في الماضي وفى زمن الفن الجميل كانت تقوم القيامة على أي ملحن كبيرا كان أم صغيرا، فيما لو وردت فى إحدى الحانه جملة إستمع إليها الناس قبلا فى إحدى المؤلفات الموسيقية العالمية، حتى لو كانت هذه الجملة عابرة، أو كانت قصيرة، أوحتى لو كانت غير أساسية فقد كان المستمع دائما يصاب بالغضب وخيبة الأمل معا، ويحس أن الملحن العربي الذى قدم له هذه الجملة وسط عمل من تلحينه انما يخدعه، وتعلق لهذا الملحن المشانق الأدبية والمعنوية، وتجلده أقلام النقاد وأهل الصحافة، وتسقطه الجماهير من مسامعها، فينزوي ويموت وهو على قيد الحياة. ومن أشهر تجارب المستمع العربي فى هذا المجال، تجاربه مع الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب فى فترة الثلاثينات والأربعينات بالذات، عندما كان انفتاحه على الموسيقى العالمية فى أوجه، يومها شنت حملة قاسية على عبدالوهاب واتهموه بالسرقة،ولولا موهبة موسيقارنا الكبيرة لكان إنتهى، غير أن الأمور تطورت بعد عبدالوهاب فانتقلنا إلى مرحلة جديدة وهى نقل قطع موسيقية كاملة من مؤلفات ملحنين عالميين، وفى السنوات الأخيرة أصبح الإقتباس والسرقة من ملحنين أتراك، وأيضا من ملحنين عرب. وقائمة الأعمال المسروقة أو « الملطوشة» فى الفترة الأخيرة باتت تصفع الآذان صباحا ومساء، وأصبح السطو علنيا وليس على « مازورة لحنية واحدة» وإنما على أغنيات بكاملها سواء لعبدالحليم حافظ أو محمد فوزي أو شادية وغيرها كثير من الأغنيات التى لحنها مبدعون بحق مثل « محمد عبدالوهاب، بليغ حمدي، محمد سلطان، كمال الطويل، محمد الموجي، منير مراد، حلمي بكر وغيرهم، وقائمة السرقات طويلة ومن الصعوبة بمكان حصرها، خاصة أن كثير من الملحنيين الموجودين الآن لم يعودوا يكتفون بالسرقة المحورةوالمحرفة لأن الأمر بنظرهم متعب، ولذا فكر البعض فى أمر سهل وبسيط ويتمثل فى نقل اللحن بكامله من دون أي تحريف فيه، ولأن أحدا لا يحاسب أحدا فى ظل عدم الوعي والثقافة المنتشر الآن فى الصحافة الفنية، فقد أصبحت السرقة اللحنية أمرا مشروعا وغير مخجل وصارت محط مباهاة ، يفتخر بها السارقون للألحان ويزايدون عليها أمام بعضهم البعض، وكأن العمل يعود إليهم في الأساس.
أخر هذه السرقات والتى يتم تداوله الآن على مواقع الأنترنت هى لحن أغنية « يا بنات يا بنات» التى غنتها المطربة نانسي عجرم مؤخرا، وكانت ضمن ألبومها الثانى للأطفال و الذى حمل عنوان الأغنية، من ألحان وليد سعد، ، فقد كشف عشاق الطرب بالصوت والصورة أن اللحن الذى صاغه وليد سعد وحقق نجاحا كبيرا مؤخرا مقتبسا من أحد ألحان عمنا الموسيقار الكبير « إبراهيم رجب» للفنانة الإستعراضية نيللي فى حلقة من حلقات فوازير « الخاطبة». وإبراهيم رجب للأجيال الجديدة التى لا تعرفه هو الملحن المصري الوحيد الذى كان مؤمنا بعد سيد درويش بالغناء الجماعي وليس الفردي، لهذا تمت محاربته من مطربيين كبار جدا فى الستينات والسبعينات، وهو صاحب هذه الألحان .. « يا بلدنا لا تنامي» و«من قلب المواكب» للمجموعة ومن بعد نجاحهما قام بغنائهما عبدالحليم حافظ، وهو أيضا صاحب « أنا عايز صبية» لمحرم فؤاد، و«يما زقزق الأمري» و» تعيشي يا بلدي» لماهر العطار، و»«مجاريح» لمحمد رشدي، و « بيوت السويس» لمحمد حمام، ورائعة صلاح جاهين « القمح مش زى الدهب»، وهو أيضا صاحب أغنيات فيلم « «الكيت كات» وغيرها من الروائع التى تعدت الألف لحن. و«ملحق الجمعة» يهمس فى أذن الملحن الموهوب وليد سعد صاحب أشهر الألحان الناجحة فى العقدين الأخيرين لعدد كبير من مطربي مصر والعالم العربي،أن استعارة جملة موسيقية من التراث الفولكلوري أو من مؤلف معروف لتطويرها وتقديمها بقالب موسيقى جديد أمر مشروع، بل وخلاق فى بعض الحالات، أما نقل الحان الآخرين كما هي، ووضع الاسم عليها فهذا عمل ليس له سوى إسم واحد فقط هو السرقة!.