كلمة «حصانة» لها وقع سلبى فى أذهان المصريين، حيث ارتبطت بما هو شائع فى الأعمال الدرامية فى السينما والتليفزيون عن استغلال بعض أعضاء البرلمان للحصانة التى يقررها القانون لهم باعتبارهم نواباً عن الشعب.. لمصالح شخصية ولكن.. " الحصانة "المقررة فى القانون الدولى للدبلوماسيين، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحصانة المرتبطة بالنواب.. بل هى أمر مختلف تماماً. ومبدئياً يجب التأكيد أن الدبلوماسيين المصريين الذين يعملون بوزارة الخارجية المصرية بجميع درجاتهم ليست لهم أى حصانة أو امتيازات على الأراضى المصرية.. فحال وجودهم فى مصر هم كسائر المواطنين فى الحقوق والواجبات.. فهم يتمتعون فقط بالحصانات والمزايا الدبلوماسية التى تمنحها لهم الدول الأخرى طبقاً للقانون الدولى ومبدأ المعاملة بالمثل وذلك فى أثناء وجودهم فى الدول الموفدين إليها.. مثلما تمنح مصر حصانات ومزايا مماثلة للسفراء والدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لديها. بدأ العرف الخاص بتوفير «حماية» معينة للمبعوثين بين الدول منذ مئات السنين.. أى حتى قبل وجود التمثيل الدبلوماسى الدائم فى العلاقات الدولية. فالمبعوث "أو حامل الرسالة" بين الأمراء والأباطرة والحكام، كانت له على الدوام حماية تقضى بعدم التعرض له بسوء.. وكان قتل المبعوث أو إهانته عاراً لا يليق بشرف الأمراء والدول المحترمة.. أياً كانت المهمة التى قدم من أجلها.. للتهنئة أو العزاء أو المفاوضة أو طلب الصلح والمصاهرة بين العروش. وبعد نشأة التمثيل الدبلوماسى الدائم بين الأمم .. ورغم وجود العديد من الأعراف غير المكتوبة التى تنظم عمل السفراء والمبعوثين، فإن الأمر لم يخل من مناوشات ومشاكسات بين السفراء.. كل سفير يحاول انتزاع مكانة مميزة له وبالتالى لدولته.. والتاريخ حافل بالعديد من الطرائف فى هذا الشأن. ففى عام 1661 كاد الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا ان يشن حرباً على اسبانيا لأن عربة سفيرها زاحمت عربة سفيره وتقدمت عليها وأصابت حصان العربة!! وفى عام 1768 نشبت مبارزة بين سفيرى روسياوفرنسا بدعوى أن السفير الروسى قام بدفع كرسيه إلى الأمام متقدما على نظيره الفرنسى خلال احد الاحتفالات فى العاصمة البريطانية لندن. لذلك اهتم المجتمع الدولى بوضع قواعد مكتوبة للمراسم الدبلوماسية وهو ما حدث عام 1815 من خلال لائحة فيينا للعلاقات الدبلوماسية والتى أكملها " برتوكول اكس لا شابل " عام 1818. وبسبب ما وجه إلى اللائحة والبروتوكول من انتقادات.. تم وضع " اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية" عام 1961 بتوافق كل دول العالم، وتبعتها اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عام 1963، حيث مازالت الاتفاقيتان هما الإطار القانونى الذى ينظم كل ما يتعلق بالبعثة الدبلوماسية منذ إنشائها وحتى انتهائها ، إذا تقرر إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. هاتان الاتفاقيتان تضمنتا بنوداً مهمة عن الحصانات والمزايا الدبلوماسية.. وهى حقوق لا تستهدف تمييز حامل الصفة الدبلوماسية عن غيره.. ولكن هدفها تسهيل مهمته، وتوفير الضمانات والحريات التى يتطلبها القيام بدوره المهم فى العلاقات بين الدول فى اطمئنان وثقة. وهى حصانات لها أشكال عديدة.. مثل حصانة مقر البعثة الدبلوماسية ومنزل السفير والحقائب والمراسلات الدبلوماسية إضافة إلى الدبلوماسيين أنفسهم. وبالإضافة إلى الحصانات الدبلوماسية.. توجد "مزايا دبلوماسية" أيضاً لأعضاء البعثة الدبلوماسية وهى تستند بصفة أساسية إلى مبدأ المعاملة بالمثل المعترف به دولياً مثل إعفائهم من بعض الأعباء المالية كالجمارك والضرائب أو استثنائهم من بعض النظم الإجرائية لتسهيل معيشتهم... أما أهم الحصانات والمزايا التى يتمتع بها الدبلوماسيون، وعواقب سوء استغلال البعض لهذه الحصانات والمزايا .. فسوف يتم تناوله فى حلقة أخرى.