ما بدأ بما يمكن تسميته مغازلة أمريكية هادئة مع الإسلام السياسي, تطور طوال فترة الحرب الباردة إلى علاقة خبيثة, طرفاها الإخوان من جهة مع جهاز وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من الجهة المقابلة , وهى العلاقة التى تحولت فى العقود التالية إلى سيناريو كارثي, ولم تتمكن أمريكا التى حضرت الشيطان من صرفه, وبات عليها فقط أن تتحالف معه. نشأ التعاون بين الإخوان والمخابرات الأمريكية, فى أعقاب الحرب العالمية الثانية, ويروى هيرمان ايلتس, الدبلوماسى الأمريكي, الذى تقابل للمرة الأولى مع حسن البنا فى السعودية, إن الإخوان كانوا خلال هذه الفترة قوة مخيفة فى قلب مصر, ولديهم ذراع عسكرية سرية يقوم بالأعمال الإرهابية ويصفى خصومه السياسيين, فيما بعد سيصبح ايلتس, سفيرا للولايات المتحدة فى مصر ثم السعودية, وقد كتب فيما بعد أن البنا كان على اتصال دائم بأفراد المخابرات المركزية الأمريكية عبر السفارة الأمريكيةبالقاهرة, وأنها كانت تحصل من خلاله على تقارير استخباراتية, وان واشنطن على الرغم من معرفتها بميل الإخوان نحو العنف, إلا أنها ظلت تعتمد على الإخوان بشكل كبير فى الحصول على المعلومات, وقد فسر عدد من المحللين هذه العلاقة التكافلية فى تلك الفترة, بأن الأمريكيين, كانوا حديثى العهد بالمنطقة, وليست لديهم معلومات أو مصادر معلومات عن التيارات الإسلامية. ظلت أجهزة المخابرات الأمريكية, تعمل لعقود طويلة على افتراض إن الإسلام بطبيعته معاد للشيوعية, ويمكن استغلال هذا المبدأ لخدمة الولاياتالمتحدة فى حربها ضد الاتحاد السوفيتي, وقد اعتبر المسئولون الأمريكين أن الإخوان هم السلاح السرى الناجح فى حرب الظل ضد الاتحاد السوفيتى السابق, وحلفائه العرب, وقد صعدت المخابرات الأمريكية, من اتصالاتها بجماعة الإخوان فى مصر, بعد ثورة 23 يوليو 1952, عندما اظهر الرئيس جمال عبدالناصر, انه لن يسير على النهج الذى ترغب به واشنطن, وأصبح من الواضح بالنسبة لها انه يرفض التحالف مع الولاياتالمتحدة ضد عدوها السوفيتي. ويروى عميل السى اى ايه, مايلز كوبلاند, رجل الوكالة فى القاهرة, فى مذكراته لعبة الأمم كيف فكر عملاء الوكالة وقتها فى استغلال أفيون الشعوب وفقا للوصف الشهير لكارل ماركس للدين. سرعان ما اكتشفت السى اى ايه إن الأمر يحتاج ما هو أعمق من هذا المخطط, فكان استخدام ما يصفه كوبلاند ب «فتنة الدين» وكان الإخوان الذين تبنتهم الولاياتالمتحدة منذ أوائل الخمسينيات, ومكنتهم من التغلغل فى جميع دول المنطقة, ثم كانت نقطة التحول الدينى, فى علاقة الإخوان بوكالة السى اى ايه, التى استغلت كراهيتهم العنيفة تجاه القومية العربية, والشيوعية فى آن, واعتبرتهم الوكالة ثقلا موازيا فى الشارع العربي, لكاريزمية عبد الناصر, وكانت تلك هى المرحلة التى أصبح فيها الإخوان شريكا فعليا مع أجهزة المخابرات الأمريكية لرسم سياسات المنطقة. وهكذا شجعت الوكالة الإخوان على اغتيال عبدالناصر, فى أكتوبر من عام 1954. فى عام 1953 نجح بعض أفراد جهاز المخابرات الأمريكية السريين الموجودين فى القاهرة فى إدخال صهر حسن البنا, سعيد رمضان رسميا إلى البيت الأبيض, ووفقا لما كتبه روبرت درايفوس فى كتابه الشهير «لعبة الشيطان» الذى نشر عام 2006, فانه فى أواخر صيف 1953 التقى الرئيس الأمريكى ايزنهاور, بسعيد رمضان فى المكتب البيضاوي, مع 13 آخرين من علماء المسلمين, وكان رمضان وقتها هو المسئول العسكرى الأيديولوجى لجماعة الإخوان. فى هذه الفترة قررت واشنطن التعامل مع رمضان رغم ما جاءها من تقارير عن ميوله للعنف والتطرف, ونواياه المعلنة فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية إسلامية متشددة, بإتباع نهج الجهاد. كان السبب من وراء هذا الاجتماع الذى أطلق عليه رسميا المؤتمر الأكاديمى عن الثقافة الإسلامية فى جامعة برينستون, والذى شارك بشكل علنى فى إقامته إدارة المعلومات الدولية التى ألحقت بالسى اى ايه, وكان الغرض منه, محاولة إقناع علماء المسلمين بما تملكه الولاياتالمتحدة من قوة روحية وأخلاقية ورغبة فى الحفاظ على قوة العقائد الدينية ودعمها, باعتبار أن هؤلاء العلماء سيمكنهم التأثير على الرأى العام فى العالم الإسلامي, وهذا فى إطار الترويج لأجندة معادية للشيوعية فى البلدان العربية والإسلامية المستقلة حديثا. وكثيرا ما يخطئ المراقبون فى تصور أن إدارة الرئيس الديمقراطى اوباما, هى وحدها من مكنت الإخوان من الحكم, فى أعقاب ما يسمى الربيع العربى. والواقع انه حتى الرئيس, جورج بوش الابن, فيما أعلنه من حرب ضد الإرهاب, لم يكن فى حرب فعليه ضد اليمين الإسلامى المتطرف, لقد استخدمت إدارة بوش ببساطة سياسة توسعية, مكنتها منها هجمات القاعدة فى 11سبتمبر، وكان موقف إدارة بوش والمحافظين الجدد, يتماشى تماما مع مواقف الإدارات الأمريكية المختلفة السابقة, سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية, التى ظلت تفضل تمكين اليمين المتطرف, بدلا من الليبرالية أو القومية اليسارية. ويذكر أن صحيفة صنداى تايمز البريطانية, كانت قد نشرت فى عام 1993, أن المخابرات الأمريكية تؤكد أنه إذا استمر اليمين الإسلامى المتشدد بقيادة الإخوان فى تحقيق المزيد من المكاسب فى مصر فانه فى نهاية المطاف سوف يسقط نظام مبارك. كما قال مسئول فى مجلس الأمن القومى الأمريكى فى بداية عام 1995, أن الإسلاميين فى مصر هم موجة المستقبل الذين سيكونون تحقيقا لأحلام المحافظين الجدد فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط, وفرض نظام ديمقراطى جديد عليه. فيما بعد بشر رويل جريخت, الضابط السابق فى المخابرات المركزية, ومحاضر فى معهد المشروع الأمريكي, وهو من المحافظين الجدد المتشددين ممن كانت لهم بصمة واضحة فى إدارة بوش الابن, بضرورة التخلى عن معارضة اليمين الإسلامي, وطالب إدارة بوش بتشجيع التشدد السنى والشيعى فى أنحاء الشرق الأوسط.