من يؤجج نار الخلاف بين القوي الثورية.. ويدخلها في متاهات وجدل سفسطائي ليبعدها عن هدفها الأصيل.. ينفخ في نار الاختلافات ليتناثر رمادها فيغشي العيون الثائرة فتحيد عن الطريق.. طريق رسمه الجميع واتفق عليه الكل.. يمينا ويسارا.. مسلما ومسيحيا.. رجلا وامرأة.. ليبرالياً وإسلامياً.. شيوعياً وسلفياً.. كان الكل في واحد.. هدف مشترك نبيل وهتاف موحد وطني أصيل وعزم وإصرار لا يلين.. هكذا كانت الصورة في الميدان طوال الثمانية عشر يوما هي عمر الثورة البيضاء.. مشهد رائع كنا نود أن يدوم.. إلا أن سريعا ما ظهر الخلاف بين القوي الثورية بشكل فاق ماكنا نتوقعه.. أياد كثيرة ساهمت ولعبت دورا من أجل تشويه الصورة.. من أجل أن تنال من نبل الثورة ونقائها. مابين جدل عقيم حول الدستور أم الانتخابات أولا ومابين تصريحات متسرعة تصدر من هذا التيار لتنال من تيار آخر. ومابين اتهامات من المجلس العسكري لبعض القوي الثورية بالعمالة والتخوين واتهامات مضادة من هذه القوي بالتباطؤ والتواطؤ.. بين تصريح غاضب هنا وآخر مستفز هناك تزايدت حدة الخلافات واشتعلت نيران الفتنة.. نيران لو تركناها علي حالها لأحرقت أجمل ماصنعنا.. ومع ذلك يبدو إخمادها أمرا غير مستحيل.. فقط يتطلب إرادة قوية وفضيلة الاعتراف بالخطأ.. وأول الأطراف الذي يجب عليه القيام بذلك هو المجلس العسكري.. نظرة متعمقة ينبغي أن يقوم بها لكل ما أصدره من قرارات وقوانين.. كان البطء هو السمة الأبرز فيها لذلك غالبا ما تأتي بعد فوات الأوان. وهي أيضا لا تأتي متأخرة وإنما تأتي في كثير من الأحيان بشكل فوقي وبدون الرجوع للقوي السياسية.. وحتي في المرات القليلة التي يفتح فيها باب الحوار مع القوي السياسية حول قانون ما.. يأتي هذا الحوار مجرد تحصيل حاصل ويصدر القانون علي صورته الأولي وكأن لسان حال المجلس »انتقدوا ماشئتم ونحن سنفعل مانريد«. هو منطق مرفوض يعيدنا إلي أسلوب النظام الفاسد السابق ويتناقض تماما مع ثورة رفعت شعار الحرية والديمقراطية وماقامت إلا لتحقيقها.. علي جانب آخر من المهم أن تعيد القوي الثورية النظر في ردود أفعالها التي اتسمت أحيانا بالتسرع والتخوين وإطلاق كل طرف لسيل من الاتهامات للطرف الآخر.. علي جميع القوي الوطنية أن تسعي علي إعادة الالتئام وإستعادة روح ميدان التحرير.. حيث الكل في واحد.. والهدف واحد.. من المهم أيضاً أن تراجع القوي الإسلامية مواقفها وأن تلتزم بتعهداتها.. أن تعي أن الدين لله والوطن للجميع.. أن تعيد النظر في خطابها السياسي وتتقن لغته وتدرك أن أحداً لن يكسب لو انفرط عقد القوي الثورية.. علي الكل أن يعلم أن الهدف لم يتحقق وأن تحقيقه لن يتم سوي بلم الشمل ليس فقط بمجرد مليونية الجمعة أو إفطار الوحدة.. وإنما يتم من خلال قناعة ويقين كل فصيل سياسي بأن نجاحه مرهون بنجاح الثورة وأن نجاحها لن يتم إلا من خلال توافق القوي في بناء نظام ديمقراطي جديد علي أسس سلمية وبنفس روح التلاحم التي كانت عليها عندما نجحت في هدم النظام السابق. أقدر أن البناء أصعب بكثير من الهدم.. لكن يقيني أيضا أن هذا التحدي يمكن مواجهته بسهولة لو خلصت النوايا واتحدت الأيدي والقلوب وتوحد الهدف.. فمصر تحتاج منا الكثير.. ولن ننجح إذا ما فتحنا آذاننا وعقولنا لكل محاولات زرع الفتنة وما أكثرها.. فإياكم والفتنة .. لعن الله من أيقظها!