فى مبادرة للهيئة العامة للكتاب أصدرت سلسلة جديدة عن الفنانين المصريين التشكيليين وإبداعاتهم المغمورة فى طى النسيان، واتخذت عنواناً لها (ذاكرة الفن) ويرأس تحريرها الناقد الفنان د. عز الدين نجيب والذى ذكر هدفين أساسيين لهذه السلسلة أولهما ايجاد ذاكرة مرجعية لأصحاب الرؤى الإبداعية ممن وضعوا علامات الطريق من بين أجيال الحركة الفنية لتكون دافعاً للأجيال الجديدة ودارسى الفن نحو المعرفة ونحو تجديد رؤاهم فى ضوء إنجازات من سبقوهم على طريق الأصالة المصرية والحداثة العصرية، أما الهدف الثانى من إصدار هذه السلسلة فهو أن يكون كل كتاب مفتاح المعرفة للقارئ «العام» بلغة الفن التشكيلي، ومصباحاً ينير له الطريق كى يدلف إلى عالم الفن الرحيب عبر الكلمة السهلة والصورة المطبوعة التى تقدمها للقارئ أهم الأقلام النقدية الآن فى مصر بما يتناسب مع كل مستويات القراء قدر المستطاع. وكانت باكورة إنتاج هذه السلسلة الجديدة كتاب (الفنان التشكيلى) والمؤرخ الفنى الدكتور صبحى الشارونى صاحب العشرات من الدراسات والكتب التى تؤرخ للحركة الفنية وتسجل حياة العديد من رموز ورواد الفن التشكيلي، فضلاً عن كتاباته فى مجالات الفن التشكيلى والمتاحف وغيرها التى تزخر بها المكتبة الفنية العربية، وهو فى هذه الدراسة يقدم لنا السيرة الذاتية للفنان صبرى ناشد وخبراته ومهاراته ورحلته الفنية وبعض أعماله وما قاله بعض النقاد حولها. نعود إلى افتتاحية الكتاب الذى يصل عدد صفحاته إلى 80 صفحة من القطع المتوسط منها 47 صفحة لأعمال من إبداعات الفنان صبرى ناشد بالألوان والتى كتبها الناقد د. عز الدين نجيب وبدأها بأنه إذا كانت مصر دولة فقيرة أو نامية على سلم الدول المتقدمة فإنها دولة كبرى وبالغة الثراء على مستوى العالم فى الفنون التشكيلية، وبالرغم من ذلك فإن العطاء الإبداعى لرموز الفن التشكيلى بمصر مع استثناءات نادرة- لم يجعل من المبدعين رموزاً مشهورة ومقدرة فى مصر شعبياً ورسمياً مثل كبار الأدباء والشعراء والسينمائيين والمسرحيين ولم يتحقق لهم التواصل والتفاعل مع الجماهير بالدرجة التى تجعل عطاءهم الإبداعى مؤثراً فى وجدان الجماهير ومحركاً لذائقتها الجمالية، ما أوجد عزلة قاسية يعيشها الفنان عن مجتمعه، وهو ليس المسئول الأول عنها، تزداد قسوتها مع تقديره والاهتمام به من جهات أجنبية ومحافل دولية، بينما يفتقد إلى ذلك فى وطنه مما يشعره بالغربة والتهميش والإقصاء خاصة عندما تصل إلى مسامعه همسات الاستخفاف به وعندما لا يجد من يدعوه لإضفاء لمسة جمال على الإنجازات المعمارية أو المشروعات الحكومية أو الأهلية، وهكذا يعيش ويموت مبدعون عظماء دون أن يلقوا التكريم أو حتى التعريف بإبداعاتهم فتنقطع سيرتهم ومسيرتهم عن المبدعين اللاحقين لهم الذين لا يجدون عنهم أية مراجع إلا فيما ندر، وهذا أحد دواعى إصدار هذه السلسلة القيمة التى سبقتها سلاسل مماثلة توقفت لعدة أسباب ذكر عز الدين نجيب من بينها عدم ارتباطها بسياسة ثقافية مستدامة ترى الفن كضرورة مثل العلوم والآداب، السبب الثانى أن دور النشر لم تجد عائداً مجزياً من كتب الفن لارتفاع تكلفتها وقلة الإقبال على اقتنائها، فضلاً عن ذلك فالجمهور لم يعتد على زيارة المتاحف وقاعات العرض فازداد عمق الفجوة بينه وبين إبداعات الفنانين حتى تلاشى لديه الإحساس بالجمال أو بأن الفن يعنى شيئاً لديه، أو أنه صال مثل لغة غريبة لا يفهمها ولا يتواصل مع من ينطقون بها! أيضاً نبه نجيب إلى غياب مصادر الثقافة البصرية بالمدرسة والشارع والحديقة والكتاب والمجلة والجريدة، مع استثناءات نادرة. هذه هى بعض الأسباب التى رصدها نجيب لإصدار سلسلة اذاكرة الفنب فهى ليست ترفاً ولا رفاهية، وإنما هى ضرورة نرى نحن أنها كانت يجب أن تلتفت إليها الهيئة العامة للكتاب بإصدار طبعة رخيصة من ذات السلسلة ولو ضمن مكتبة الأسرة فسعر الكتاب الأول فى هذه السلسلة يبلغ 15 جنيهاً، وهو سعر كبير بالنسبة لغالبية الشباب الذين يجب أن تسعى الهيئة لرفع مستواهم الفكرى والثقافى والارتقاء بتذوقهم الفني، وتعريفهم برواد ونماذج وقدوات غير التى يرونها فى الفضائيات. نعود إلى افتتاحية الكتاب والتى يفسر فيها الفنان الناقد عز الدين نجيب سبب اختيار الفنان الكبير صبرى ناشد للبدء فى السلسلة وهو أنه «آن الأوان لكى يأخذ الفنان ما يستحق من التكريم أثناء حياته، فقد جرى العرف فى مصر على ألا نكرم المبدعين إلا بعد رحيلهم». هذه العبارة التى قالها نجيب تدعونا إلى أن نقترح أن يصدر عدد خاص من هذه السلسلة عن الناقد الفنان المؤرخ د. صبحى الشاروني، ونعتقد أنه بقلمه الرشيق أقدر على أن يسطر هذا الكتاب. بعد ذلك تبدأ الدراسة التى أعدها الشارونى بعنوان «صبرى ناشد وتماثيله الموسيقية» والتى يبدؤها بالإشارة إلى أنه فى تاريخ الفن المصرى خلال النصف الثانى من القرن العشرين هناك ثلاثة نحاتين تخصصوا فى قهر الخامات الصلبة واشتهروا بتخصصهم فى إخضاعها هم عبد البديع عبد الحى (1916- 2004)، ومحمود موسى (1913- 2003)، والثالث هو صبرى ناشد (1938) الوحيد الذى تخصص فى معالجة التماثيل الخشبية فقط وتألق فى إخراج آيات الجمال من الخشب الذى استخدمه فى معظم تماثيله التى نحتها من خامة لا تقبل التسوس، واستطاع تطويعها لتجسيد الحركة التى تضفى على منحوتاته مزيداً من الرشاقة، لقد عشق ناشد خامة الخشب فعاش فيها وامتلكها وأصبح النحات الأول والأوحد الذى أجرى حواراً ناجحاً مع هذه الخامة النبيلة، وكان لا يبيع تماثيله وإنما يحتفظ بها ليقدمها لجمهور معارضه باعتبارها جزءاً منه مستمراً ومتصلاً ومعبرة عن تطوره الفنى حتى بدأ يغير موقفه عندما اقتنت نانسى كيسنجر حرم وزير خارجية أمريكا الأسبق قطعة من إبداعه وهى تمثال زهرة الصبار عام 1974 لتستقر بعد ذلك فى متحف الفن الإفريقى بواشنطن. بعد ذلك يتحدث الشارونى عن السيرة الذاتية لصبرى ناشد الذى ولد بقنا فى أول يناير 1938 ودرس بكلية الفنون التطبيقية قسم النحت وتخرج عام 1962 وبلغ عدد معارضه الخاصة 14 معرضاً، وحصل على العديد من الجوائز بداية من عام 1961، واهتم باكتساب الخبرات الخاصة التى لدى أستاذيه الفنانين منصور فرج وحسن العجاتى فتعلم منهما أسس التصميم والصبر على الشدائد، والصياغة الرشيقة لمنحوتاته، وتميز ناشد بالإصرار على ممارسة الفن وإخلاصه له بكل مقوماته الجمالية المشحونة بالتوازن الشديد الإيحاء. بعد ذلك ينتقل الشارونى إلى الحديث عن بعض إبداعات صبرى ناشد ومنها تمثال «زهرة الصبارب وبإرادة» و«مع كل شهير.. يسقط السلام» و«الشهيد» و«الأطلال» ومعرضه بعنوان «فلسطين شعب لا يقهر» وتمثال «العائلة» أو «الحب» ومنحوته «الحياة» وغيرها.
الكتاب : الفنان صبرى ناشد المؤلف : صبحى الشارونى تقديم عز الدين نجيب الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب الصفحات: 80 صفحة