تراوحت محاولات فهم السلوك التصويتى للمصريين عقب ثورة 25 يناير 2011 بين ثلاث فرضيات، الأولى استندت إلى تصاعد الهوى الإسلامى، وميل المصريين للتصويت لمشروع الإسلام السياسى على حساب المشروع المدنى الديمقراطى. أما الفرضية الثانية، فتستند إلى حالة «التمايز الاجتماعى» بين الريف والحضر أو الغنى والفقر. فى حين ذهبت الفرضية الثالثة، إلى «صراع النخب» حيث توجد نخبة قديمة تحاول الحفاظ على مصالحها، وأخرى جديدة تحاول بناء نظامها الجديد. وفى الواقع، لا يمكن الاستناد إلى فرضية واحدة من الثلاثة لفهم وتفسير سلوك التصويت فى الانتخابات الماضية، إلا أنه من المؤكد أن قواعد وبيئة اللعبة الانتخابية بعد 30 يونيو مغايرة تمامًا عما قبلها، وهو ما سيؤثر لا محالة فى نمط وطرق تصويت المصريين.
أولا: البيئة التنافسية فى الانتخابات الرئاسية لا شك فى أن البيئة التنافسية لأية عملية انتخابية هى جملة من العوامل والمعايير (الإيجابية) التى يجب توافرها عند إجراء أى انتخابات، وحتى يمكن أن يطلق عليها انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. والبيئة التنافسية للانتخابات الحالية هى محصلة مجموعة من العوامل والمحددات، والتى لن تتخطى جملة المعايير التالية: 1 - استعادة الاستقرار السياسى والأمنى، حيث توجد علاقة ارتباطية بين الاستقرار السياسى والأمنى وعملية المشاركة فى الانتخابات. بمعنى كلما زاد الاستقرار الأمنى والسياسى فى بلد ما ارتفعت نسبة المشاركة فى العملية الانتخابية تصويتًا وترشيحًا. 2 - الإطار القانونى والدستورى، بمعنى أن تكون الشروط الواجب توافرها في المنتخب رئيسًا وكيفية الترشح والرقابة على العملية الانتخابية واضحة للجميع، ولا يوجد فيها غموض، حتى لا يفتح الباب أمام التلاعب أو التزوير، أو حدوث لغط أو تشكيك فى نتيجة الانتخابات، كما يجب ألا يستبعد هذا الإطار أحدا من الترشح، طالما توفرت فيه الشروط القانونية. 3 - الاصطفاف السياسى خلف المرشح، أثبتت ثورة 25 يناير فشل ما يسمى التيار المدنى، وذلك بسبب تشتته وانقسامه وعدم امتلاكه رؤية للمستقبل. وهو ما انتج حالة الارتباك في المشهد السياسي، وعدم الاتفاق على موقف موحد من أمور عديدة ليس أقلها إرباك العسكري في الاعتماد عليهم في مواجهة تيار الإسلام السياسي الأكثر تنظيمًا. وبالتالى فإنه من الأفضل لأى مرشح مدنى – مستقل أو حزبى- أن يجمع حوله أكبر عدد ممكن من هذه الأحزاب والقوى السياسية الثورية. 4 - التوجه الخارجي لمصر، لعل أحد أهم القضايا فى برنامج أى مرشح للانتخابات، هو ملف العلاقات الخارجية، ومن ثم فإنه على أى مرشح التأكيد على إعادة رسم العلاقات المصرية الخارجية من خلال ما يلى: إعادة العلاقات مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى على ما كانت عليه قبل 30 يونيو. والتركيز على حل مشكلة المياه مع دول حوض النيل، والسعى إلى الوصول إلى إتفاق مع أثيوبيا على وجه التحديد. وكيفية الاستفادة من الدعم العربى عموما والسعودى الإماراتى خصوصا فى إعادة الدور الإقليمى لمصر، 5 - توفير التمويل الانتخابى، إن شفافية ونزاهة تمويل الحملات الانتخابية أمر مهم لأن من شأنها زيادة ثقة المواطنين فى النظام السياسى وبناء ثقافة سياسية إيجابية. لذا من الصعب النظر إلى موضوع تمويل الحملات الانتخابية باعتباره مسألة مالية فقط، ترتبط برصد مبلغ مالى للإنفاق على اجتماعات ومطويات وملصقات، إذ أن إنفاق المال قد يكون مقرونًا بتوجه سياسى وبفكرة محددة. وفى هذا الإطار يمكن القول أنه من الثابت على مستوى العالم، فى الدول الديمقراطية الغنية والفقيرة، أن هناك ارتفاعا فى سقف الإنفاق المالى على الحملة الانتخابية. 6 - حيادية وسائل الإعلام، فى المجتمعات الفقيرة، والتى يرتفع فيها نسبة الأمية، تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا ومؤثرًا فى توجيه الناخبين، وذلك من خلال تشكيل وعيهم أو انطباعاتهم عن المرشحين. ومن ثم على المرشحين التأكيد على ضرورة احترام وسائل الإعلام القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، والتزام الحيادية عبر مواثيق شرف انتخابية تطبق على أرض الواقع. 7 - إدارة انتخابية مستقلة، ترتبط جودة الإطار القانوني والتنظيمي بجودة تطبيقه على أرض الواقع. فالإدارة الانتخابية مسئولة عن تنفيذ العمليات الانتخابية التزاماً بما تنص عليه القوانيين، وذلك بحيادية وموضوعية وبعيداً عن المؤثرات السياسية. والإدارة الانتخابية المحايدة هي تلك التي تتعامل مع كافة الأحزاب السياسية والمرشحين وتعاملهم بالتساوي ودون محاباة أو تمييز، وفيما عدا ذلك، فلو نظر للإدارة الانتخابية على أنها منحازة، فإن ذلك من شأنه نسف ثقة الجمهور في العملية الانتخابية والنظام الانتخابي برمته. ثانيا: سمات المرشح الأوفر حظا هناك مجموعة من السمات الشخصية للمرشح والعوامل التي تدعم حظوظ المرشح في الفوز بالانتخابات، منها: أولا، أن يكون شخصية توافقية تنتمى لمعسكر الثورة، أو على الأقل، تؤمن بأفكارها ومبادئها وأهدافها، ويحظى ليس فقط بقبول شعبى ولكن أيضًا بتأييد القوى الشبابية التى باتت مؤثرة فى أية عملية انتخابية. ويقصد بالتوافق أن تكون هناك حالة «شبه إجماع» من جانب بعض قوى المجتمع على ترشيحه، والوقوف خلفه كمرشح للقوى الثورية. ثانيا، أن يكون شخصية مؤسسية، بمعنى أنه كلما كان المرشح ينتمى إلى حزب كبير أو له أنصار فى ربوع المحافظات تكون فرصه فى الفوز أكبر، أو على الأقل يتيح له تكوين فريق لإدارة الحملة بشكل مؤسسى ومنتشر فى المحافظات المختلفة. والمؤسسية لها مميزات، منها: توفر قدرًا كبيرًا من المتطوعين للعمل فى الحملة الانتخابية. ومساهمة الحزب أو أنصار المرشح فى تحمل جزء كبير من أعباء نفقات وتكاليف الحملة الانتخابية. والمساعدة فى تخطيط الحملة الانتخابية وتنفيذها، وذلك لأن الرؤية المؤسسية عادة ما تكون أوسع وأشمل من الرؤية الفردية. وأخيرًا، توفير مندوبين للمرشح فى جميع المراكز الانتخابية. ثالثا، فريق محترف لإدارة الحملة الانتخابية، أن التخطيط العلمى الدقيق للحملة الانتخابية له دور مهم فى ضمان نجاح مرشح عن الآخر. ولا بد أن تتسم الحملة بعدة نقاط، هى: الانتشار فى جميع المحافظات والمراكز والمدن المصرية دون استثناء، مع التركيز على المحافظات الأكثر كثافة تصويتية. وتطبيق مبدأ «اللامركزية فى إدارة الحملة»، بمعنى أن يكون للحملات الفرعية فى المحافظات سلطة اتخاذ قرارات، أو تلقى أموال، وسرعة إجراء مؤتمرات أو مسيرات انتخابية، مع التنسيق فقط مع إدارة الحملة المركزية بشكل دائم ومستمر. وأخيرًا، إيجاد آلية دورية لمراقبة العاملين فى الحملة الانتخابية، ومحاسبة أولئك الذين أهملوا فى أداء المهام المنوطة بهم، حتى تتسم الحملة بالدقة والحزم أولا، ومنع أية محاولات لاختراق الحملة من المرشحين الآخرين ثانيا. رابعا، السمات الشخصية، حيث تلعب االسمات والخصائص الشخصية للمرشح (أسلوب الحديث، المظهر، القدرة على الإقناع، ..إلخ) دورًا مهمًا فى العملية الانتخابية، من حيث قدرة المرشح على إقناع جمهور الناخبين بأنه الأفضل والأكثر قدرة ومهارة فى إدارة البلاد فى هذه المرحلة الفارقة فى حياة الدولة المصرية. وأخيرًا، البرنامج الانتخابى للمرشح يبقى هو أحد أهم الدعائم الأساسية للمرشح، وذلك ليس فقط لإقناع الناخبين بأنه الأجدر للفوز بمقعد الرئاسة ولكنه يتضمن روشتة العمل التى سوف يقوم من خلالها على تحقيق رغبات وطموح الشعب من جانب، وأن جمهور الناخبين سوف يحاسبه أيضًا على ما قطعه على نفسه فى هذا البرنامج. وبالتالى لابد أن يأتى البرنامج الانتخابى للمرشح معبرًا عن أهداف وطموح ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وأن يحمل أفكارًا وشعارات قابلة للتنفيذ والتطبيق .