واشتعلت الحرب فى اوكرانيا. داهمت القوات الحكومية الاوكرانية عددا من مدن جنوب شرقى اوكرانيا. وسارعت موسكو الى طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الامن لم تسفر عن النتيجة المرجوة. الضغوط تتزايد ضد موسكو واوباما يصل الى اتفاق مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل حول المزيد من العقوبات. تتواصل العمليات العسكرية الرامية الى اخماد تمرد مواطنى مدن واقاليم جنوب شرق اوكرانيا والتى بدأت اول من امس بالعديد من محاولات اقتحام مدينة سلافيانسك رغم المقاومة من جانب سكانها، اعلانا عمليا من جانب كييف بسقوط اتفاقيات جنيف. وكانت اوكرانيا اول من اعلن عن نواياه حول عدم تنفيذ هذه الاتفاقيات، ولم يكن وحسبما يقال "جف مدادها بعد"، حيث سارع اندريه ديشيتسا القائم باعمال وزير الخارجية الاوكرانية وفى اعقاب لقائه فى جنيف مع وزير الخارجية الامريكية جون كيرى بتأكيد ان بلاده لن تلتزم بهذه الاتفاقية وتحتفظ بحقها فى فرض النظام فى كل ارجاء البلاد من خلال كل السبل المتاحة!!. الرئيس فلاديمير بوتين لا يزال يلتزم الصمت تجاه ما يجرى فى اوكرانيا مفسحا المجال امام المتحدث الرسمى باسمه دميترى بيسكوف والذى قال بان بوتين يراقب الموقف ويعكف على دراسته معربا عن قلقه الشديد تجاه ما يجرى فى اوكرانيا والذى يعتبره جريمة دموية تتحمل السلطات الاوكرانية مسئولية وقوعها. واعاد الى الاذهان مسألة انضمام القرم الى روسيا وقال انها كانت خطوة سليمة حالت دون حدوث ما تشهده مدن جنوب شرق اوكرانيا من اضطرابات واحداث دموية. ووصف بيسكوف موقف الولاياتالمتحدة وبعض العواصمالغربية التى تبرر إجراء العملية التنكيلية فى جنوب شرق أوكرانيا ب"الوقح". واعاد الى الاذهان ان هذه الدول بالذات لم تسمح للرئيس الأوكرانى الشرعى فيكتور يانوكوفيتش منذ عدة أشهر بإحلال النظام فى البلاد بالطرق الشرعية. وفى رده غير المباشر على استفسارات واشنطن بشأن موقف موسكو من اجراء الانتخابات الرئاسية فى اوكرانيا فى 25 مايو الجارى قال بيسكوف :" ان روسيا لا تعرف حتى الآن كيف سترد فى حالة احتدام المواجهة فى أوكرانيا"، وكشف عن أن الآلاف من سكان أوكرانيا يتصلون بموسكو ويطلبون مساعدة روسية، مشيرا الى "ان موسكو لا تفهم كيف يمكن الحديث عن الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا بعد إجراء العملية التنكيلية فى البلاد". وقد جاءت هذه التصريحات فى توقيت مواكب لرصد المصادر الاوكرانية انطلاق عشرات المقاتلات والقاذفات من طراز «ميج 29»، و«سو 27» والقاذفات الثقيلة «تو 22 إم» الى مطارات غرب القرم، حسبما اشارت «برافدا الاوكرانية»، وهو ما لم تؤكده او تنفيه المصادر الروسية. وكانت روسيا سارعت بالدعوة الى اجتماع طارئ لمجلس الامن الدولى كشف عن تحول توازن القوى داخل المجلس الى ما هو فى غير صالح موسكو، وهو ما تمثل فى رفض الاغلبية لطلب مندوبها فيتالى تشوركين حول العودة الى تنفيذ اتفاقيات جنيف التى سبق وتوصل اليها وزراء خارجية روسياوالولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبى واوكرانيا حول ضرورة نزع سلاح كل الاطراف المتصارعة واخلاء المبانى الادارية التى استولت عليها وسرعة التحول الى بدء الحوار تحت رعاية منظمة الامن والتعاون الاوروبي. ومن اللافت ان روسيا ورغم عدالة مطالبها لم تجد من مجلس الامن تفهما لما طرحته من ادلة وقرائن تؤكد تورط واشنطن فى دعم سياسات السلطات الاوكرانية غير المعترف بها من جانب روسيا واصرارها على اخضاع جنوب شرق اوكرانيا وعدم الالتفات الى تجاوزات القوى الراديكالية فى غرب البلاد والتى يتزعمها القوميون المتطرفون من حركة «القطاع الايمن» التى يشكل ممثلوها الفصيل الضارب فى القوات الاوكرانية التى بدأت حملتها العسكرية فى جنوب شرق البلاد. وكان المندوب الصينى فى مجلس الامن اكتفى بالاعلان ان "بلاده تعرب عن قلقها العميق تجاه تطورات الاوضاع فى اوكرانيا، وانها تدعو الاطراف المتصارعة هناك إلى العمل من اجل التوصل الى تسوية سياسية لهذه الاوضاع عن طريق الحوار وليس عن طريق المواجهة". ومع ذلك تظل الصين وحسب كل المؤشرات "السند الاحتياطي" الذى تعلق عليه روسيا وعلى ما يبدو، الكثير من خططها المستقبلية بشأن مواجهة الحملة الغربية التى تتزايد حدتها مع كل يوم جديد. ومن هذا المنظور يمكن الاشارة الى ما اعلنته المصادر الروسية الرسمية حول المناورات البحرية الروسية الصينية المشتركة المقرر اجراؤها فى مايو الجارى خلال الفترة التى سيقوم خلالها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزيارة للصين. ورغم ان هذه المناورات التى تحمل اسم «التنسيق البحرى 2014»، تأتى فى سياق المناورات الدورية المتفق حولها مع روسيا وتعتبر الثالثة فى سلسلة المناورات المشتركة بين البلدين، نقلت وكالة انباء «ايتار تاس» عن مصادر صينية ان بكين اتخذت قرارها حول توقيت اجراء هذه المناورات بعد زيارة الرئيس الامريكى باراك اوباما لليابان والتى اعلن خلالها عن تأييده لاعلان اليابان عن تمسكها بملكية جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين. وتؤكد المصادر الصينية ان اختيار المناطق الشرقية من بحر الصين موقعا لاجراء هذه المناورات، يعتبر اشارة سياسية موجهة ضد فرض العقوبات الامريكية ضد روسيا وكذلك ضد تدخل الولاياتالمتحدة فى الصراع على الجزر بين الصينواليابان. ولعل كل ما يجرى اليوم من اتصالات ومشاورات سواء من جانب الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي، او من جانب روسيا وحلفائها يستهدف تحقيق الاهداف الذاتية التى تتباين بقدر تباين التوجهات التى سبق واعلنها كل من الجانبين. وكانت واشنطن اعلنت صراحة عن تبنيها لمطالب القوى القومية الاوكرانية حول الانضمام الى الناتو ووقفت وراء اعلان قمة بوخارست فى ابريل 2008 حول استعداد الناتو لضم كل من اوكرانيا وجورجيا وهو ما تراه الادارة الامريكية اليوم اقرب من اى وقت مضى. ولذا فقد اعلنت موسكو صراحة عن اتهاماتها لواشنطن بانها كانت ولا تزال المحرض الرئيسى للاحداث فى اوكرانيا واللاعب الرئيسى الذى يستهدف المزيد من توتير العلاقات بين موسكو وكييف. وفى تصريحاته للقناة الاخبارية الروسية الرسمية "روسيا 24" قال فياتشيسلاف نيكونوف عضو مجلس الدوما ورئيس مؤسسة "السياسة" للابحاث الاستراتيجية ان من مصلحة واشنطن القاء المزيد من الزيت على نيران الازمة فى اوكرانيا . ونقل عن زبجنيو بجيزينسكى مستشار الامن القومى الامريكى الاسبق قوله "ان تصاعد النزاع بين اوكرانياوروسيا يخدم مصالح الولاياتالمتحدة التى لا تخفى سعيها نحو تحويل اوكرانيا الى ان تكون فيتنام بالنسبة لروسيا". وقال نيكونوف "انه يعتقد فى ان الازمة الاوكرانية تجاوزت نقطة اللاعودة وان اوكرانيا لن تعود الى سابق نظامها القديم ولم يعد ممكنا الابقاء عليها دولة موحدة مثلما كانت منذ الحرب العالمية الثانية".