شهد الأسبوع الماضى مناقشات حامية حول قانون تحصين العقود التى تبرمها الدولة ومؤسساتها المختلفة من الطعون. وانطلقت الأصوات المدافعة عن القانون تؤكد أنه قد تم خلال السنوات الماضية إقامة العديد من الدعاوى من «كل من هب ودب» مما شغل القضاء دون وجه حق. وتعالت تلك النبرة بحيث كاد المرء يتصور أن الدعاوى التى تم رفعها للطعن على عقود الخصخصة وبيع الممتلكات العامة هى محض شكاوى كيدية وأن القضاء قد حكم فى النهاية بصحة تلك العقود ومعاقبة أصحاب البلاغات الكاذبة. إلا أن نظرة سريعة على الدعاوى التى تم رفعها تشير إلى أن القضاء قد أكد فساد العقود المبرمة وحكم ببطلانها. إذن المسألة هنا لم تكن محض شكاوى كيدية من أناس موتورين أو راغبى شهرة. ولعل من أبرز العقود المطعون عليها والمنظورة أمام المحاكم حاليا الدعاوى المتعلقة بكل من شركة نوباسيد وشركة أسمنت أسيوط. وطبقا للقانون الجديد يتعين أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها برفض تلك الدعاوى والطعون. شركة نوباسيد أو « شركة النوبارية لانتاج البذور» كانت إحدى الشركات العامة التى خضعت للخصخصة وبيعت أسهمها فى عام 1999 مناصفة لشركتين إحداهما مصرية يمتلك احد المستثمرين السعوديين نسبة كبيرة فى أسهمها والثانية مملوكة بالكامل لنفس المستثمر، رغم مخالفة ذلك للقواعد المنظمة للبيع والتى تنص على ألا تقل ملكية المصريين عن 51% من رأسمال الشركة التى تتقدم لشراء الأراضى الزراعية. و فى عام 2011 قامت وزارة الزراعة بالتحفظ على الشركة وسحب الأراضى منها وقدمت بلاغا للنائب العام تتهم المستثمر السعودى وعددا من المسئولين بالاستيلاء على 30 ألف فدان من أراضى الدولة وانتحال صفة تبعية الشركة للقطاع العام. وفور صدور قرار التحفظ قام المستثمر بسحب أرصدة الشركة لدى البنوك قبل موعد دفع مرتبات العمال. إلا أن وزارة الزراعة قامت بتشكيل لجنة لتسيير أعمال الشركة تحت إشرافها لحين فصل القضاء فى الدعوى، ونجح العمال والمهندسون فى إدارة الشركة ودفع الرواتب المتأخرة وتحقيق أرباح 10 ملايين جنيه. وخلال حكم الإخوان تمكن المستثمر السعودى من إبرام اتفاق تسوية مع حكومة هشام قنديل، وبناء على هذا الاتفاق الذى تم تفعيله خلال حكومة الببلاوى قام وزير الزراعة بإصدار القرار 1607 لسنة 2013 بالتصالح مع المستثمر وتسليم الشركة له دون انتظار حكم القضاء. و فور تسلم الشركة قامت الإدارة بفصل عشرين عاملا وشرعت فى بيع قطعة جديدة من الأراضى. هذا عن تسلسل الأحداث، فماذا عن رأى القضاء؟ الواقع أن تقرير هيئة المفوضين بمجلس الدولة يؤكد أن عملية بيع الشركة قد شابتها ملابسات «تلقى بظلال كثيفة من الشك على عملية البيع، فضلا عن المخالفات وإهدار ملكية الشعب، والغش ممن ولى إدارة هذا المال» وانتهى التقرير إلى التوصية بإلغاء قرار البيع واسترداد الدولة لجميع أصول وممتلكات هذه الشركة مطهرة مما كان عليها من تصرفات. والمطلوب الآن وفقا للقانون الجديد أن يغض القضاة الطرف عن تقرير هيئة المفوضين بمجلس الدولة وأن يتغاضى الشعب عن كل وقائع الفساد وإهدار المال العام الذى اقترن بخصخصة الشركة. أما القضية الأخرى المنظورة أمام القضاء والتى يدعونا القانون الجديد إلى إغلاقها فهى تلك الخاصة بشركة أسمنت أسيوط التى تم فى عام 1999 طرح 77% من أسهمها للخصخصة بموجب مزاد علنى، ولم يتقدم للشراء سوى عرض واحد من شركة مكسيكية دولية النشاط تعمل فى مجال انتاج وتوزيع وبيع الأسمنت والخرسانة الجاهزة. وبدلا من إلغاء المزاد لحين تقدم عروض أخرى تم بيع 90% من أسهم أسمنت أسيوط بالأمر المباشر للشركة المكسيكية بسعر 380ر1 مليار جنيه فى حين أن القيمة الدفترية للشركة وفقا لحساباتها الختامية قبل البيع كانت 2ر2 مليار جنيه، وأن القيمة الفعلية وفقا لبعض التقديرات كانت تصل إلى 14 مليار جنيه. ولا شك أن التخلص من الشركة بثمن بخس وبالأمر المباشر يدفع إلى الاعتقاد بأنها كانت تعانى حتما من مشكلات ضخمة وتتكبد خسائر تمثل عبئا على الدولة، إلا أن المدهش أن الشركة على العكس كانت تحقق أرباحا بلغت نحو 125 مليون جنيه فى نفس عام البيع. تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات يشير إلى أن العقد المبرم قد أدخل فى الصفقة الأصول الثابتة التى لاتدخل فى الإنتاج والتى كان يتعين نقلها إلى شركة الصناعات المعدنية. هذه الأصول الثابتة كانت تتضمن 1136 فدانا، ميناء نهرى على مساحة 22 فدانا، مزرعة واستراحات، فندق 5 نجوم، مبانى إدارية،و5 عمائر سكنية تحتوى على أكثر من 100 وحدة. قامت الشركة المكسيكية بالضغط على العاملين للخروج على المعاش المبكر، وامتنعت عن دفع حصة أولئك العاملين فى الأرباح. فأقام العمال دعوى قضائية للمطالبة بحقوقهم. وفى عام 2013 صدر حكمان قضائيان أولهما فى شهر يونيو ويقضى بصرف مستحقات العمال البالغة 7 ملايين جنيه، والثانى فى شهر سبتمبر ويقضى ببطلان عقد بيع الشركة وعودة العمال المحالين على المعاش المبكر وعددهم 3200 عامل . الحكم الخاص بصرف مستحقات العمال صار نهائيا منذ أقل من شهر بعد أن قضت محكمة استئناف أسيوط برفض الاستشكال المقدم من الشركة المكسيكية. أما الحكم الابتدائى ببطلان البيع فلا يزال مطروحا على القضاء ويتهدده قانون تحصين الطعون وتحصين الفاسدين. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى