رحلات الغردقة- الأقصر تتصدر المشهد.. انتعاش كبير لرحلات اليوم الواحد إلى المناطق السياحية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مناطق فلسطينية في الضفة.. ويداهم منازل ومواقع أثرية    السيسي: لا سلام أو استقرار في المنطقة دون منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة    مصطفى محمد يشارك في تعادل نانت مع رين في الدوري الفرنسي    زمالك 2009 يهزم المقاولون العرب بهدف نظيف في بطولة الجمهورية    التحقيق مع تشكيل عصابي بتهمة النصب علي تاجر بمصر القديمة    وصول وزير الثقافة وأحمد السقا في ختام الدورة 15 من مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    التشكيل الرسمي لقمة مان يونايتد ضد تشيلسي في الدوري الإنجليزي    وزير العمل: مستعدون لتوفير عمالة ماهرة ومدربة لسوق العمل المهني على أعلى مستوى    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    بحضور وزير الرياضة.. ختام استثنائي لبطولة CIB المفتوحة للإسكواش الماسية بفوز مصطفى عسل وهانيا الحمامي    نقابة "العلوم الصحية" تنظم حلقة نقاشية مع الخريجين والطلاب    الإثنين.. بدء تسكين الطالبات بالمدينة الجامعية للطالبات بجامعة الأزهر بأسيوط.    محمد لطفي يطمئن جمهوره: "أنا زي الفل وما نشر عن حالتي الصحية كذب    نورا عبد الرحمن تكشف كواليس مشاركتها في «ما تراه ليس كما يبدو»    الأمم المتحدة: لا دولة قادرة وحدها على مواجهة أزمتي الإرهاب والمناخ    رحيل الفنان التشكيلى مجدي قناوي عن عمر 82 عامًا .. وفاروق حسني ينعيه    اليابان تقرر تأجيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر "حل الدولتين" بنيويورك    الإفتاء تعلن أول أيام شهر ربيع الآخر لعام 1447 هجريا غدا بعد صلاة المغرب    رئيس الجالية المصرية بجدة: زيارة وزير الخارجية إلى المملكة تعكس متانة العلاقات التاريخية    المخرج أكرم فريد يقدم ورشة مجانية للمواهب الشابة ضمن مهرجان بورسعيد السينمائي    فستان جريء.. كيف نسقت نيكول سابا إطلالتها في أحدث ظهور؟    تجديد حبس البلوجر محمد عبد العاطي 45 يوما لنشره فيديوهات خادشة للحياء    الأقصر تستعد لتنفيذ تجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    حملات موسعة لإزالة الإشغالات واستعادة المظهر الحضاري بشوارع الزقازيق    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    بطلق ناري في الظهر.. الأمن يكثف جهوده لكشف لغز مقتل خمسيني بطما    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    ترامب: نجري محادثات لاستعادة قاعدة بغرام بأفغانستان.. وإعادة تأسيس وجود عسكري أمريكي صغير هناك    القسام تنشر صورة "وداعية" للأسرى الإسرائيليين    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    مؤتمر فليك: سنحضر حفل الكرة الذهبية من باب الاحترام.. ويامال سيتوج بها يوما ما    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    إحالة رمضان صبحي للمحاكمة الجنائية بتهمة التزوير داخل إحدى لجان الامتحانات    وزير الصحة: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الطبية    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    وزير الصحة يبحث مع مسئولي هواوي التعاون في التكنولوجيا الطبية    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    «مفرقش معايا كلام الناس»| كارول سماحة ترد على انتقادات عملها بعد أيام من وفاة زوجها    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أناس عاديون في يوم غير عادي
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 01 - 2012

قبل صلاة الجمعة بساعة أو أكثر‏,‏ هل من آخر الممر ضباط ثلاثة بمعاطفهم السوداء وأجهزة الاستقبال والإرسال‏,‏ الصبي المكلف بحمل المشروبات إلي الزبائن أسرع عائدا منصف المسافة بالصنية الممتلئة بأكواب المشروبات وكنكات القهوة‏.‏ ثم همس لمسئول المقهي الجالس خلف مكتبه الخشبي, نهض المسئول بسرعة وهرول في اتجاههم مرحبا بهم وخلفه بعض العاملين ينتقون لهم أفضل الكراسي والمناضد, حضرت أفضل شيشة بسرعة تسعي إلي أحدهم, ورص العامل علي طاولتهم أكواب السحلب المغروس فيه أصابع الشيكولاتة والموز المقشور وتسبح في سائله المكسرات.
بعض الناس العاديين آثروا السلامة وأنهوا مشروبهم بعجالة وغادروا المكان, أما الشباب المنكبون علي لافتتهم يدونون بها شعاراتهم أكملوا ما هم شارعون فيه دونما التفات, ولم يهتم الضباط حتي بالنظر إليهم, كأنما هناك هدنة بينهم والأطراف كلها مجمعة عليها.
وفي موعدها بالضبط, حضرت أم يوسف القبطية الشابة التي لا يتجاوز عمرها الأربعين عاما, جلست في مقعدها المفضل في مقدمة المقهي, خرج العامل من وراء النصبة ليرحب بها بالتزامن مع مسئول المقهي, وحياها باقي العمال من مواقعهم المختلفة, كانوا يحبونها ويتعاطفون معها, فهي خدوم ولا تكاد تغيب البسمة عن شفتيها, وكانت بالرغم من نحافتها الشديدة قوية صارمة, فقد ورثت عن زوجها ورشة الخراطة التي أفني زوجها الراحل عمره فيها, ولم تفرط فيها بالبيع أو الشراء, بل عملت فيها كالرجال وأدارتها كالمحترفين, مقر الورشة كان في السبتية والأجازة الأسبوعية كانت يوم الأحد.
وفي يوم الجمعة الذي يماثل هذا اليوم, كانت تفتح الورشة بعد الصلاة, حبها لهذا المقهي لفت نظري كثيرا ولم أصل إلي سبب معين له, كثيرا ما كنت أراها تترك مقعدها المفضل, وتدخل إلي عمق المقهي لتساعد عامل المقهي في غسل الأكواب والكنكات, وهي تتبادل معه الأحاديث المختلفة التي يتخللها الاطمئنان علي زوجته وأولاده الذين تعرف أسماءهم وأحوالهم بدقة.
وفي العشرة الأواخر من شهر رمضان, كنت أراها منهمكة مع مسئول إدارة المقهي في وزن السكر والبلح, وعد عبوات الزبيب والزيت والسمن, ثم وضعها في أكياس بلاستيكية, تمهيدا لتوزيعها علي فقراء الحي, كما هي عادة صاحب المقهي كل عام, كانت سخية ومعطاءة تمنح العمال هبات مالية يأخذونها منها بعد إلحاح كبير ثم تغادرهم إلي ورشتها.
الضباط الذين أدهشتهم الحفاوة الكبيرة التي يسبغها العمال عليها, جعلتهم يحدقون بها قليلا ثم شيعوها بنظرات لا مبالية والتفتوا إلي أجهزتهم وبدأوا يصدرون أوامرهم بصوت خفيض, واحتاج أحدهم إلي أن يدخل إلي حمام المقهي لقضاء حاجته, فهرع مسئول المقهي يفتح له الباب المخصوص الذي لا يفتح إلا لكبار الرواد.
أذن المؤذن للصلاة فغادر الضباط أماكنهم ورحلوا إلي مهامهم, واتجه بعض الشباب إلي المسجد وبقي بعضهم ممسكا بلافتاته, ومازالت أم يوسف تتبادل الأحاديث الودية مع العمال والزبائن الذين تعرفهم, ثم مر التوأمان بالمقهي في طريقهما إلي مكان الوضوء.
عقب الصلاة امتلأت الشوارع بالمسيرات وتعامل معها الأمن بكل عنف, فر البعض في اتجاهات شتي, وفتح مجدي صاحب مقهي ريش أبواب المقهي للناس حتي يحتموا بداخل المكان, دون تفرقة بين شباب مثقفين وناس عاديين, سافرات أو محجبات, وكان هذا حدثا مهما يجب أن يذكر, فقد انتقدته سابقا وعابت عليه جلوسه في مقدمة مقهاه يفرز وجوه الداخلين, ويمنع بعضهم من الدخول بحجج مختلفة, هذه المرة حركت القسوة التي يتعامل بها الجنود مع الثوار قلبه, أدخلهم المقهي وصرف لهم المياه مجانا وعالج بعضهم وأطعم البعض الآخر, وحينما توالت قذائف قنابل الغاز المسيل للدموع, وأصبح الشارع يسبح في سحابة من الدخان الأسود, أمر عماله بغلق المقهي من الداخل حماية للموجودين.
ثم زادت الأجواء احتداما بالخارج وأصبح الرعب يغلب الواقفين بالداخل والذي يكتظ بهم المكان, وتمكن الغاز من التسلل عبر سفل الباب, وبدأ بعض الموجودين بالداخل في الشعور بالاختناق, والمدهش أن شخصين من الموجودين بالداخل تلبسهما الرعب المخيف, فمضيا يدفعان بغلظة الناس الذين في طريقهما حتي ينفلتان إلي مقدمة المقهي, وعندما وصلا إلي الباب الموصود, لم يهتما بنظافة لبسهما المدني الأنيق, وظلا يخبطان علي الباب الصاج بجنون وهما يصيحان: افتحوا الباب.. حنموت.. إحنا مش معاهم.. إحنا مخبرين.. لم يهتما بمخاطر كشف شخصيتهما بقدر خوفهما من الموت خنقا بين سائر المواطنين العاديين, رفع لهما العامل الباب الصاج حتي خرجا وخرج معهما من ضاق بالمكان. التوأمان أخبراني فيما بعد أنهما أغلقا باب محل التحف عليهما وناما علي الأريكة الصغيرة, التي تكاد تتسع لهما بالكاد, وكلما سمعا صوت طلقات الرصاص التي كانت تنهمر ليلا, كانا يحتضنان بعضا, ويبكيان وهما يرتلان بعض آيات القرآن الكريم, أما القبطية المسالمة المكافحة أم يوسف, فلم يكن حظها الطيب يصاحبها في ذلك اليوم, فقد عاجلتها رصالة غادرة في أثناء هرولتها في ميدان عبدالمنعم رياض, بحثا عن مواصلة تقلها إلي ورشتها, الرصاصة أردتها شهيدة في عصر الجمعة التي سميت فيما بعد ب جمعة الغضب في ال82 من شهر يناير العام الفائت... إلي المحتفلين بالوصول إلي البرلمان الجديد بالبمب والشماريخ والأناشيد, تذكروا الشهداء الذين أوصلوكم إلي هذا المكان واخجلوا.
المزيد من مقالات مكاوى سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.