حين نتحدث عن "السفير الضرورة"، فإننا لن نجد لحمل مثل هذا اللقب أفضل من سيرجى كيربيتشينكو، السفير الروسى بالقاهرة بوصفه "السفير المناسب" فى "السياق المناسب" فى "البلد المناسب". وعن "السفير المناسب" فى مثل هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ علاقات تبدو مُثقلة بأخطاء ساسة وإعلاميين افتقدوا صواب الرؤية وسداد القرار، نقول أن كيربيتشينكو يمكن أن يكون فى مثل هذا التوقيت الفارس "المناسب" لتصحيح ما شاب المسيرة من عوار، وما اعتراها من أخطاء، يشد من أزره ما اختزنه من تجارب وخبرات عبر سنوات عمله الطويلة فى معظم البلدان العربية منذ رئاسته لقسم بلدان الخليج فى وزارة الخارجية السوفيتية، التى أعقبها بمنصب القائم بأعمال السفارة السوفيتية الروسية فى المملكة العربية السعودية 1991-1995 اى بعد اتخاذ قرار استئناف العلاقات بين البلدين لأول مرة بعد قطيعة دامت لما يزيد على الخمسين عاما. وكان كيربيتشينكو عمل بعد عودته من السعودية نائبا أول لمدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى جهاز الخارجية الروسية، قبل سفره إلى الإمارات العربية المتحدة سفيرا لبلاده خلال الفترة 1998 2000، ثم ليبيا فى 2000-2004، ومنها الى سوريا فى 2006 2011، قبل انتقاله الى القاهرة خلفا لميخائيل بوجدانوف الذى عُين نائبا لوزير الخارجية الروسية. لكن وقبل كل هذا وذاك، يبقى سيرجى كيربيتشينكو سليل أحد ابرز عائلات "الاستعراب السوفييتى الروسي" التى طالما ارتبطت وعلى مدى عقود طوال، بالمنطقة العربية ورموزها السياسية والثقافية. فقد ولد السفير كيربيتشينكو عن أب عمل مع مطلع شبابه فى سفارة الاتحاد السوفييتى بعد ثورة يوليو 1952 عقب تخرجه فى معهد اللغات الشرقية التابع لجامعة موسكو، وأم كانت ولا تزال أفضل من ترجم روايات نجيب محفوظ إلى العربية، بحكم عملها كأستاذة للأدب العربى فى معهد الاستشراف التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. أما عن سيرجى خريج معهد العلاقات الدولية التابع للخارجية الروسية، فقد ارتبط بالقاهرة ولم يكن تجاوز الثالثة من العمر حين جاءها برفقة أبويه فى عام 1954 ليقضى بها ما يزيد على الست سنوات. ولم يغب سيرجى عن القاهرة طويلا حيث سرعان ما عاد إليها ضيفا على والده الجنرال كيربيتشينكو الذى أوفدته بلاده ثانية للعمل فى القاهرة فى 1970-1974، بعد "مأموريتين قصيرتين" فى كل من اليمن وتونس..كانتا أيضا إضافة إلى تاريخ سيرجى كيربيتشينكو الذى حرص على أن "يورث" ابنه فاديم حُبًه للغة العربية وهو الذى يعمل اليوم نائبا لرئيس قسم مصر بوزارة الخارجية السوفيتية. أما عن الوقت المناسب الذى جاء فيه «السفير المناسب»، الى «البلد المناسب»، فنقول إن انتقاله فى عام 2011 من سوريا إلى القاهرة تم فى إطار "حركة تنقلات داخلية" أكدت مفرداتها أقصى درجات براعة الانتقاء، وفراسة الاختيار من جانب عميد الدبلوماسية الروسية والعالمية سيرجى لافروف بمباركة رئيسه فلاديمير بوتين، الذى لم يجد أفضل من السفير سيرجى كيربيتشينكو لتعيينه فى مصر خلفا لبوجدانوف الذى انتقل الى موسكو مبعوثا شخصيا للرئيس بوتين ونائبا لوزير الخارجية. وثمة من يسوق هذه التغييرات كأفضل نموذج كان لمصر ان تراعيه لدى اختيار سفرائها لدى بلد طالما أوفد إليها ابرز سياسييه ودبلوماسييه. جاء سيرجى كيربيتشينكو الى القاهرة ليدير منها الكثير من ملفات العلاقات الإقليمية والدولية فى توقيت تنتظر موسكو فيه أن تكون "السياق المناسب" للعودة إلى صدارة الساحة الإقليمية من اجل ترتيب أفضل لأوضاع البيتين العربى والإفريقي، وإيجاد الحلول الأنجع لأخطر قضايا العصر المرشحة للتصاعد فى الفترة القريبة المقبلة وفى مقدمتها قضايا المياه والإرهاب وتيارات الإسلام السياسي. ولعله من غرائب الصدف أن يكون الأب فاديم كيربيتشينكو احد أول من التقى الزعيم جمال عبد الناصر فى عام 1955 فى معرض إعداد لقائه مع دميترى شيبيلوف مبعوث نيكيتا خروشوف إلى القاهرة فى عام 1955، فيما كان الابن سيرجى كيربيتشينكو اول من التقى المشير عبد الفتاح السيسى قبيل المباحثات التاريخية فى إطار "آلية 2+2" فى القاهرة فى نوفمبر 2013. ولكم كان غريبا أيضا ان يُحْكِم القدر حلقاته بتولى الحفيد فاديم كيربيتشينكو مهمة ترجمة مباحثات المشير السيسى ووزير الخارجية نبيل فهمى فى موسكو فى فبراير من العام الحالى!.