المفهوم العملي للديمقراطية يتحدد في أنها فن إدارة الاختلاف, ففي النظم الديمقراطية تتعدد الرؤي وتتنوع الآراء, وتقاس مدي قوة النظام الديمقراطي بقدرته علي إدارة الخلاف بين القوي المتنوعة للوصول إلي القرار السليم. . وفي ظل أي نظام ديمقراطي يؤمن الجميع بثقافة الاختلاف, لأنها الضمانة الأساسية للحفاظ علي الديمقراطية وبدونها تتحول الديمقراطية إلي فوضي, عندما يتمسك كل طرف برأيه ويحاول فرضه علي الآخرين بالقوة, فيهدم المعبد علي ما فيه. لذلك, فإن الخلاف في الرؤي الموجود الآن بين بعض القوي السياسية والحركات الثورية, يمثل ظاهرة صحية تتسق مع الديمقراطية التي نادت بها ثورة يناير. لكن افتقاد البعض لثقافة الاختلاف هو المشكلة التي تسبب بعض الظواهر غير الصحية التي تتنافي مع الديمقراطية مثل قطع الطرق أو تبادل الاشتباكات أو محاصرة مبان عامة. وإذا كنا قد نجحنا في إسقاط نظام جثم علي صدر مصر30 عاما وحولها إلي عزبة لبعض رجال الأعمال, الذين كانوا يدعمون منظومة التوريث, فإن التحدي الحقيقي لنا الآن هو بناء نظام ديمقراطي جديد يستوعب كل القوي السياسية ويتفاعل مع جميع الآراء. ولن ننجح في ذلك إلا عبر محورين أساسيين, الأول هو بناء مؤسسات الدولة علي أسس ديمقراطية.. وقد بدأنا بمجلس الشعب, والثاني هو اقتناع كل القوي السياسية والحركات الثورية بمفهوم ثقافة الاختلاف, والوصول إلي أسس لإدارة الخلافات في الرؤي بشكل ديمقراطي صحيح يسهم في بناء النظام الجديد ولا يستهدف فقط تحطيم الدولة. فالبناء أصعب دائما من الهدم ويحتاج إلي عقول واعية وسواعد قوية.