التي تحقق الموازنة بين الأثرياء وجشعهم،وبين الفقراء ولا مبالاتهم، فالدولة الفاضلة هي التي تضمن للكل تحت لوائها حقوق المواطن، فالسلطة في الجمهورية المثالية عند أرسطو ثلاثة أقسام: تشريعية وتنفيذية وقضائية ويعد هذا التقسيم للسلطات من أروع أجزاء فلسفة أرسطو السياسية. والديمقراطيه لديه كانت تعني مشاركة المواطن في اتخاذ القرار، والمواطن هو الأثيني الذكر الحر الرشيد جون لوك (1632 – 1704 ) من مؤسسي النظام الليبرالي الديمقراطي الحديث، درس الطب وقرأ لديكارت وأولع بالفلسفة ،وعمل كطبيب وحافظ في نفس الوقت على منصبه كباحث ومدرس ومحاضر ،ومع ذلك وجد نفسه غارقا في خضم السياسة الانكليزية،وعندما بلغ السادسة والخمسين من العمر دفع إلى المطبعة بثلاثة كتب سمت به إلى مصاف الشخصيات البارزة الكبرى في عالم الفكر في أوربا. وظهرت "رسالة عن التسامح" 1689، وأعقبتها في 1690 "رسالة ثانية عن التسامح"، وأصدر مقاليه عن "الحكم المدني" وهما حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديمقراطية في إنكلترا وأمريكا. ويمكن القول بأن أفكاره كانت وراء اندلاع الثورة الانجليزية التي أسست ولأول مرة في التاريخ دولة الحق والقانون، كان لوك يقول إن الحرية لا تعني الإباحية وإنما المسئولية، فالله زودنا بالعقل والحرية لكي نستخدمها بشكل صحيح لا بشكل خاطئ، والقانون الطبيعي الذي يحكم البشر قائم على العقل وهو ذو أصل إلهي، وكان يرى أن الاضطهاد مصدره شهوة السلطان والسيطرة ويصنع المنافقين، أما التسامح فإنه يشجع المعرفة والحق. وكان جون لوك هو أول من نقد فكرة الحق الإلهي للملوك وجعل اختيار الأمة للحاكم من خلال الانتخابات هو أساس الشرعية. كما كان أول من دعى لمدنية الدولة ويقصد بها عدم انحياز الدولة لدين معين. جان جاك روسو (1712 – 1778 ) أحد رواد حركة التنوير التى مهدت للثورة الفرنسية،وفى عام 1762 كتب أهم مؤلفاته كتاب "العقد الإجتماعى" الذى بين فيه الأساس القانونى للحكم الجمهورى،وأصبح أهم مصادر الفكر السياسى الحديث فى العالم الغربى، والذى استهله بالصيحة الجريئة "ولد الإنسان حراً وهو في كل مكان مكبل بالأغلال" هذه العبارة أصبحت شعار قرن بأكمله. افترض روسو وجود حرية بدائية للإنسان لم يكن فيها يعرف قوانين أو قيود، واتهم الدولة القائمة وسلطاتها بتدمير تلك الحرية. واقترح بديلاً عنها بإيجاد شكل جديد للمجتمع يدافع عن حقوق كل عضو فيه وعن أملاكه, ويحميهما بكل ما أوتي من قوة، مجتمع يعيد للإنسان حريته كما كان من قبل. يقول روسو إن هناك عقداً اجتماعياً، يأتى من إتفاق الأفراد على أن يخضعوا رأيهم وحقوقهم وسلطاتهم لإرادة مجتمعهم ككل،وكل شخص يصبح طرفا في مثل هذا العقد, إذا قبل حماية القوانين العامة التى تحكم هذا المجتمع، فالدولة تصبح جمهورية متى حكمتها القوانين. هذا العقد يسمح بالملكية الخاصة بشرط رقابة الجماعة، وتحديدها وإعادة توزيع الثروة عن طريق الضرائب التصاعدية، والأفراد يجب أن يكونوا متساوين فى الحقوق الاجتماعية والقانونية وفرض الضرائب العالية على الكماليات،ومن حق الشعب أن يطيح بحكومة تصرعلى مخالفة الإرادة العامة. رفض روسو فكرة الديمقراطية النيابية ودعى للديمقراطية المباشرة. كارل ماركس ( 1818 – 1883 ) يشهد لماركس بأنه غير مجرى التاريخ وأغنى البشرية بأفكاره التى كان لها عظيم الأثر في الفكر العالمي خلال القرن العشرين،وتعتبر الفترة من عام 1842 حتى عام 1849 مرحلة مهمة جداً من حياة ماركس التي قضاها في بريطانيا بعد أن طرد من فرنسا وبلجيكا، بسبب كتاباته ونشاطاته الصحفية التي اعتبرت تحريضا للطبقة العاملة والفقراء على التمرد ضد سطوة السلطة وقهر الاقتصاد،وفي منفاه الاختياري ألّف ماركس كتبه التي مهدت الطريق للاتجاه الفلسفي والفكري الذي يحمل اليوم اسم نظريات ماركس عن المجتمع في الاقتصاد والسياسة - المعروفة باسم الماركسية - وتفترض أن كل المجتمعات تتقدم خلال الصراع بين الطبقات الاجتماعية: صراع بين طبقة الملاك المتحكمين بالإنتاج وطبقة العمال الذين يعملون لإنتاج السلع. عارض ماركس النمط الاقتصادي الاجتماعي السائد،" الرأسمالية" التي أسماها دكتاتورية "البورجوازية" التي كان يعتقد أنها مسيرة من قبل الطبقات الغنية لأجل مصلحتهم البحتة،وتوقع بأن الرأسمالية كسابقاتها من النظم الاقتصادية الاجتماعية ستولد توترات داخلية تقودها إلى التدمير الذاتي،واستبدالها بنظام جديد" الاشتراكية" ،وزعم أن المجتمع تحت النظام الاشتراكي سوف يحكم من قبل الطبقة العاملة فيما أسماه "دكتاتورية البروليتاريا" أو"ديمقراطية العمال " كثف ماركس نشاطه لتطبيق الاشتراكية زاعما أنه يتعين على العلماء النظريين الاجتماعيين والجماهير المعدمة تنفيذ عمل ثوري منظم للإطاحة بالرأسمالية والقيام بتغيير اقتصادي اجتماعي. كان ماركس أول من نقد فكرة اقتصار حقوق الانسان على الحقوق السياسية فقط لأنها حقوق شكلية ولا يستطيع التمتع بها سوى الأغنياء . ففتح بنقده هذا الباب لفكرة الحقوق الاجتماعية. يورجن هابرماس ( 1929- من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر، فهو الفيلسوف الوحيد الذي فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي كفيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة منذ أكثر من خمسين عاماً.ويعتبر وريثا لمدرسة فرانكفورت الفكرية المؤسسة في ألمانيا 1923 ومن أبرز المدافعين عن العقل ( الديمقراطية ) وبالأخص الديمقراطية التشاورية ضد كل مظاهر اللاعقلانية في الحياة الفكرية والسياسية، واضعا بذلك أساسا لنظرية اجتماعية نقدية جديدة. كان هابرماس ولا يزال مدافعا مستميتا عن المواطن وحقوقه ومشاركته في الحياة السياسية وفي القرارات المهمة ،واشتهر بأطروحاته حول ( الميدان العمومي - الفضاء العمومي ) وكيفية تحريك وتنشيط وتفعيل المواطن في الحياة بحيث يمكن أن يلعب دورا ايجابيا، طرح هابرماس فكرة التواصل والتواصلية في كتابه الشهير ( نظرية الفعل التواصلي ( عام1981) مؤكدا أن المجتمع الجديد هو العالم المعاصر الذي نعيشه والذي يتكون من ثلاث أسس تشكل جوهر الأخلاق التواصلية " الديمقراطية والعدالة والقانون" وهذه الأسس مرتبطة ومتشابكة بدرجة لا يمكن الكلام عن واحدة دون التطرق إلى الأخرى ومن هنا يدعوا الى ديمقراطية راديكالية كشرط مسبق لدولة القانون،وتتطلب هذه الديمقراطية إنتاجية المواطن ومشاركته في العملية السياسية. وتتعرض اسهامات هابرماس لكيفية تأسيس المواطنة الديمقراطية في الاتحادات التي تشمل أكثر من دولة، مثل الاتحاد الأوروبي.