مما لاشك فيه أن حاجات المجتمع الحديث لا يمكن إشباعها دون وجود البحث العلمي، لاسيما أن صلة البحث العلمى وحاجات المجتمع يمكن التماسها فى كل المجالات الزراعة والصناعة وفى التربية والإدارة أو فى غير ذلك ويعانى مجتمعنا اليوم من إشكالية العلاقة بين البحث العلمى والواقع الاجتماعي، فلايزال البحث العلمى عاجزا عن الاستجابة الجدية لمشكلات المجتمع، فهو يعيش فى معظم الاوقات مع نفسه، فالواقع يشير إلى وجود انفصال بين البحوث الاجتماعية ومشكلات المجتمع، ويرى الكثيرون أن معظم البحوث التى تجرى فى الجامعات ومراكز البحوث مجرد تقارير ورقية توضع فى المكتبات ولايستفيد منها أحد، والهدف منها ترقية أعضاء هيئة التدريس وهيئة البحوث وليس خدمة مشروعات التنمية، فهناك على الجانب الآخر العديد من البحوث التى تكشف عن مشكلات عديدة فى مؤسسات الدولة وتضع لها الحلول، ولا يلتفت اليها أحد وفى بعض الحالات تتم الاستعانة بخبرات من الخارج لحل مشكلة محلية وعادة ما تكون الحلول غير ملائمة للواقع، بالاضافة إلى التكلفة المادية، وهذه تجرية شخصية عايشتها بنفسى، فمنذ سنوات وأنا أسعى إلى رصد بعض المشكلات التى تواجه المؤسسة التى أعمل بها والتعامل معها من منظور علمى وانتهيت بدراسة شبه كاملة برصد معظم المشكلات والوصول إلى حلول جذرية للكثير منها، ولفترة طويلة لم أجد الجهة التى أتقدم إليها، فالبعض منشغل بقضايا شخصية والبعض غير متخصص وكاد الأمل أن يتسرب. مما دعانى إلى ارسال رسالة على البريد الالكترونى للوزير عن الدراسة، والحقيقة لم أتوقع اى رد، ولكننى فوجئت باتصال من مكتب الوزير يحدد ميعاد للمقابلة مع احضار الدراسة، وعند مقابلة سيادته وجدته هادئاً متواضعا وابلغنى اننى سوف اقابل احد مستشارية لمناقشة دراستى وعندما طلبت منه أن يقرأ التوصيات خاصة انه على علم بالمشكلة، كان خلوقا ولم يرفض وابلغنى انه يتفق معى، والحقيقة أن أكثر شىء يسعد الباحث «خاصة فى البحوث النظرية» أن يجد من يستمع إليه ويصدق على نتائج بحثه. وعلى الرغم من اننى لم أجد من أسلمه دراستى أو أتناقش معه بعد خروجى من مكتب الوزير فإننى كنت أشعر بقدر كبير من الحماس للمزيد من الدراسة والبحث لتفعيل دور الباحثين فى حل المشكلات ووضع الخطط والمقترحات والتوصيات المرتبطة بمجالات عملهم، وفكرت فى توجه دعوة إلى طرفين، الطرف الأول: الزملاء الحاصلون على الماجستير والدكتوراه ولايعملون فى مراكز بحثية أو جامعات لعمل ارابطة للبحوث الميدانية. هدفها اجراء بحوث ميدانية لحل المشكلات وتطوير أداء المؤسسات التى يعملون بها، وخاصة العاملين فى مجال التربية والتعليم وأنا على علم أن أعدادهم غير قليلة، فكيف يغيب البحث العلمى عن رصد المشكلات وتوصيف بعض الأزمات فى المدارس على سبيل المثال أزمة أسوان التى بدأت من المدرسة الثانوية»، كيف لاتوظفون قدراتكم البحثية فى رصد مثل هذه المشكلات، وانتم تعيشون الواقع وتعرفون الاسباب وتملكون ناصية العلم. والدعوة الثانية: إلى السادة رؤساء المؤسسات والوزراء أن يحذو حذو وزير التربية والتعليم فى الاهتمام بما يقدم إليهم من افكار، والاهتمام بالباحثين، واعتبار البحث العلمى أحد المداخل الرئيسية فى الإدارة، فالاعتماد على معطيات ونتائج البحث العلمى، سوف يؤدى إلى تلافى الارتجال والعشوائية فى اتخاذ القرارات والتدابير على اختلاف أنواعها، وعلى كل مسئول أن يعمل على توظيف الطاقات العلمية فى مؤسسته وذلك من خلال: تحديد لائحة بأهم الدراسات والأبحاث المطلوبة لمواجهة المشكلات التى تعوق العمل. العمل على إحداث جوائز وتحفيزات للباحثين المتميزين، وتجاوز التعقيدات الإدارية المرتبطة بإنجاز الأبحاث العلمية. أؤكد لكم أن نجاح هذه الدعوة سوف يؤدى إلى تحفيز الباحثين الذين يعانون من الاحباط والاهمال بسبب عدم الاستفادة من إمكاناتهم، وحل مشكلات قد تبدو ثانوية فى نظر البعض إلا أنها الاساس الذى تبنى عليه منظومة التطوير فى مؤسسات الدولة، من هنا تبدأ التنمية الحقيقية فليعمل كل منا فى مجاله، هذا إذا كان صادقا فى المساهمة فى نهضة هذه الامة. جاءتنى هذه الفكرة بسبب موعد مع الوزير .. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان