بعد بضعة أيام ستحتفل مصر بالذكرى الحادية والستين لثورة يوليو 1952، ويصاحب ذلك الاحتفال –عندى- السؤال التقليدى السنوى الذى يراودنى كل عام تلو الآخر، ولا أجد له إجابة: ماذا حقق وأنجز المصريون خلال تلك الفترة التى شهدت صعود قوى عديدة –لم نكن يوما منها؟!! فما أشبه الليلة بالبارحة، فمنذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، واشتعال شرارة ثورتنا فى 25 يناير 2011، وتجدد موجتها فى 30 يونيو الماضى وتجدد موجتها فى 30 يونيو الماضى، مر على المصريين أكثر من 60 عاما كانت كفيلة بأن تكون مصر فى مصاف الدول المتقدمة على جميع المستويات، ولكن يدور بخلدى هذا السؤال المحير "ماذا فعل المصريون ليصلون إلى تلك المرتبة؟"، على الرغم من أن أهداف الثورتين متشابهة إلى حد التطابق، حيث كان من أهم أهداف ثورة 23 يوليو تحقيق العدالة الاجتماعية، بناء دولة ديمقراطية حديثة، القضاء على الفساد والاحتكار، منع سيطرة الرأسمالية المتوحشة على الحكم، وهو ما نادت به ثورتنا فى الخامس والعشرين من يناير "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وجاء 30 يونيو لإحياء هذه المطالب المشروعة،إلا أن عدم وجود قيادة موحدة للثورتين أو شخصية قيادية تشرف على ضمان تحقيق تلك الأهداف كاملة، وغموض القيادة فى الموجة الأخيرة -الجيش، تمرد، القوى السياسية، غالبية الشعب، مع مفاجأة النجاح الأولى للثورتين بسقوط رأسى النظام الفاسدين – الملك والرئيس، ودعم الجيش للإرادة الشعبية فى 30 يونيو، أدى إلى عدم وصول هذه الأهداف إلى حيز التنفيذ، بالإضافة إلى سلبيتنا وانقسامنا بعد أن أخذتنا نشوة الفرح بنجاح ثورتنا وموجتها الثانية، مما جعلنا فسطاطين –مؤيدين ومعارضين لما حدث، وأبعدنا عن التخطيط لاستكمال تحقيق أهدافنا العادلة التى تضمن لنا حياة كريمة ومستقبلا أفضل، بالإضافة إلى الكلام المرسل المتباهى بحضارة سبعة آلاف سنة، التى سرعان ما ستصبح أثرا بعد عين فى القريب العاجل فى ظل حملة التنقيب الشرسة عن كنوزها وتهريبها للخارج للكسب السريع، وعدم الأخذ بالمنهج العلمى فى بناء أو تطوير أصغر الأشياء فى مجتمعنا، والتوكل على الغير لتصريف أمورنا ؟! فمن ينظر لتاريخنا طيلة الستين عاما الماضية لن يجد سوى الإهمال والتراخى والفساد فى كل شىء، مثلا الخطة “الخمسية”لأى مشروع قومى لدينا تصبح بعد فترة "خمسينية"، حتى إننى لا اتذكر أننى شاهدت مشروعا واحدا انتهى فى الميعاد الذى حدده مسئولوه، وبعد استنفاد الدراسات والأموال والطاقات لا يخرج المشروع إلى النور، وعند السؤال عن الأسباب لا تجد عنه إجابة، وتغرق فى بحر البيروقراطية وإلقاء التهم على الجهات المنفذة لغياب التخطيط والمتابعة، وإذا خرج المشروع إلى النور سرعان ما يتداعى، ولا يحقق ما أنشئ من أجله، لعدم بنائه فى الأساس على أسس علمية وخطة واضحة وأهداف معلومة. ونحن فى خضم ذلك البحر المتلاطم من العشوائية فى كل شىء، نجد دولا كنا بالنسبة لها منارة العلم ونبراسا للتقدم والتحضر قد تقدمت علينا، وأصبحت من الأرقام المهمة فى المعادلة الإقليمية والدولية التى لا يمكن اختزالها، وهى للأسف دول غير أوروبية - كالمعتاد - بل دول آسيوية، وحتى عربية، أضحت، فى فترة وجيزة بالعمل الجاد والأخذ بالمنهج العلمى فى التنفيذ، قصص نجاح يشار إليها بالبنان، والأدهى والأمر على نفسى خاصة ونفوس المصريين عامة أن من قام على نهضة تلك الدول - التى لا مجال لقياس تاريخها بتاريخ مصرنا العريق - فى مختلف المجالات علماء وخبراء ومتخصصون مصريون من نوابغ مصر ضاقت بهم بلدهم التى لم تعرهم اهتمامها، ولم تعطهم حقهم فى التقدير الذى نالوه بالكامل فى تلك الدول. والآن، ونحن على أعتاب لحظة فارقة فى تاريخنا الحديث، ماذا نحن فاعلون؟!، فى ظل عالم يشهد تغيرا كبيرا فى موازين قواه فى ظل أفول أنجم قوى وبزوغ أخرى، هل سنضيع 60 عاما أخرى فى الكلام عن دستور عادل، ورئيس حكيم، وأغلبية تطمح فى الوصول إلى الكرسى الأول فى مصر مدعومة بتأييد رسمي وشعبي - وهى أمور بديهية الحدوث وسهلة الانجاز، وشباب أضاع حقه فى العيش بكرامة وحرية لسلبية مشاركته السياسية، وتشتته أحزابا وائتلافات، بعد أن أشعل ثورة أدهشت العالم أجمع، وأصبحت مثالا يحتذى به، ليقفز عليها "رويبضة" السياسة والإعلام، لينهلوا من غنائمها ؟! أم سنجمع شتاتنا ،ونشرع فى بناء جمهوريتنا الثانية بفهم حقوقنا وواجباتنا، وعدم إقصاء أى فرد أو فصيل عن المشهد العام، وعدم التمييز بين مؤيد ومعارض لأى نظام سابق، والاستفادة من تجارب من سبقونا فى عالم الحرية والعدالة الاجتماعية والعلم والتكنولوجيا، وأخذ المفيد منها مما يناسب طبيعتنا، وعدم الارتكان إلى فلسفة "إعادة صناعة العجلة"، وذلك كله تحت مظلة من التخطيط العلمى بأيدى أهل الخبرة – وما أكثرهم داخل مصر وخارجها من عقولنا المهاجرة التى تشتاق إلى العودة، لنهضة هذا البلد الذى يجدر به أن يكون فى مصاف الدول بل من أوائلها بفضل ما حباه الله به من شعب أصيل قادر على صنع المستحيل بل والإبداع فيه، وموارد من الصعب أن تجتمع فى مكان واحد . لمزيد من مقالات