الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى أصبحت تعانى منها الكثير من الأسر، خاصة فى المجتمعات الشرقية التى فرضت الكثير من الأعباء ومتطلبات الحياة شغلت الآباء والأمهات عن دورهما فى تربية أطفالهما وأصبحنا أمام سؤال يتردد كثيرا.. من يربى من؟. حول هذا الموضوع يتحدث د.جمال شفيق أحمد أستاذ العلاج النفسى ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس قائلا: الله سبحانه وتعالى بعظمته وحكمته حينما خلق الكون جعل لكل كائن دور ووظيفة محكمة ودقيقة وإذا نظرنا للأسرة نجد أنها منظومة اجتماعية لها دور محدد هو الزواج المبنى على السكينة والمودة بين الزوجين وإنجاب الأطفال للمحافظة على الجنس البشرى ويعهد إلى الأسرة حسن تنشئة الأبناء وتربيتهم ورعايتهم، فدور الأب وهو الإنفاق على الأسرة وحمايتها والمشاركة فى تربية الأبناء وتلبية متطلباتهم الأساسية سواء النواحى النفسية، كالحاجة إلى المأكل والمشرب... وغيرها والنواحى النفسية كالحاجة إلى الحب والعطف والمشاركة واللعب، إضافة إلى حاجتهم إلى الإرشاد والتوجيه والتدريب وضبط النفس، وأن يكون الأب القدوة الحسنة لسلوكيات وأفكار واتجاهات الأبناء، فى المقابل يعهد إلى الأم مهمة الاعتناء بأطفالها والمحافظة عليهم ومشاركة الزوج فى الرعاية والتربية، وينبغى أن يكون بينهما وفاق وتفاهم فى أسلوب التربية، وأن يسيرا فى اتجاه واحد، بمعنى أنه إذا أتى الطفل بسلوك غير لائق فعلى الأب أن يبدى استياءه وعدم قبوله بطرق تتناسب مع وعى وإدراك الطفل فى المقابل يكون دور الأم أن تفهم الطفل ألا يكرر الخطأ بالحوار و توضيح السلبيات المترتبة على هذا السلوك عن طريق الاستشهاد بقصة أو مثال ما. ومن المهم جدا عدم التذبذب فى اسلوب تربية الطفل بمعنى ألا يثاب على شىء ويعاقب عليه فى موقف آخر حسب الحالة المزاجية للوالدين، أيضا عدم التفرقة بين الأبناء فى المعاملة لأن هذا الأسلوب يولد كثيرا من المشاعر السلبية السيئة فى نفسية الطفل كالحقد والكراهية التى تنمو مع شخصيته حينما يكبر. و يضيف د.جمال: وللأسف إذا نظرنا فى وقتنا الحالى إلى أحوال بعض الأسر نجد أن هناك خللا و اضطرابا فى شكل الأدوار وطبيعتها مما ينعكس على النواحى النفسية لكل أفراد الأسرة، فكم من أسر يوجد الأب بداخلها وجودا ماديا فقط وليس له أى دور فى تربية الأبناء ونفس الكلام ينطبق على الأم التى تهمل دورها الذى كلفها به الله مما يترتب عليه وجود مشكلات واضطرابات تلحق بشخصية الأبناء، وقد أكدت الدراسات النفسية أن هؤلاء الأطفال معرضون دائما للانحراف نتيجة غياب دور الأب أو الأم أو كليهما معا. ولعل من أبرز صور الخلل داخل الأسرة التساهل فى القيام بالدور المنوط به الوالدين والإهمال و التقصير والتراخى والهروب وعدم تحمل الأمانة والمسئولية، على سبيل المثال أن يتنازل الأب عن دوره للأم لتربية أبنائك فى مقابل تلبية الاحتياجات المادية، والتعويض الزائف والمبالغ فيه وأيضا السيطرة وعنف أى طرف مع الآخر. يؤكد أستاذ العلاج النفسى ضرورة أن يدرك الوالدان أن الأطفال لهم مشاعر وعقول لذلك لا يجوز أن ينهى الأب والأم أبنائهما عن اتيان سلوك معين ويفعلانه هما لأنه يفترض أن الطفل يأخذ والديه كمثال وقدوة، فحينما يحدث خلل فى المصداقية والثقة فى هذا الشخص القائد يحدث عدم اطمئنان إلى التوجيهات والإرشادات والنصائح التى يقدمها للطفل، كما أن الطفل مقلد جيد، أى أنه يتعلم سلوكياته ويكتسب خبراته وتتشكل ميوله واتجاهاته من خلال النماذج التى يمارسها ويكررها أمامه الكبار وبالتالى لنا أن نتصور كيف ينهى الوالدان الطفل عن سلوك الكذب وهما يمارسانه؟ كيف ينهى الأب الطفل عن عدم إضاعة الوقت أمام التليفزيون والكمبيوتر وهو يقضى معظم وقته بالمنزل بين هذين الجهازين؟ ويحذره من التدخين وهو مدمن تدخين؟ مثل هذا السلوك آثارا سلبية سيئة بالغة الخطورة على الطفل، ويجعله فى حيرة من أمره وفى حالة صراع نفسى.. أين الصح وأين الخطأ؟.. أين الحلال وأين الحرام؟ ويزعزع ثقته فى نفسه وفى والديه ويعانى من ازداوجية فى المعايير، وتكون النتيجة اضطرار الآباء إلى تلبية طلبات الأطفال دون تفكير والتغاضى عن السلوك الخطأ، ومع تكرار الأبناء لهذا السلوك يصبح هو السلوك الطبيعى وهنا تنقلب الآية ويصبح الهرم مقلوبا فبعد أن كان الابن يحصل على النصيحة والإرشاد من الكبار أصبح هو الذى يحدد سلوكه وهنا يكون الوضع بمثابة أن الأبناء هم الذين يربون الآباء . وأخيرا وكما يقول أستاذ علم النفس نود أن نهيب بالوالدين أن يراعوا الله فى تحمل الأمانة والمسئولية.. فأبناؤنا نعمة ومنحة من الله عز وجل يجب أن نحافظ عليها ونرعاها خير رعاية ونوجههم التوجيه السليم منذ الصغر ولا نغفل أو نقصر لأننا وهم فى هذه السن الصغيرة نزرع بذور شخصيتهم ومقوماتها الأساسية والخطوط العريضة للقيم والأخلاق والعادات والتقاليد، فلنتق الله فيهم ونضع نصب أعيننا قول الرسول الكريم «كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته»، أيضا من أهم أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة تعويد الطفل على إرجاء الإشباع، أى عدم الإشباع الفورى لكل الاحتياجات فهناك حدود لإمكانات الوالدين وحدود لما يتناسب مع سنه وإدراكه، وينبغى أن نوضح له تدريجيا حسب وعيه وقدراته مبررات هذا الإرجاء ونقنعه بأساليب مختلفة بأنه ليس كل ما يطلب يجب أن يلبى حتى يستطيع ضبط سلوكياته والتحكم فى رغباته، ويجب البعد عن العقاب الصارم للطفل وعدم محاسبته وتأنيبه على كل كبيرة وصغيرة وإطلاق مساحة من الحرية والاستقلال والمشاركة فى الاختيار.