دُعيت الأسبوع الماضى من قبل جامعة الدول العربية لحضور فعاليات المؤتمر الإقليمي لمناقشة قضايا النوع الاجتماعي في الصراعات و حالات الطوارئ فى العاصمة الأردنية عمًان، والذى تم اعداده بالتعاون بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى ومنظمة كرامة الإقليمية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي... كنت قد حضرت العديد من المؤتمرات فى هذا الخصوص والتى تم تنظيمها من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، لكن الجديد هذه المرة أن المؤتمر تم التجهيز له برعاية جامعة الدول العربية، وبالتحديد من قبل إدارة الأزمات بالجامعة بالتعاون مع وحدة الأسرة والطفل التى ترأسها السيدة إيناس مكاوى... جال فى خاطرى أنه يبدو أن الجامعة أدركت أخيراً أن دورها السياسي وحده لا يكفى، وأن هناك عزوف فى الشارع العربى عن الثقة فى دورها، وأن هذا ينبغى أن يدفع الجامعة العربية للتحول من شكل سياسي إلى شكل إجتماعى، وهو ما يحدث الآن على حد تعبير السفير وائل الأسد رئيس وحدة إدارة الأزمات بالجامعة... لفت انتباهى أيضاً أن السفير وائل الأسد فى كلمته أثار نقطة هامة هي أن منظمات المجتمع المدنى فى الدول العربية تلجأ عادة إلى الاتحاد الأوروبى أو الأممالمتحدة، بينما من المفترض أن تلجأ أولاً إلى جامعة الدول العربية... أعجبنى هذا الطرح، لكن سرعان ما لفت انتباهى حديث جانبى دار بين مجموعة من المشاركين العرب حول غياب دور الجامعة العربية فى قضايا الشعوب الداخلية، وأن الجامعة العربية أصبحت تمثل لدى قطاع كبير من الناس مجرد تجمع للحكومات العربية، يهتم فقط بما يدور فى دوائر الحكومات دون النظر لمعاناة الشعوب ذاتها، وأن ذلك بالضبط هو ما حدا منظمات المجتمع المدنى العربية للتوجه دوماً إلى الإتحاد الأوروبى والأممالمتحدة بدلاً من اللجوء إلى جامعة الدول العربية لحل قضاياها... وعلى الرغم من ذلك، أعتقد أن هذا المؤتمر يعد بمثابة الفرصة التى يجب اقتناصها من قبل الحكومات العربية وأيضاً من قبل منظمات المجتمع المدنى لتفعيل دور أكبر وشراكة أوسع بين الطرفين، و أن يواكب ذلك اهتمام إعلامى أكبر بدور الجامعة وأنشطتها، تلك التى تحاول الآن أن تتجه للتماس أكثر من ذى قبل مع الواقع الاجتماعى العربي، وهو ما ينبغى أن يثير اهتمام الإعلام الذى اقتصرت تغطياته للجامعة فى أغلب الوقت على الأنشطة السياسية البروتوكولية، وفى معظم الأحيان بواسطة البيانات الصحفية التى تصدرها الجامعة على حد تعبير السفيرة د.هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لشؤون الإعلام بجامعة الدول العربية، وهو أمر يمكن تفهمه من وجهة النظر الإعلامية، فالإعلام لا يمكنه أن يتحدث عن اللقاءات السياسية طوال الوقت، خاصة إذا كانت فقط اجتماعات تتم على المستوى السياسي لممثلين الدول، يتحدثون فيها عن أمور لا تمس احتياجات المجتمع المباشرة، و إنما تدخل فى إطار التنسيق على مستوى الحكومات، تلك الاجتماعات التى ربما لم تعد جاذبة للناس، خاصة مع الزخم السياسي الحادث فى الوطن العربى، لكننى أظن أنه بمجرد توسع الجامعة فى مجال الأنشطة الاجتماعية، سوف يهتم الإعلام أكثر بهذه الموضوعات ويسعى لنقل فعالياتها إلى الناس... لاشك ان العالم العربى كله ينتظر من جامعة الدول العربية دوراً جديداً، دوراً مجتمعياً يساهم فى حل أزمات الشعوب العربية، ويرفع عنها معاناتها، دوراً يساعد تلك الشعوب على الوفاء بمتطلباتها الدولية عبر منظمة اقليمية تفهم أكثر خصوصيتنا المحلية والإقليمية، وتستطيع أن تضعنا فى المكانة التى نستحقها، دون أن نضطر للتنازل او التفاوض مع المنظمات الدولية حول أشياء قد تدخل فى صميم ثقافتنا التى ربما قد لا يفهمونها كل الفهم، وهو الأمر الذى يدفعنا إلى التصميم على أن نسعى ليكون تدخل تلك المنظمات الدولية فى وطننا العربى دائماً عبر التنسيق مع جامعة الدول العربية ذاتها، حتى لا يكون هناك فرصة لسوء الفهم، أو التسبب فى مشكلات قد تثير الكثير من اللغط الذى قد لا يكون هناك مبرر له فى كثير من الأحيان بسبب اختلاف الأبعاد الثقافية التى قد لا يتفهمها الكثيرون منهم بسهولة... [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود