من المؤسف والغريب أن يسعى البعض هذه الأيام لاستعادة أجواء ما بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 بالدق على وتر أهل الثقة وأهل الخبرة فى إشارة مبطنة أحيانا وظاهرة فى أغلب الأحيان إلى وجود تصادم أو ما يمكن تسميته مناخ عدم انسجام فى منظومة العمل الوطنى عندما يغلب فيها سيطرة أهل الثقة «من ذوى الأصول العسكرية» على أهل الخبرة «من الكوادر المدنية» رغم أن القراءة الأمينة لتاريخ مصر الحديث يؤكد أن ذروة الإنجاز على طريق تنفيذ الأحلام الوطنية المشروعة كان فى مرحلة التزاوج الصحى بين أهل الثقة وأهل الخبرة بعد أن نجح أهل الثقة فى اكتساب الخبرة، واجتاز أهل الخبرة بنجاح اختبار الثقة وبات من الصعب معرفة من هم أهل الثقة ومن هم أهل الخبرة. وإذا كان من الضرورى الاعتراف بأن دور التعليم والجامعات تحديدا كانت هى بؤرة العلم الحديث والمتطور الذى يتعاظم أثره باكتساب خبرة التنفيذ فى المجال العملى فإن طبيعة المناهج التعليمية فى المؤسسة العسكرية، سواء فى كلياتها النوعية المتخصصة أو أكاديمياتها العليا أصبحت الآن منارات يشار إليها بالبنان على المستوى العالمى فى أدق مجالات البحث العلمى المصحوب بخبرة ميدانية، خصوصا فى المجالات الطبية والكيميائية والهندسية والإنشائية والمعمارية. ومعنى ذلك أن الفجوة العلمية التى كانت تبرر - نسبيا - حق إطلاق مقولة التفرقة بين العسكريين والمدنيين فى سنوات ما بعد ثورة 23 يوليو خلال حقبتى الخمسينات والستينات من القرن الماضى لم يعد لها أى مبرر معقول، والكل سواء فى مستوى العلم والتعليم، وإن تميز العسكريون بخبرات عملية وميدانية أفضل نسبيا. إن مصر تحتاج فى هذه المرحلة إلى تجاوز أية محاولة لزرع الشقاق المجتمعى تحت أى مسمى والاتجاه بروح جديدة لبناء مرحلة جديدة تستلهم فكرة ثورة جديدة أطلقها شعب وجيش من أجل حلم مشترك يتطلب حشد كل طاقات الجهد الوطنى لإنجاز الحلم أو على الأقل الاقتراب منه مرحليا فى ضوء المتاح والممكن من الإمكانيات والموارد الذاتية وفى مقدمتها قوة العقل البشرى للإنسان المصرى المؤهل علميا وميدانيا! خير الكلام: لا يتواضع إلا الكبير ولا يتكبر سوى الحقير! [email protected]