يظل مشهد مشاركة المرأة المصرية بكل اتجاهاتها وانتماءاتها الاجتماعية ومراحلها العمرية في ثورة الخامس والعشرين من يناير عالقا في الأذهان. مشهد يدعو للدهشة والإعجاب معا، إذ ظل في الحقيقة حديث الصحف والمجلات ومختلف وسائل الاعلام الغربية والعربية طويلا. لم تكن هذه المشاركة من قبل المرأة خاصة بمصر فقط، بل في تونس أيضا وتكررت كذلك في الأيام الأولى للإرهاصات الثورية في كل بلد.. دعونا نتأمل معا هذا الخروج المكثف للمرأة، والذي يطيح بكثير من الأحكام المسبقة التي صاغتها المجتمعات وكونتها عن المرأة العربية: الخجل، البعد عن السياسة والعمل العام، الاكتفاء بالاهتمامات المنزلية الخاصة.. إلخ. هذا المشهد الثوري للمرأة يعبر فى الحقيقة عن نوعين من التحرر من القهر. النوع الأول باعتبارها مواطنا يعاني القمع والبطالة وصعوبة المعيشة وضغوطات الحياة. وهو نوع عام يجمع المرأة والرجل معا. النوع الثاني وهو قهر يخصها كأمرأة تعاني الدونية والتهميش والاحساس بالظلم والاستبعاد بصورة أو بأخرى من العمل العام ومواقع القيادة. المشهد بعد الثورة في عموميته يدعو للتفاؤل والانشراح، فالمرأة هنا قفزت قفزات سريعة إلى الأمام لتحقيق المساواة مع الرجل. وعلى عكس توقعات المنظمات النسائية الحكومية وغير الحكومية التي كانت تكتفي بمناقشة أحوال المرأة في قاعات أنيقة مكيفة دون النزول إلى الشارع حدثت هذه الثورة النسائية. حسنا.. تصورنا جميعاً أن هذه المشاركة سرعان ما ستترجم إلى مكاسب للمرأة وحضور أبرز لها في حياتنا السياسية، ولكن كثيرا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. إذ وصل إلى السلطة من هم أعداء لتحرر المرأة ومعارضون لتمكينها، كما أنهم أصحاب نظرة تقليدية لدور المرأة ويعملون على تعميم هذه النظرة باعتبارها فريضة دينية على المجتمع بأسره . والمفارقة الحزينة والمريرة أن المكاسب التي كانت قد حصلت عليها المرأة في العقود السابقة على ثورة 25 يناير كادت تفقدها، لتعود إلي وضع ربما يكون أسوأ من ذي قبل. لكن الصورة سادتي ليست بهذه القتامة، فالمرأة بعد الثورة عرفت حقوقها جيدا، وتعلمت كذلك كيف تطالب بها، بل وترفع صوتها عاليا محتجة إذا ما حاول أحدهم أن يساومها، أو يحاول أن يقنعها بوضع لا تكون فيه مساوية تماما للرجل. لم تعد تقف مكتوفة الأيدي أمام الزحف الرجعي وخاضت معارك الدستور بصلابة وقوة. المشهد في الحقيقة لا يزال يشوبه الكثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية. والأسئلة هنا تطرح نفسها بلا إجابة واثقة: هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه المرأة العربية حاضرة بصورة أكبر في مجالسنا النيابية ومؤسساتنا وسائر المناصب القيادية أم أن الطريق ما زال طويلاً؟.. هل أطاحت حقا الثورة ببقايا ثقافة السيطرة الذكورية من ذهن الرجل، أم أنه مازال متحفظا إزاء اقتحام المرأة المجال العام؟.. ربما لا نملك إجابة حاسمة اليوم. ولكن حركة الشعوب في عالمنا المعاصر ومنطق التاريخ يؤكدان أن الغد سيكون أفضل.