فى لحظات معينة من التاريخ لا مجال لأن تلوذ بالحياد أو المواقف النظرية، فأنت بذلك توجه رسالة عكسية تؤكد بها للمعتدى قدرته على مواصلة عدوانه على المجتمع والإفلات بجريمته من العقاب، وأنت بذلك أيضاً تدعو باقى المجتمع لنهج أسلوب العنف والعدوان وتجاهل القانون وعدم الاعتراف به. وربما يجوز فى السياسة أن تعمل التوازنات والمواقف الملتوية من باب أن السياسة ملعب للمناورة الذكية، يمكن فيها أن تلجأ للحياد أو المواقف الملتبسة، وأن تعلن نصف ما تراه وتترك النصف الباقى لتحليل المحللين حتى لا تتحمل تبعاته، وتجعل منهم مسئولين عما يصدر عنهم سواء كنت مؤيداً له أو رافضاً. لكن كل ذلك لا يجوز عندما يواجه وطن خطر تفشى العنف وانتشار الإرهاب الذى يؤدى لأزمات اقتصادية طاحنة ويهدر طاقات البلد، وقبل كل ذلك يسلب البشر أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى الحياة، ولأن الإرهاب ظاهرة استثنائية فإن مواجهته بالأوضاع الطبيعية أمر شاق للغاية. لا يعنى ما سبق دعوة لتبنى قرارات استثنائية وخرق الحقوق والقوانين الطبيعية وضمانات الحرية لكنه يعنى أن المجتمع نفسه يصبح وهو يواجه الإرهاب فى حالة استنفار استثنائية، تدفع جميع أطرافه إلى التعامل وفقاً لقواعد مختلفة مع مرتكبى جرائم الإرهاب والعنف. لقد عاشت مصر ثلاثة عهود تكتوى بنار الإرهاب الذى تسبب فى تعطيل مسيرة الديمقراطية وكرس قواعد انتهاك القانون استجابة لظروف استثنائية استوجبت إجراءات استثنائية من الدولة لحماية الوطن والناس، والغريب أن إعاقة مسيرة الديمقراطية وجدت تعاطفاً وقتها من قطاعات ليست بالقليلة منحت مكافحة الإرهاب أولوية على الحقوق. ولم يفلح وقتها مع الرأى العام الالتواء والمواقف الوسط وإمساك العصا من المنتصف بعد أن اكتوى الناس بنار الإرهاب مباشرة فى تفجيرات المقاهى والشوارع والمدارس، والرصاص المتطاير فى الطرقات، ووقتها رفض الناس أى تبريرات للإرهاب وتمسكوا بوضوح بمواجهته بعد ما أصاب حقوق الناس من أضرار. واللافت للنظر أن البعض عقب ثلاثة عهود مضت على موجة الإرهاب الأولى، يعودون الآن للتلاعب بالألفاظ، ويحاولون الإيحاء بأن مصر مقبلة على خطر حرب أهلية وهم يعلمون جيداً كيف يناورون ويحاولون الإمساك بالعصا من المنتصف، معتبرين أن إعلان الشعب تأييده لمؤسسات الدولة فى مكافحة الإرهاب بمثابة تفويض بالقتل وإشعال حرب أهلية، وهم لا يدرون أن تكاتف المجتمع كان من أهم عوامل مكافحة الإرهاب. المؤسف أن يعتبر البعض مكافحة الإرهاب بمثابة حرب أهلية، وما يزيد الأسف أن هؤلاء المنتمين للنخبة لا يستطيعون التفرقة بين الحرب على الإرهاب وبين الحرب الأهلية، فالحرب الأهلية تقع بين قوى اجتماعية تتصارع على الشرعية.. والإرهاب لا شرعية له حتى نقول إن الحرب عليه حرب أهلية. حقيقة الأمر أن الشعب الذى ثار مرتين ضد حكامه بالمخالفة لكل القواعد التاريخية، هو شعب قادر على الثورة مرة ثالثة إذا خذله حكامه مجدداً، وهو شعب بات يستطيع التمييز بين إجراءات مكافحة إرهاب وبين عدوان لن يقبله تحت أى ظرف على الحقوق والحريات.. دعونا نتفق على مكافحة الإرهاب وتنفيذ خارطة الطريق وقبول المصالحة وفقاً لقواعد القانون والعدالة، ودعونا نتجاوز أنصاف المواقف «اللولبية».