بعد صدور حكم محكمة جنايات المنيا أمس الأول بدا من ردود الفعل على الحكم اننا مجتمع نسى أو يتناسى البديهيات، وأول هذه البديهيات التى تم نسيانها أنه لايمكن لحكم قضائى يصدره قاض أن يرضى جميع الأطراف. ودائما سيرى أهل الجانى المحكوم عليه أن ابنهم قد تعرض للظلم، متناسين ما ارتكبته يداه من جرم فى حق المجنى عليه. ولهذا جاءت القاعدة القانونية الذهبية »لاتعليق على أحكام القضاء لأن الحكم عنوان الحقيقة« إننا لو فتحنا الباب على مصراعيه لكل من هب ودب للتشكيك فى كل حكم يصدره قاض فسنجد أنفسنا أمام حالة من التشوش والارتباك سيكون لها أبلغ الضرر على المجتمع كله فى المستقبل. وأما البديهية الثانية، فهى أن الحكم هو مجرد حكم ابتدائى (درجة أولى) وهناك درجة ثانية من التقاضى هى الاستئناف، ثم درجة ثالثة هى النقض. ومعروف أن أحكام الاعدام بالتحديد لاتمر هكذا بسهولة فى مؤسسة العدالة، بل يتم التعامل معها بمنتهى الحرص والحذر والدقة، وكم من أحكام إعدام ظلت فى المحاكم سنوات وسنوات قبل أن يتم حسمها. والبديهية الثالثة، أن هناك طرفا ثالثا فى هذه القضية تم نسيانه هو الانسان الذى تم سحله ثم تمزيقه. مع انه هو الآخر مواطن وانسان له أهل وأبناء وزوجة.. فكيف ينسى القاضى حق هذا الانسان وهو ينظر القضية؟ ثم كيف يمكن نسيان عمليات الحرق والتخريب وبث الرعب فى قلوب الأطفال والنساء وكبار السن فى هذه القرى التى شهدت هذا الحرق وذاك التخريب؟ والبديهية الرابعة، اننا مجتمع يخوض حربا ضروسا ضد الارهاب الآن، يعنى نعيش جميعا لحظة استثنائية فى تاريخنا، وما لم يتم الضرب بيد من فولاذ على هذا الارهاب فسوف تضيع مصر كلها. ولعله من المفيد هنا التذكير بما فعلته الولاياتالمتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر. لقد لجأت إلى كل ماهو استثنائى من إجراءات وقوانين لحماية شعبها. ومعلوم أن أمريكا هى قلعة الديمقراطية فى العالم، فلماذا نستكثر على مصر أن تلجأ لكل ما هو ممكن لحماية شعبها وأمنها القومى؟ وتبقى بديهية خامسة، وهى أن العنف يولد العنف، وإذا تساهل المجتمع فى دم إنسان واحد وسمح بقتله فسيكون المجتمع كأنه سمح بقتل الناس جميعا. إن بديهية البديهيات هى أن لكل جريمة عقابا، فإذا اختفى العقاب أصبحت كل الدماء عرضة للهدر المجانى. والوحيد المكلف بتوقيع العقاب هو القاضى فلا تنسوا ذلك! لمزيد من مقالات رأى الاهرام